توفر المملكة العربية السعودية، حوافز معيارية جديدة للقطاع الصناعي، ضمن مساعي المملكة لتعزيز مكانتها كقوة صناعية إقليمية وعالمية، بالتوازي مع إطلاق هيئة تنمية الصادرات لمبادرة «الإعفاء مقابل التصدير».
وقال محللون اقتصاديون تحدثوا إلى «إرم بزنس»، إن هذه الخطوات الإستراتيجية، تعد نقطة تحول في دعم الصناعات السعودية، وتعزز قدراتها التنافسية، وتفتح أمامها فرصاً غير محدودة للتمدد في الأسواق الدولية، مما يسهم في تسريع نمو القطاع الصناعي، ودفع عجلة التنوع الاقتصادي في المملكة بما يتماشى مع أهداف رؤية 2030.
في 17 ديسمبر الجاري، أطلقت هيئة تنمية الصادرات السعودية، بالتعاون مع وزارة الصناعة والثروة المعدنية، مبادرة «الإعفاء مقابل التصدير»، والتي تهدف إلى دعم الشركات الصناعية الوطنية، وتعزيز قدرتها التنافسية في الأسواق العالمية.
وتأتي هذه المبادرة، كما يشير رئيس قسم البحوث في شركة «أملاك» للاستثمارات المالية محمد الأمين خلال حديثه مع «إرم بزنس»، في إطار مساعي المملكة لتحقيق أهداف رؤية 2030، خاصة في تنويع مصادر الدخل، وتعزيز الصادرات غير النفطية.
كما جاء إطلاق المبادرة، وفق الأمين، ضمن حزمة المُمكنات والحوافز التي تقدمها وزارة الصناعة والثروة المعدنية للمستثمر الصناعي، لدعم جودة المنتجات الوطنية، وتعزيز وصولها إلى الأسواق الإقليمية والعالمية.
وتهدف هذه المبادرة إلى إعفاء الشركات الصناعية من الرسوم الجمركية المفروضة على المدخلات التي تُستخدم في المنتجات المُصدَّرة، وهو ما يساهم بشكل مباشر في تخفيض التكاليف الإنتاجية لهذه الشركات، وتحسين قدرتها التصديرية.
يعتقد أستاذ المالية والاستثمار بجامعة الإمام، محمد مكني في حديث مع «إرم بزنس»، أن المبادرة ستقدم دعماً ملموساً للشركات الصناعية في السعودية، لرفع كفاءتها، وتقليل التكاليف المترتبة على عملية الإنتاج، مما يعود بالنفع على الاقتصاد الوطني من خلال زيادة الصادرات غير النفطية.
وتُظهر بيانات الهيئة العامة للإحصاء في السعودية، ارتفاع الصادرات السعودية غير البترولية «السلعية» والتي تشمل إعادة التصدير بنسبة 10.5% في الربع الثاني من العام الجاري إلى نحو 73.73 مليار ريال (19.5 مليار دولار)، مقارنة بنحو 66.74 مليار ريال (17.7 مليار دولار) في الربع الثاني من 2023.
وبحسب البيانات ذاتها، سجلت الصادرات غير البترولية، والتي تشمل إعادة التصدير ارتفاعاً بنسبة 7.5% في شهر أغسطس الماضي إلى نحو 27.5 مليار ريال (7.3 مليار دولار)، مقارنة بنحو 25.6 مليار ريال (6.8 مليار دولار) في شهر أغسطس 2023.
يرى «مكني»، أن هذه المبادرة ستساهم في رفع تنافسية الصناعات السعودية في الأسواق العالمية، والعمل على توفير فرص عمل جديدة في القطاع الصناعي.
وبلغ عدد العاملين بالقطاع الصناعي بنهاية الربع الأول من عام 2024 نحو 1.2 مليون عامل، منهم 358 ألف سعودي، وبلغت نسبة التوطين نحو 28%، ويمثل السعوديون العاملون في القطاع الصناعي من إجمالي السعوديين العاملين في القطاع الخاص نحو 12.9%، وفق تقرير صادر عن اتحاد الغرف السعودية سبتمبر الماضي.
وتتماشى هذه المبادرة، بحسب اعتقاد أستاذ المالية والاستثمار، مع رؤية المملكة 2030 التي تسعى إلى تقليل الاعتماد على النفط، وزيادة مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة.
ويكشف تقرير اتحاد الغرف السعودية، ارتفاع مساهمة القطاع الصناعي في رفع حجم الصادرات غير النفطية لتصل لنحو 208 مليارات ريال (55.4 مليار دولار)، محققاً نمواً بمقدار 12%، وذلك نتيجة لدعم القطاع وفتح أسواق جديدة للمنتجات السعودية، وتوقيع العديد من الاتفاقيات التجارية.
إضافة إلى ذلك، تعمل هذه المبادرة على تحسين بيئة الأعمال في المملكة من خلال تسهيل الإجراءات الجمركية، وتقديم الدعم اللوجستي اللازم للشركات السعودية لتوسيع نشاطاتها الخارجية.
وتتميز آلية تنفيذ الخدمة بالمرونة والسرعة، حيث لا تستغرق عملية معالجة الطلبات أكثر من 5 أيام عمل، ما يضمن تسريع عمليات التصدير وتحقيق أقصى استفادة للمصنعين، كما يوضح مكني.
بحسب مدير مركز «زاد» للاستشارات الاقتصادية حسين الرقيب، فإن إطلاق مبادرة الإعفاء مقابل التصدير، خلال هذه الأيام جاء في توقيت مناسب، حيث تشهد المملكة طفرة صناعية ملحوظة تهدف إلى جعل السعودية مركزاً صناعياً عالمياً.
ويؤكد الرقيب خلال حديثه مع «إرم بزنس» على أن توفير هذه الإعفاءات يعزز قدرة الشركات السعودية على التنافس مع الشركات العالمية، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية التي تتطلب تكاليف إنتاج أقل وأسواقاً جديدة.
وتُظهر إحصاءات البنك المركزي السعودي لشهر أكتوبر الماضي، ارتفاع صادرات القطاع الخاص السعودي التي موّلتها المصارف التجارية عبر الاعتمادات المستندية (المسددة والمفتوحة) خلال الربع الثالث من العام الجاري 21.1%، بواقع 7 مليارات ريال (1.9 مليار دولار) ليبلغ إجمالي قيمة الاعتمادات المستندية المُقدمة 40,36 مليار ريال (10.74 مليار دولار.
ويشير الرقيب إلى أنه جُهِّزَت منصة «صناعي» التابعة لوزارة الصناعة والثروة المعدنية كمنصة مركزية لتقديم الخدمة، ما يسهل على الشركات تقديم طلبات الإعفاء بشكل سريع ومنظم. ويتمكن المصنعون من خلال هذه المنصة، من التقديم للحصول على الإعفاءات الجمركية بشكل مباشر ودون الحاجة إلى المرور بإجراءات معقدة.
إلى جانب مبادرة الإعفاء مقابل التصدير، وافق مجلس الوزراء السعودي، مؤخراً، على الحوافز المعيارية للقطاع الصناعي، والتي تأتي في إطار الجهود المبذولة لتحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030، لدعم النمو الاقتصادي، وتنويع مصادر الدخل، وتمكين القطاع الصناعي ليصبح أكثر جاذبية للاستثمارات المحلية والدولية.
ووفقاً لتقرير اتحاد الغرف السعودية، فقد ارتفع الناتج المحلي الإجمالي للقطاع الصناعي من 392 مليار ريال (104 مليارات دولار) العام 2019 إلى 592 مليار ريال (157 مليار دولار) العام 2023 بنسبة مساهمة 14.7%، وزاد عدد المنشآت الصناعية من 7.6 ألف منشأة إلى 11.8 ألف منشأة في عام 2024، بمعدل نمو 55.6%.
وباعتقاد أستاذ المالية والاستثمار محمد مكني، فإن هذه الحوافز التي طُوِّرَت بالتعاون مع وزارة الاستثمار ستساهم بشكل كبير في زيادة الاستثمارات، وتشجيع الابتكار، وتعزيز مكانة المملكة كوجهة صناعية عالمية.
ويوضح مكني أن هذه الحوافز ستُطلق على مراحل لتغطية كافة القطاعات الصناعية، بما في ذلك تعزيز الإنتاج المحلي للمنتجات التي لم تُصنع بعد في المملكة، مما سيسهم في تعزيز القدرة التنافسية المستدامة للقطاع.
وخلال العام الجاري، سجلت صادرات الصناعة السعودية زيادة بنحو 19 مليار دولار، ما يؤشر على تحول كبير يشهده هيكل صادرات البلاد في السنوات الأخيرة، بحسب وزير الصناعة بندر الخريف.
وبلغ النمو الذي سجلته الصادرات الصناعية 15% على أساس سنوي، حيث انتقلت من 458 مليار ريال (121 مليار دولار) العام الماضي إلى 528 ملياراً (140 مليار دولار) هذا العام، وهو نمو كبير وصحي جاء من قطاعات جديدة.
وفي تعليقه على الحوافز المعيارية في منشور عبر حسابه على موقع «إكس»، قال خليل بن سلمة، نائب وزير الصناعة لشؤون الصناعة، إن الحوافز المعيارية ستساهم في تعزيز القدرة التنافسية المستدامة للصناعة السعودية، ورفع الإنتاجية في القطاعات ذات الأولوية، فضلاً عن دعم جهود المملكة لجذب التقنيات الحديثة والشركات العالمية.
وتسعى هذه الحوافز، وفق مكني، إلى دعم الإستراتيجيات الوطنية للصناعة والاستثمار، من خلال تعزيز الإنتاجية في القطاعات ذات الأولوية، واستقطاب التقنيات المتقدمة، وكذلك جذب الشركات العالمية الرائدة في مختلف المجالات الصناعية.
وارتفع عدد المصانع الأجنبية من 622 مصنعاً إلى 1067 مصنعاً بمعدل نمو 71.5%، ونما حجم رأس المال المستثمر بالقطاع من 43 مليار ريال (11.4 مليار دولار) إلى 93 مليار ريال (24.8 مليار دولار) بمعدل نمو 116.2%.، وفق اتحاد الغرف السعودية.
ويؤكد عبدالله بن علي الأحمري، مساعد وزير الصناعة لشؤون التخطيط والتطوير، عبر حسابه على موقع «إكس»، أن هذه الحوافز تأتي في إطار مساعي المملكة لتوطين الصناعات المتقدمة، وفتح آفاق جديدة للاستثمارات الصناعية التي تسهم بتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030.
وتروج المملكة، حالياً، لأكثر من 450 فرصة استثمارية في قطاع الصناعة، وقد برز اهتمام المستثمرين بهذا القطاع بشكل واضح، إذ يُرتقب أن يبلغ إجمالي الرخص التي أقرتها الدولة بنهاية العام أكثر من 1100 رخصة، فيما بدأ نحو 900 مصنع في الإنتاج، بحسب المسؤول السعودي.
ومن المقرر أن تعلن وزارتا الصناعة والاستثمار، في 12 يناير المقبل، عن المزيد من التفاصيل حول هذه الحوافز المعيارية، مصحوبة بفرص استثمارية جديدة. كما سيتضمن حفل الإطلاق جلسات حوارية وورش عمل بمشاركة العديد من الشركات وفق وكالة الأنباء السعودية.