الندرة وولاء العملاء، كانا مفتاح شركة صناعة السيارات الفاخرة «فيراري» للهيمنة عالمياً لوقت طويل، في سوق مكتظ بالمنافسين الأقوياء.
وعلى الرغم من أن الشركة أعلنت إطلاق سيارتها الخارقة (F80) في أكتوبر 2024 بسعر 3.7 مليون دولار، إلا أن جميع وحداتها البالغ عددها 799 قد تم حجزها بالفعل، دون أن تكون متاحة للبيع للجمهور العام.
هذه الاستراتيجية الخاصة بـ«فيراري»، والتي تعتمد على منح الأولوية للعملاء المميزين الذين يرتبطون بعلاقة مستمرة مع الشركة، تعكس تحولاً جوهرياً في نموذج الأعمال. فبدلاً من استهداف السوق الجماهيري، تركّز «فيراري» على إيجاد قيمة من خلال قلة العرض، مما يعزز جاذبية سياراتها، ويزيد ولاء عملائها.
على الرغم من تسليمها 13,752 سيارة فقط في العام الماضي، بحسب تقرير لصحيفة «وول ستريت جورنال»، أصبحت «فيراري»، التي تقدر قيمتها حالياً بـ90 مليار دولار، أكبر شركة سيارات من حيث القيمة في أوروبا. ويظهر هذا الرقم تبايناً كبيراً مع مبيعات «فولكس فاجن» التي تجاوزت 9 ملايين وحدة، ومع ذلك تراجعت قيمتها السوقية بنحو 40 مليار دولار مقارنةً بشركة «فيراري».
رغم أن أرقام مبيعات «فيراري» قد تبدو متواضعة مقارنة مع صانعي السيارات في السوق الجماهيري، إلا أن الشركة حققت نجاحاً مذهلاً بفضل تبنيها نموذج أعمال فخم يتماشى أكثر مع دور الأزياء الفرنسية الراقية مقارنة بالصناعات التقليدية للسيارات. وقد صرح الرئيس التنفيذي، بينيديتو فينيا، قائلاً: «نحن لسنا شركة سيارات. نحن شركة فاخرة تصنع السيارات».
تجسدت هذه التحولات مع الاكتتاب العام الأولي لشركة «فيراري» في عام 2015، حيث كان العديد من المحللين متشككين في نجاح نموذج الفخامة لشركة سيارات. ولكن الرئيس التنفيذي السابق، سيرجيو ماركيوني، قارنها بنجاح «هيرميس». فمثلما تحد «هيرميس» من توفر حقائب بيركين الشهيرة لديها لإنشاء قوائم انتظار وسوق إعادة بيع قوية، طبقت «فيراري» نفس مبدأ الندرة على سياراتها.
وقد ساهمت هذه الاستراتيجية في دفع «فيراري» إلى آفاق جديدة، مما أعاد الثروات إلى عائلة مؤسسها، وعائلة «فيراري»، بالإضافة إلى عائلة أغنيلي التي تسيطر على الشركة من خلال علامتها «فيات».
أحد المستفيدين الرئيسيين من هذه الاستراتيجية كان جامعو سيارات «فيراري». ففي حين أن معظم السيارات تفقد قيمتها مع مرور الوقت، شهدت سيارات «فيراري» النادرة ارتفاعاً كبيراً في قيمتها. على سبيل المثال، يصل سعر سيارة «لا فيراري» الخارقة الآن إلى حوالي 3.8 مليون دولار، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف سعرها الأصلي.
على الرغم من استفادة «فيراري» من إمكانات الاستثمار لسياراتها الرائدة، فإن الشركة تتبنى نهجاً حذراً تجاه المضاربات. فعندما اشترى أحد سمساري العقارات في هيوستن طراز «بروسينغوي»، أول سيارة بأربعة أبواب من «فيراري»، وأعاد بيعها لتحقيق ربح، خرق بذلك عقد الوكالة المبرم مع الشركة. فقامت «فيراري» بمقاضاة السمسار فوراً، رغم أن القضية تم تسويتها في وقت لاحق دون الكشف عن التفاصيل.
تساهم القواعد الصارمة التي تتبناها «فيراري» بشأن من يمكنه شراء سياراتها المحدودة الإصدار في تعزيز هيبتها. إذ يتعين على العملاء الراغبين في شراء طرازات مثل (F80) أو «لا فيراري» أن يثبتوا أنفسهم أولًا كعملاء مخلصين من خلال شراء عدة سيارات «فيراري» عادية، مما يضمن أن يكون المشترون الأكثر ولاءً فقط هم من يحصلون على هذه السيارات الفاخرة.
ومع ذلك، فإن معايير التأهل لشراء سيارات «فيراري» المحدودة الإصدار تتجاوز مجرد امتلاك عدد معين من السيارات، إذ تتبع الشركة مجموعة متنوعة من سلوكيات العملاء، بما في ذلك مشاركتهم في الفعاليات التي تنظمها، واندماجهم في برنامج السباقات الخاص بها، بالإضافة إلى ما إذا كانوا قد قاموا بترميم سيارات كلاسيكية في ورشة العمل التابعة لها.
وبينما أعرب بعض العملاء عن استيائهم؛ بسبب عدم تأهلهم لشراء طرازات محدودة الإصدار، يواصل العديد منهم اللعب وفقاً لقواعد «فيراري»، بشراء طرازات عادية للحفاظ على مكانهم في الطابور للحصول على سيارات أكثر حصرية.
بالمقارنة مع نجاح «فيراري»، فشلت منافساتها مثل «ماكلارين»، و«بوغاتي»، و«لامبورغيني» في تكرار القدرة على تحويل الندرة إلى ربح. وفي محاولة لمضاهاة «فيراري»، قامت «بورشه»، التي أطلقت اكتتابها العام في 2022، بالترويج لنفسها كنظير لـ«فيراري»، لكنها واجهت تحديات في استراتيجيتها المتعلقة بالسيارات الكهربائية، بالإضافة إلى تراجع مبيعاتها في السوق الصينية.
من جهة أخرى، شهدت أسهم «أستون مارتن» خسارة أكثر من 95% من قيمتها منذ اكتتابها العام في 2018، في حين تم الاستحواذ على «ماكلارين» من قبل «صندوق الثروة السيادي البحريني» بعد تكبدها خسائر كبيرة.
وعلى الرغم من التحديات التي يواجهها سوق الرفاهية بشكل عام، تواصل «فيراري» تحقيق النجاح والازدهار. فقد شهدت بعض سيارات «فيراري» المستعملة انخفاضاً في الأسعار بعد الارتفاعات الكبيرة التي شهدتها. ومع ذلك، عادت أسهم «فيراري» إلى مستويات قياسية بعد الإعلان عن نتائج مالية قوية، حيث سيبقى سجل طلباتها ممتداً حتى نهاية عام 2026.
مع استمرار «فيراري» في ازدهارها، يبرهن نموذج أعمالها، الذي يعتمد على الندرة والحصرية وولاء العملاء، على أن الشركة قد أتقنت فن الجمع بين التفوق في صناعة السيارات والعلامة التجارية الفاخرة، مما يضمن لها الحفاظ على مكانتها كالقوة السائدة في سوق السيارات الفاخرة.