وزارت جانيت يلين الصين، وأعجبت بها، وكانت وقتها تشغل منصب كبيرة الاقتصاديين في البيت الأبيض في عهد بيل كلينتون، ورأت في الصين اقتصاداً يزدهر بدعم من تغيرات السوق على النمط الغربي، وكانت يلين حريصة على تعزيز العلاقات الوثيقة، في الفترة التي سبقت زيارة الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون إلى الصين في عام 1998.
واليوم، تستعد يلين للسفر إلى الصين كوزيرة للخزانة تحت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، لكن بمزاج مختلف نتيجة "الممارسات الصينية غير النزيهة"، حيث تعمل سلسلة من منتجات الطاقة النظيفة الصينية الرخيصة، على دفع الأسعار إلى الانخفاض في الأسواق العالمية، الأمر الذي يهدد بإحباط الجهود الأميركية، الرامية إلى رعاية صناعة الطاقة النظيفة المحلية. وفي اجتماعات في قوانغتشو وبكين، من المتوقع أن تطلب يلين من نظرائها الصينيين التوقف عن الاعتماد على الصادرات، لدعم اقتصادهم الضعيف وتعزيز سوقهم الاستهلاكية بدلاً من ذلك.
وقالت في مقابلة: "لا نريد اعتماداً مفرضاً وهم يريدون السيطرة على السوق". "لن ندع ذلك يحدث."
ويعد تحذير يلين علامة على أن إدارة بايدن تتجه نحو رفع التعريفات الجمركية، التي فرضت في عهد ترامب على بعض المنتجات الصينية، بما في ذلك السيارات الكهربائية. وقد تؤدي مثل هذه الخطوة إلى إشعال التوترات بين أكبر اقتصادين في العالم، اللذين حاولا تهدئة التوترات في العلاقات خلال الأشهر الأخيرة.
وستمثل الرسالة أيضاً تطوراً بالنسبة لـ "يلين"، ونهاية حقبة منصرمة في التفكير الاقتصادي الأميركي تجاه الصين. ومثل الاقتصاديين الآخرين من جيلها، قالت يلين، البالغة من العمر 77 عاماً، إن الزيادة في الصادرات الصينية في بداية القرن الحادي والعشرين، تبدو وكأنها تطور إيجابي، حيث توفر سلعاً منخفضة التكلفة للمستهلكين العالميين، لكن الصادرات غير المكلفة ساعدت أيضاً في تفريغ القاعدة الصناعية الأميركية، فيما أصبح يعرف باسم "صدمة الصين"، ما أدى إلى ترك الأميركيين عاطلين عن العمل، وسبّب ردة فعل سياسية عكسية بالنسبة للعولمة.
داخل إدارة بايدن، ظلت يلين مخلصة للعديد من المعتقدات التقليدية، حول فوائد التجارة العالمية حيث يفضل المسؤولون الآخرون المزيد من التدابير الحمائية. وكانت الصوت الرائد داخل الإدارة، الذي دعا إلى خفض بعض التعريفات الجمركية على الصين في وقت سابق من ولاية بايدن، ودفعت من أجل المزيد من التبادل التجاري مع الحلفاء ذوي التفكير المماثل، من أجل "دعم" الصناعات الحيوية، بدلاً من إعادة توطينها بالكامل.
وقالت يلين، التي لم تعلق على ما إذا كان سيتم رفع الرسوم الجمركية، إن الولايات المتحدة ستفعل ما بوسعها لحماية الصناعات الأميركية الحيوية، وأضافت: "من الواضح أن هذه هي أجندة الرئيس بايدن، وأنا أؤيد بشدة وجهة النظر القائلة بأن هذه مشكلة يتعين علينا علاجها"، "لا يمكننا أن نسمح بحدوث ذلك مرة أخرى."
وقال الخبراء إن مثل هذه الرسالة من مسؤول بحجم يلين في إدارة بايدن، قد يكون لها وزن أكبر في بكين.
وقالت ويندي كاتلر، نائبة رئيس "معهد سياسات المجتمع الآسيوي": "أعتقد أنه من المهم للغاية، أن يأتي ذلك من الوزيرة يلين، لأن الصين تنظر إلى وزارة الخزانة، باعتبارها الوكالة الأكثر انفتاحاً على العمل معهم".
ولطالما احتضن المسؤولون الاقتصاديون الصينيون يلين، باعتبارها شخصاً لا يزال يقدر التجارة والاستثمار بين البلدين، حتى بعد أن أصبحا خصمين جيوسياسيين، وفقاً للأشخاص الذين تحدثوا معهم.
وتعتبر يلين أول عضو في حكومة بايدن يسافر إلى الصين مرتين، وهذا تمييز عن بعض المسؤولين الآخرين، حيث صرحت الممثلة التجارية الأميركية كاثرين تاي، بأنها لا تريد أن تكون جزءاً من الموكب الأميركي في الصين، نظراً لصعوبة التوصل إلى اتفاقيات بشأن التجارة، وفقاً لمطلعين على الأمر.
وفي سان فرانسيسكو العام الماضي، أهدى هي ليفينغ، نائب رئيس مجلس الدولة الصيني، يلين قطعة من معدن نادر، تحتفظ به الآن في مكتبها، اعترافاً باهتمامها بهذه المعادن التي تعود إلى طفولتها، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر. وعلى العشاء بعد يوم من الاجتماعات في كاليفورنيا، أمطر المسؤولون الصينيون يلين بالأسئلة، حول بحثها الأكاديمي في الاقتصاد.
وستكون الزيارة القادمة اختباراً لهذا الدفء، وكيف يمكن أن يترجم إلى واقع في العلاقات بين البلدين. وبرزت التجارة مع الصين كقضية مهمة في الانتخابات الرئاسية الأميركية، مع دعوة الجمهوري دونالد ترامب إلى زيادة الرسوم الجمركية، والتحذير بشأن الصادرات الصينية.
واعترف بعض مسؤولي إدارة بايدن بأنه من غير المرجح، أن تدفع يلين الصينيين إلى تغيير نهجهم الاقتصادي الشامل. وحاول المسؤولون الأميركيون إقناع الصينيين، بتحويل استراتيجيتهم الاقتصادية نحو النمو، بقيادة المستهلكين لسنوات، واستمر المسؤولون في بكين في الاعتماد على البنية التحتية، والإنتاج الصناعي الموجه للتصدير بدلاً من ذلك.
وقال براد سيتسر، المسؤول السابق في وزارة الخزانة، إن سياسة الصين قد تدفع وزارة الخزانة، في اتجاه أكثر حمائية إذا استمرت في مسارها الحالي. وقال: "بقدر ما تشعر وزارة الخزانة بالإحباط من وجهات نظر الصين بشأن الاقتصاد الكلي، فقد يمتد ذلك إلى اتخاذ خطوات سياسية أخرى مثل الرسوم الجمركية".
ومن المتوقع أن ينتقد المسؤولون الصينيون، من جانبهم، إعانات دعم الطاقة النظيفة في الولايات المتحدة، بعد تقديم شكوى إلى منظمة التجارة العالمية الشهر الماضي، للطعن في قانون خفض التضخم، والحواجز التجارية الأميركية والضغط في الكونغرس لحظر تطبيق التواصل الاجتماعي تيك توك، بالإضافة إلى الخطوات الأميركية، لقطعهم عن تكنولوجيا أشباه الموصلات المتقدمة.
وحتى لو لم تحفز المحادثات تغييرات واسعة النطاق في السياسة، سواء في الولايات المتحدة أو الصين، فإن يلين ومسؤولين آخرين في إدارة بايدن، يرون أنها وسيلة جديرة بالاهتمام والتنسيق، بشأن التحديات الاقتصادية الشاملة.
وفي هذا الصدد قال جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي، في بيان مكتوب: "لقد تم إنشاء قنوات فعالة مع القيادة الاقتصادية للصين، تسمح لنا بإيصال رسالتنا بشكل أفضل، والتعبير عن مخاوفنا الجادة والنية وراء ردودنا السياسية". "كل هذا يدعم هدفنا الشامل المتمثل في إدارة المنافسة الاقتصادية مع الصين بشكل مسؤول."
وعندما كانت يلين وفريقها في سان فرانسيسكو في الخريف، وردت أنباء مفادها أن قراصنة تسللوا إلى فرع نيويورك، للبنك الصناعي والتجاري الصيني. وقالوا إن موظفي الخزانة ناقشوا بسرعة الاختراق، مع نظرائهم الصينيين، مما منع سوء الفهم وساعد في احتوائه، وقالت يلين إن هذا النوع من التواصل مفيد.
وقالت: "الأمر بسيط للغاية، أعتقد أن لدينا علاقة اقتصادية عميقة مع الصين. ولا أريد أن نضحي بها، لأنني أعتقد أنها مفيدة لنا ومفيدة لهم. لكن لدينا مخاوف حقيقية بشأن بعض الأمور التي يفعلونها".