في خضم التحولات الكبرى التي تشهدها التجارة العالمية، تبرز مصر كلاعب رئيس في المبادرة الصينية الطموحة «الحزام والطريق»، التي أعادت تشكيل شبكات التجارة والبنية التحتية عبر القارات.
لكن كيف استفادت مصر فعلياً من هذه الشراكة؟ وهل يشكل هذا التعاون فرصة إستراتيجية أم تحدياً على المدى الطويل؟
منذ إطلاق «مبادرة الحزام والطريق» (Belt and Road Initiative) في 2013، كان لها تأثير عميق على التجارة العالمية وتطوير البنية التحتية والتعاون الدولي. وبفضل موقعها الإستراتيجي وقناة السويس الحيوية، تحولت مصر إلى شريك رئيس في المبادرة، خاصة في قطاعي النقل البحري واللوجستيات، مما فتح أمامها فرصاً لتعزيز بنيتها التحتية، وجذب الاستثمارات الصينية وفقاً لرؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة، وذلك بحسب تقرير لمنصة «مودرن دبلوماسي».
تعد قناة السويس، التي تربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر، نقطة ارتكاز رئيسة في المبادرة الصينية، حيث تمر عبرها نسبة كبيرة من التجارة العالمية. ومع تزايد النفوذ الصيني في المشهد الاقتصادي العالمي، أدركت بكين أن ضمان استقرار وتأثير مبادرتها يمر عبر تعزيز التعاون مع مصر، مما انعكس في استثمارات ضخمة لتطوير «المنطقة الاقتصادية لقناة السويس» (SCZone) وتوسيع القناة، وفق التقرير.
لم يكن هذا التعاون مجرد استثمار في البنية التحتية، بل خطوة إستراتيجية تهدف إلى تحويل مصر إلى مركز لوجستي وصناعي يخدم التجارة بين الشرق والغرب. وبفضل ذلك، لم تعد قناة السويس مجرد ممر ملاحي، بل أصبحت عنصراً حاسماً في شبكة التجارة العالمية المتنامية.
خلال العقد الماضي، عززت مصر اندماجها في «مبادرة الحزام والطريق» عبر مشاريع ضخمة شملت تطوير القناة، وبناء موانئ جديدة، وتوسيع المناطق الاقتصادية الخاصة، وربطها بشبكات السكك الحديدية والطرق السريعة. أبرز هذه المشاريع كان تطوير «قناة السويس الجديدة»، الذي يستهدف استيعاب السفن الأكبر وزيادة القدرة التشغيلية للقناة، في إطار خطة استثمارية تصل إلى 100 مليار دولار.
مع زيادة الاستثمارات الصينية في مصر، باتت «المنطقة الاقتصادية لقناة السويس» مركزاً لجذب الشركات الصينية، التي أنشأت مصانع ضخمة مثل «جوشي مصر» لصناعة الفايبر غلاس و«هونغهوا مصر» لمعدات البترول. هذه الاستثمارات تعزز من القدرات الإنتاجية المصرية، لكن هل يمكن لمصر الاستفادة منها في تطوير قاعدة صناعية مستقلة أم أنها ستظل مجرد مركز تجميع للمنتجات الصينية؟
نقل التكنولوجيا يعد تحدياً أساسياً، إذ لا يكفي استقطاب الاستثمارات، بل يجب ضمان استدامة الفوائد من خلال تعزيز المحتوى المحلي، ورفع مستوى المهارات، وتمكين الصناعات المصرية من منافسة المنتجات المستوردة. وهنا يكمن التحدي الأكبر أمام القاهرة، وفق التقرير.
تلعب المؤسسات المالية الصينية، مثل «البنك الآسيوي للاستثمار الفي بنية التحتية» (AIIB) و«صندوق طريق الحرير»، دوراً أساسياً في تمويل مشاريع البنية التحتية في مصر، مثل «مشروع بنبان للطاقة الشمسية» في أسوان، الذي يعد من الأكبر عالمياً.
مع استمرار مصر في تفعيل «مبادرة الحزام والطريق»، تبرز هذه الشراكة كعامل محفز للنمو الاقتصادي وتعزيز البنية التحتية والتكنولوجيا والطاقة. فبينما تستفيد مصر من الاستثمارات الضخمة لتطوير قطاعاتها الحيوية وتعزيز موقعها كمركز تجاري عالمي، تعمل في الوقت ذاته على تحقيق التوازن بين جذب الاستثمارات وضمان استقلالية قرارها الاقتصادي.
وفي ظل هذه الجهود، تبدو العلاقات بين البلدين نموذجاً للتعاون القائم على المصالح المشتركة، حيث تفتح هذه الشراكة آفاقاً جديدة للتنمية المستدامة وتعزيز القدرة التنافسية للصناعات المصرية في الأسواق العالمية.