مع التحولات الرقمية المتسارعة التي يشهدها العالم، باتت الجزائر نموذجاً لافتاً في تبني الخدمات المالية الإلكترونية، حيث سجلت البلاد قفزات نوعية في استخدام المدفوعات الرقمية وتحويل الأموال عبر الهاتف الجوال.
ويعكس ارتفاع معدلات التحويلات بين الأفراد عبر الهاتف الجوال بنسبة 109% خلال عام 2024، وزيادة المعاملات المالية الإلكترونية في مختلف القطاعات، تحولاً جذرياً في سلوك المستهلكين، إلى جانب الجهود الحكومية لتعزيز الشمول المالي وتقليل الاعتماد على النقد الورقي.
وبحسب تقرير صادر قبل أيام عن «تجمع النقد الآلي» في الجزائر (حكومي)، شهدت تحويلات الأموال بين الأفراد عبر الهاتف الجوال نمواً قياسياً، حيث ارتفعت إلى 503 مليارات دينار جزائري (3.78 مليار دولار) خلال العام الماضي، مقارنة بـ241 مليار دينار في 2023، بزيادة 109%.
كما ارتفع عدد التحويلات من 17.8 مليون عملية إلى 36.2 مليون عملية خلال الفترة نفسها، بزيادة 103%، وفق التقرير ذاته.
ويعكس هذا الارتفاع، بحسب الخبير الاقتصادي جلول سلامة، تغيراً جوهرياً في ثقافة الدفع لدى الجزائريين، حيث بات المستخدمون أكثر اعتماداً على القنوات الرقمية في معاملاتهم اليومية.
ويرى سلامة في حديثه مع «إرم بزنس» أن التحول إلى المدفوعات الرقمية يعزز الكفاءة المالية، ويقلل من تكاليف المعاملات، ويمثل خطوة مهمة نحو اقتصاد أقل اعتماداً على النقد الورقي ضمن خطط تعزيز الشمول المالي.
ولم تقتصر الطفرة على التحويلات بين الأفراد فحسب، بل امتدت إلى عمليات الدفع عبر الهاتف الجوال لدى التجار الإلكترونيين، حيث سجلت زيادة بنسبة 49% في عدد العمليات خلال عام 2024، لتصل إلى 58.4 مليون عملية، بقيمة إجمالية 43.5 مليار دينار، محققة نمواً بنسبة 56%.
ويعود هذا الارتفاع، وفقًا للخبير الاقتصادي، إلى انتشار تقنيات الدفع عبر الهاتف الجوال، مثل رمز الاستجابة السريعة (QR Code)، الذي يتيح تسهيلات أكبر للتجار والمستهلكين على حد سواء.
من جهة أخرى، توسعت خدمة الدفع عبر الهاتف الجوال، التي انطلقت رسمياً في عام 2022، لتشمل مزيداً من البنوك. فبعد أن كانت مقتصرة على البنك الوطني الجزائري، وبنك السلام-الجزائر، وبريد الجزائر، انضمت 5 بنوك جديدة إلى المنظومة منذ يناير 2024، عقب إطلاق التشغيل البيني في يونيو 2024، مما عزز انتشار الخدمة.
وباعتقاد سلامة فإن هذه القفزة في المعاملات الرقمية لم تكن عشوائية بل جاءت نتيجة إصلاحات وتوجهات استراتيجية انتهجتها الحكومة الجزائرية لتعزيز الشمول المالي وتقليل الاعتماد على النقد.
ووفق وزارة المالية، تأتي هذه التطورات كجزء من رؤية أوسع لـ «التحول الرقمي في القطاع المصرفي»، حيث تم اتخاذ عدة إجراءات لتعزيز المدفوعات الإلكترونية، أبرزها: التشجيع على اعتماد تقنيات الدفع عبر الهاتف من خلال تحفيز المصارف على توفير خدمات مالية متكاملة.
بالإضافة إلى إطلاق التشغيل البيني بين البنوك، مما يتيح لعملاء مختلف المؤسسات المالية إجراء التحويلات والدفع عبر تطبيقات موحدة، وتعزيز البنية التحتية الرقمية للمصارف من خلال تطوير أنظمة الدفع الإلكتروني وإدخال تقنيات الدفع اللاتلامسي (Contactless Payments).
ورغم أن هذه الإصلاحات بدأت تؤتي ثمارها، بحسب المحلل الاقتصادي محفوظ كاوبي، لكنه يشير في حديثه مع «إرم بزنس» إلى أن هناك تحديات مستمرة.
ويشير المحلل الاقتصادي إلى أنه لا تزال هناك بعض العوائق التي تحتاج إلى معالجة، مثل تعزيز ثقافة التعاملات الرقمية بين المستهلكين، وتحسين البنية التحتية للإنترنت في المناطق الريفية والنائية لضمان وصول الخدمات المالية الرقمية للجميع، وزيادة عدد نقاط الدفع الإلكتروني لدى التجار، حيث لا يزال العديد من المتاجر الصغيرة غير مزودة بأجهزة الدفع الرقمي.
ويؤكد كاوبي أن الجزائر أمام فرصة ذهبية للانتقال إلى اقتصاد رقمي متكامل، مشيراً إلى أن الدعم الحكومي والتحولات السريعة في سلوك المستهلكين سيكونان العامل الحاسم في ترسيخ هذه النقلة النوعية.
وبلغت القيمة الإجمالية لعمليات الدفع الإلكتروني في الجزائر، بما في ذلك أجهزة الدفع الإلكتروني والإنترنت والهاتف المحمول، إلى نحو 643.8 مليار دينار جزائري في عام 2024، مقارنة بـ 332.6 مليار دينار في عام 2023، محققة نمواً بنسبة 48.3%، وفقًا لبيانات «تجمع النقد الآلي».
كما سجلت معاملات الدفع عبر الإنترنت زيادة ملحوظة بنسبة 61% خلال العام الماضي، لتصل قيمتها إلى 51.945 مليار دينار جزائري، مما يعكس توسع استخدام الخدمات الرقمية في المعاملات المالية.