في وقت تتصاعد فيه الحرب التجارية بين واشنطن وبكين، نتيجة الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على واردات العديد من دول العالم، بما في ذلك الصين التي ردت بخطوات وصفت بأنها بـ«الانتقامية»، برز صراع جديد بين الدولتين في الأيام الأخيرة.
الصراع الجديد يتعلق برغبة الرئيس الأميركي في فتح باب التعدين في أعماق المحيطات، بما في ذلك المياه الدولية، وهو قرار اتخذته إدارة ترامب بعد أن رفضت إدارة الرئيس السابق، جو بايدن، الموافقة عليه عدة مرات.
يرى ترامب أن التعدين في المحيطات سيوفر للولايات المتحدة فرصة للحصول على 300 مليار دولار أميركي، ما سيعزز النمو الاقتصادي في الناتج الإجمالي للولايات المتحدة على مدار عشر سنوات، بالإضافة إلى خلق 100 ألف وظيفة، مما سيسهم في تقليل البطالة، وفق وكالة الأنباء الفرنسية.
في المقابل، اعتبرت الصين، التي تتفوق في هذا المجال، قرار الإدارة الأميركية «انتهاك للقانون الدولي»، ما يزيد من حدة التوتر بين البلدين.
وتريد واشنطن التفوق على الصين في مجال التعدين في المحيطات، للاستفادة من الثروات الكبيرة في هذا القطاع.
ووقع الرئيس الأميركي، أمس الخميس، مرسومُا يقضي بفتح الباب في التعدين في أعماق المحيطات دون الرجوع إلى المنظمات الدولي المعنية بهذا القطاع، حيث لم تصادق واشنطن على أي اتفاقات تحت مظلة «السلطة الدولية لقاع البحر»، بموجب اتفاقات لم تصادق عليها الولايات المتحدة.
وطلب ترامب من وزير التجارة في بلاده، هاوورد لوتنيك، بتسريع مراجعة طلبات التنقيب والتعدين وإصدار التصاريح لاستكشاف واستخراج المعادن خارج نطاق السلطات القضائية الأميركية، كما طلب ترامب إعداد تقرير «دراسة جدوى» لتقاسم عائدات قاع البحر والمحيطات.
في المرسوم ذاته، طلب ترامب من وزير الداخلية، دوغ بورغوم، القيام بنفس القرار الموجه لوزير التجارة في المياه الإقليمية.
واستبق ترامب في مطلع الشهر الجاري هذا القرار، بتفعيل سلطات الطوارئ لتعزيز الإنتاج المحلي من المعادن.
كما قام وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، بزيارة قبل أيام إلى جامايكا، والتقى مع رئيس الوزراء أندرو هولنيس، وقال روبيو خلال المؤتمر الصحفي «تهدف واشنطن إلى الشراكة مع كينغستون في مشاريع مرتبطة بالطاقة، بما في ذلك فرص التعدين قبالة قاع البحر».
ومن أهم أسباب صدور هذا القرار الأميركي، رغبة واشنطن في الحصول على مصادر جديدة للمعادن الحيوية، والحد من سيطرة الصين الواسعة على إنتاجها ومعالجتها، حيث بدأت بكين في منع صادرات المعادن الرئيسية المستخدمة في التطبيقات الدفاعية كرد فعل على الرسوم الجمركية الأميركية.
بكين ردت، اليوم الجمعة، برفض هذا القرار، معتبرة أنه يشكل انتهاكًا للقوانين الدولية، وتتخطى السلطة الدولية المسؤولة قضائياً على كل ما يتعلق بأعلى البحار والمحيطات.
المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، غوو جياكون، خرج للصحفيين، صباح الجمعة، ليشدد على أن «موافقة الولايات المتحدة على نشاطات التنقيب عن المعادن واستغلالها، فيما يُسمى بالجرف القاري الخارجي، تمثل انتهاكًا للقانون الدولي، وتُضر بمصالح المجتمع الدولي بشكل عام».
ومن المتوقع أن يثير القرار الأميركي رفضًا لدى المؤسسات البيئية الكبرى في العالم، باعتبار أن القرار يؤدي إلى الإضرار بالبيئة البحرية.
ردود الفعل الغاضبة على القرار الأميركي، تواصلت بتصريح لجيف ووترز نائب رئيس منظمة «أوشن كونسيرفانسي» (Ocean Conservancy) غير الحكومية في بيان، قال فيه «من خلال الشروع في استخراج المعادن من المياه الدولية، فإن الحكومة الأميركية) تمهد الطريق أمام دول أخرى للقيام بالأمر نفسه»، مُحذرًا من التبعات السلبية للقرار الأميركي على كافة البلاد وعلى المحيطات.
وحسب مسؤول أميركي تحدث للوكالة الفرنسية، فإن هذا القرار يمنح البلاد مليار طن من المواد على مدى عشر سنوات، مضيفًا «نسعى أن تتقدم الولايات المتحدة على الصين في هذا القطاع».
وتكمن أهمية التعدين في المحيطات في استخراج المنغنيز والنيكل والكوبالت والنحاس والمعادن النادرة، وجميعها تتميز بخصائص مغناطيسية، هي إحدى الأساسيات في صناعة السيارات الكهربائية والألواح الشمسية، والهواتف الذكية وأجهزة الكومبيوتر المحمولة.
ويُمثل هذا القرار الأميركي امتدادًا لرغبة ترامب في الحصول على المعادن النفيسة في غرينلاند وأوكرانيا.
ويجيز «قانون هيئة سلطات البحار الدولية» لأي دولة السماح بالتعدين في أعماق البحار في مياهها الإقليمية، على بُعد حوالي 200 ميل بحري من الساحل.
ومن بين الحكومات الأكثر اهتمامًا بتطوير صناعات التعدين في أعماق البحار في مياهها، جزر كوك والنرويج واليابان، بالإضافة إلى الصين.
صراع جديد بين واشنطن وبكين، في ظل الزخم الدائر حول الحرب التجارية بين الطرفين، وحالة عدم اليقين الناتجة عن هذه الصراعات ستؤدي بكل تأكيد إلى مزيد من الأزمات الاقتصادية في مناطق شتى من العالم، قبل رسم الخريطة الجديدة للاقتصاد العالمي التي ستتشكل في نهاية المطاف أو بالأحرى في نهاية الصراع الأميركي الصيني.