بعد إعلان تركيا قطع علاقاتها التجارية كافة مع إسرائيل باسم التضامن مع الفلسطينيين في قطاع غزة، أصبح المستوردون الإسرائيليون يلجؤون إلى فلسطينيي الضفة الغربية للالتفاف على المقاطعة بحسب صحيفة "ليزيكو" الفرنسية، وبات رجال الأعمال الإسرائيليون يستغلون ثغرة في المقاطعة الشاملة التي فرضها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على بلادهم في شهر مايو، من خلال مطالبة الوسطاء الفلسطينيين من الضفة الغربية أو القدس الشرقية، بالمساعدة على الالتفاف على الإجاءات التي اتخذتها أنقرة.
تقول الصحيفة إن الأرقام مذهلة، وتنقل عن بيانات جمعية المصدرين الأتراك، أن مبيعات المنتجات التركية الموجهة رسمياً إلى فلسطين، ارتفعت في يوليو بنسبة 1180%. لتبلغ 119 مليون دولار.
في الواقع، هذه البضائع كلها المستوردة رسمياً من فلسطين، مخصصة للتجار الإسرائيليين بحسب الصحيفة الفرنسية، التي أضافت أن الإسرائيليين اعتادوا أن يتعاملوا مع موردين أتراك، ومنذ سنوات تستمر التجارة بين البلدين في النمو. وخلال عقد من الزمن، تضاعفت الصادرات التركية إلى إسرائيل لتحتل تركيا المركز الخامس في قائمة أكبر المورّدين للدولة اليهودية، بمبيعات بلغت 5.4 مليار دولار في العام الماضي، وهو ما شكّل 6% من الواردات الإسرائيلية.
تقول "ليزيكو" إن هذا الأمر يدل على أن إسرائيل تأثرت بقوة جراء المقاطعة التركية، وخصوصاً في ما يتعلق بقطاع البناء، بعدما هجره ما يزيد على 85 ألف عامل فلسطيني مُنعوا من البقاء في إسرائيل منذ هجمات 7 أكتوبر. وليس مستغرباً في ظل هذه الظروف، أن ترتفع واردات الإسمنت الموجهة إلى فلسطين، والتي تنتهي في مواقع البناء الإسرائيلية، بنسبة 46300%، فيما بلغت الزيادة 51000% في الصلب، و35000% في منتجات التعدين، و5000% في السيارات، لا سيما سيارات "تويوتا" المصنّعة في تركيا.
عملية التحايل يسيرة. كل ما يتطلبه الأمر هو أن يتصل مستورد إسرائيلي بوسيط فلسطيني يقدم الطلب، مقابل عمولة تتراوح بين 5% و8% من إجمالي مبلغ الصفقة. بعد ذلك، تُفرغ المنتجات المطلوبة في أحد الموانئ الإسرائيلية.
نقلت الصحيفة عن دبلوماسي إسرائيلي قوله: "الجميع يستفيد، وخصوصاً مدير الشركة التركية، الذي لا يخسر عميله الإسرائيلي، والمستورد الإسرائيلي الذي يحتاج بشكل عاجل إلى هذه الإمدادات، والوكيل الفلسطيني الذي يستفيد في هذه العملية". وأضاف الدبلوماسي: "المال مثل الماء، يجد دائماً طريقة لعبور العقبات كلها".
لكن، هل السلطات التركية تقبل بمثل هذه "الصفقة" لمدة طويلة، خصوصاً في ظل استمرار تصاعد التوترات بين البلدين؟ في حال وضعت تركيا حداً لهذه الطريقة الثلاثية الراهنة، لن يبقى لإسرائيل بديل سوى استخدام التحايل ذاته، على سبيل المثال، من خلال مرور وارداتها عبر اليونان، بحسب الصحيفة. ولكن، كما يقول أحد مستوردي السيارات "سيكون لهذا الخيار عيبان رئيسان: سوف تستغرق عمليات التسليم شهراً على الأقل، مقارنة بأسبوع في النظام الحالي، وقد تتضاعف تكلفة النقل".
هناك مسألة أخرى مجهولة تتعلّق بالنفط، وتثير قلق الدولة اليهودية إلى أقصى حد. فإسرائيل تستورد نحو 40% من احتياجاتها من النفط الخام من أذربيجان، وهي الدولة التي تقيم معها علاقات وثيقة للغاية، خصوصاً في مجال مبيعات الأسلحة. ولكن هذا النفط، يُنقل عبر خط أنابيب يبلغ طوله 1768 كيلومتراً يعبر جورجيا، وينتهي في ميناء جيهان التركي على البحر الأبيض المتوسط. ومن هناك يُنقل النفط الخام بالناقلات إلى موانئ حيفا وأسدود الإسرائيلية لتكريره.
حتى الآن، لم يعارض الرئيس التركي هذا النظام، ولكن بوصفه إجراءً احترازياً، تسعى وزارة الطاقة الإسرائيلية إلى التفاوض لزيادة مشترياتها من النفط الخام من دول أخرى بين مورديها الحاليين، مثل كازاخستان ونيجيريا، أو إيجاد مصادر جديدة للإمدادات. ولكن في هذه الحالة أيضاً، فإن تكلفة النقل ومعدلات عقود التأمين قد تكون أعلى بكثير من تلك المتبعة حالياً مع تركيا.