logo
اقتصاد

خافيير مايلي أمام تحديات إصلاح اقتصاد الأرجنتين وخفض التضخم

خافيير مايلي أمام تحديات إصلاح اقتصاد الأرجنتين وخفض التضخم
تاريخ النشر:28 يناير 2024, 07:20 ص
أطلق الرئيس الأرجنتيني الجديد خافيير مايلي العديد من الوعود بأنه سيقوم بإحداث ثورة بجلب السوق الحرة إلى اقتصاد البلاد المضطرب منذ فترة طويلة، حيث قام بتخفيض آلاف الوظائف الحكومية، إلى جانب تخفيض القيود التنظيمية.

ولكن بعد أقل من شهرين من توليه أكبر اقتصاد في أميركا اللاتينية، يواجه مايلي الذي يصف نفسه بالرأسمالي الفوضوي، معارضة في شوارع الأرجنتين وداخل أروقة الكونغرس، حيث خرجت بعض إصلاحاته عن مسارها بالفعل، وأصبح معدل التضخم في الأرجنتين هو الأعلى في العالم متجاوزاً فنزويلا.

وفي مقابلة له مع صحيفة وول ستريت جورنال، قال مايلي إنه لن يتراجع عن وعد حملته الانتخابية بإحداث تغيير جذري في الاقتصاد، رغم الألم الاقتصادي الحاد قصير المدى الذي سيجلبه ذلك.

وقال مايلي متحدثاً للصحيفة من القصر الرئاسي في وسط مدينة بوينس آيرس، إنه لا توجد خطة بديلة، مؤكداً أن الإجراءات تظهر بالفعل علامات النجاح، وذلك بعد يوم واحد من خروج الآلاف إلى الشوارع وتعطيل السفر الجوي احتجاجاً على إصلاحاته.

وأضاف مايلي أن التضخم في الأرجنتين الذي يبلغ 211% يقترب من ذروته، متوقعاً أنه في غضون عامين سيكون التضخم قد عاد إلى الوتيرة الطبيعية، مشيراً إلى أن البنك المركزي أضاف 5 مليارات دولار الشهر الماضي إلى احتياطياته الأجنبية التي كانت مستنفدة ذات يوم.

وقد بدأ مايلي في تخفيف اللوائح التي لطالما خنقت قطاع الأعمال، بما في ذلك تحديد أسعار المواد الغذائية، وتخفيف القيود المفروضة على استئجار الشقق، وأصدر مئات التغييرات وقدم مشروعا شاملا إلى الكونغرس لتخفيف دور الحكومة في الاقتصاد.

وقال: "هذا لا يمثل سوى ربع الإصلاحات التي نقترحها، وفورَ إقرار هذه القوانين سنضغط من أجل المزيد".

الشعب ينتظر

ويترقب العديد من الأرجنتينيين بفارغ الصبر معرفة ما إذا كان الرئيس الجديد الذي لا يمتلك خبرة سابقة في الحكم، وصاحب شخصية غريبة الأطوار، يمكنه حقاً تغيير بلد كان يعاني على مدى عقود من الزمن من أزمة مالية، حيث تخلفت الأرجنتين عن سداد ديونها السيادية تسع مرات.

ويواجه مايلي عدة عقبات في مسيرته، حيث يمتلك حزبه "ليبرتي تتقدم" 15% فقط من مقاعد مجلس النواب بالهيئة التشريعية الوطنية، و10% في مجلس الشيوخ.

ويواجه في الشوارع الأرجنتينية نقابات متحالفة مع البيرونيين الذين أسس حركتهم ضابط الجيش الشعبوي خوان بيرون في الأربعينات، والذي يدعو إلى دور رئيسٍ للدولة في الاقتصاد، كما حكم الأرجنتين لمدة نصف الثمانين عاماً الماضية تقريباً، كما كان سلف مايلي بيرونياً.

ويُعد إظهار التحسن في الاقتصاد الأرجنتيني أمراً ضرورياً في حال أراد مايلي تجنب الفوضى التي حدثت خلال الأزمة المالية في الأرجنتين في الفترة 2001-2002، والتي أدت إلى تناوب خمسة رؤساء في أسبوعين، وأعمال شغب خلفت أكثر من 30 قتيلاً، وتوقع مايلي أنه سيتغلب على الاجتجاجات والجهود الأخرى التي تعرقل التغيير. 

وقال: "إذا رأيتُ ذلك عائقا، فلن يكون من المنطقي بالنسبة لي أن أتدخل لإجراء التغييرات". 

وحتى الآن، ساءت الأمور على بعض الجبهات، وهو أمر حذر مايلي من حدوثه قبل أن تسجل حكومته التحسينات.

 انهيار البيزو

انخفضت قيمة البيزو بأكثر من 50% الشهر الماضي، وارتفع التضخم إلى أعلى مستوياته، وبدأت الفجوة بين سعر الصرف الرسمي وسعر السوق السوداء الذي يستخدمه أغلب الأرجنتينيين في الاتساع من جديد، وهذا يثير احتمال إجراء تخفيض آخر لقيمة العملة، وهو مايقول الاقتصاديون إنه سيؤدي إلى ارتفاع التضخم.

وفي ديسمبر أصدرت إحدى المحاكم أمراً قضائياً ضد التحركات الرامية إلى الحد من تأثير النقابات وتسهيل قيام الشركات بفصل العمال، وتعهد الناشطون بمضايقة المشرعين الذين يصوتون لصالح هذه الإجراءات.

وأرجأ الكونغرس الموافقة على مشروع قانون مايلي الشامل، مما أجبر الحكومة على إلغاء بعض المقترحات المالية للمساعدة في تحقيق التوازن في الميزانية، وخطته لإغلاق البنك المركزي الذي كان يطبع النقود في ظل الحكم البيروني حسب الرغبة، حيث يواجه معارضة شديدة من المؤسسة السياسية.

وقالت أماندا جوتيريز، التي تعمل في مصنع للطباعة وتوقفت عن شراء لحوم البقر وهي سلعة أساسية في الأرجنتين: "لم يعد بإمكان الناس دعم هذا الأمر بعد الآن".

 وقال المرأة البالغة من العمر 53 عاماً، والتي احتجت خارج الكونغرس ضد مبادرات مايلي إن راتبها لم يعد يغطي نفقاتها، مشيرة إلى أن نظريات مايلي الاقتصادية لا يمكن تنفيذها.

ولا يزال مايلي يحظى بشعبية كبيرة حيث يحظى بدعم 58%، وفقاً لمؤسسة بولياركويا لاستطلاعات الرأي المحلية، كما أظهر استطلاع اجرته شركة أوبينايا أن 70% من الأرجنتينيين يؤيدون خطط مايلي لخفض الإنفاق العام في بلد معتاد على الدعم السخي لخدمات النقل والكهرباء.

ومع ذلك، تراجع تأييد مايلي بنسبة 9 نقاط مئوية بين ديسمبر ويناير، وفقاً لاستطلاع أجرته مؤسسة بولياركويا، وذلك مع تضاعف أسعار الوقود، وارتفع تكلفة الغذاء بنسبة 30%، ويقول محللون سياسيون إن الدعم قد يتآكل أكثر.

ويتوقع معهد التمويل الدولي، وهو رابطة للشركات المالية العالمية، أن ينكمش الاقتصاد بنسبة 7.8% في الربع الأول، وأن يرتفع التضخم السنوي إلى حوالي 300% بحلول منتصف العام.

وقال بنجامين جيدان، مدير برنامج أميركا اللاتينية في مركز ويلسون، وهو مركز فكري، إن السكان أصيبوا بصدمة شديدة بسبب الكوارث الاقتصادية التي تعرضت لها الحكومة الأخيرة، لدرجة أنهم يبدون حتى الآن على استعداد للمضي قدماً في هذه الرحلة في الوقت الحالي.

وتجاهل مايلي المخاوف بشأن قدرته على تنفيذ برنامجه ووصفها بأنها هراء، مشيراً إلى أنه سينجح فيما فشل فيه أسلافه لأنه اقتصادي ليبرالي متشدد.

وشدد مايلي على أن حكومته تضم مسؤولين ذوي خبرة خدموا في إدارة موريسيو ماكري من 2015 إلى 2019، وهو رجل أعمال من يمين الوسط حاول خفض الإنفاق تدريجيا لتجنب الاحتجاجات. وقد فشل هذا النهج بعد أن فقد القدرة على الوصول إلى الأسواق المالية العالمية، مما اضطر الأرجنتين إلى الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 44 مليار دولار.

وقال ميلي إنه يرى أن الكونغرس سيوافق على تدابيره، وادعى أن النواب الذين يعارضون أجندته سيدفعون الثمن في الانتخابات النصفية في عام 2025. وإذا لم يتعاون النواب "سنكشفهم للمجتمع، سنظهرهم كأعداء للمجتمع الحر والتقدم".

ظروف مواتية

ومع ذلك، فإن بعض الظروف المواتية قد تكون لصالح مايلي، حيث من المتوقع أن يكون هناك محصول قوي للحبوب هذا العام، كما أن مشروع مد خط أنابيب جديد للغاز الطبيعي من المتوقع أن يؤدي إلى خفض تكاليف الطاقة.

ويعيش خصوم مايلي حالى من الفوضى بعد أن تركت الإدارة البيرونية للرئيس ألبرتو فرنانديز منصبها في ديسمبر، وفي فترة ولايته التي استمرت أربع سنوات، ارتفع معدل التضخم من 50%، وارتفع معدل الفقر إلى 42% من 35%، وفقاً لمركز الأبحاث المالية في جامعة توركواتودي تيلا. 

وقال مايلي إنه يرى الغرب الحليف الطبيعي للأرجنتين بعد أن انحاز أسلافه اليساريون بقدر متزايد إلى منافسي الولايات المتحدة، من روسيا إلى الصين إلى فنزويلا. وتمتد الدول النموذجية لمايلي من أيرلندا إلى أستراليا ونيوزيلندا.

وقال مايلي: "يجب على الأرجنتين أن تعود إلى الغرب في نفس الوقت الذي يجب أن تشير فيه للغرب إلى أنها انحرفت عن الطريق، تماما كما فعلت في المنتدى الاقتصادي العالمي"، في إشارة إلى خطاب ألقاه في وقت سابق من هذا العام في دافوس بسويسرا، والذي لاقى إشادة من إيلون ماسك والرئيس السابق دونالد ترامب.

وقال: "الدولة آلة قسرية لسرقة الموارد من القطاع الخاص". "لذلك، لا أرى أن الدولة هي الحل لأي شيء، بل هي مصدر المشكلة".

ومع أنه قرر أن الأرجنتين لن تقبل دعوة للانضمام إلى مجموعة دول، يبدو أن مايلي يتراجع عن الهجمات التي وجهها ضد بعض الحكومات والشخصيات العامة خلال حملته الانتخابية. ونفى أن يكون قد "أفسد" العلاقات مع الصين، أحد أكبر الشركاء التجاريين للأرجنتين.

وقال مايلي عن بكين: "صحيح أنني لن أتحالف مع الشيوعيين". "لكن يجب عليك فصل القضايا الجيوسياسية عن قضايانا التجارية".

وقال ميلي، الذي من المقرر أن يزور إسرائيل في شهر فبراير، إن هناك احتمالية أن يعتنق اليهودية، على الرغم من أنه قال إن الالتزام بيوم السبت قد يتعارض مع عبء عمله.

وقال: "إنه أمر له علاقة بحياتي الروحية، وبسبب الكم الكبير من المعرفة التي أستمدها من دراسة التوراة على سبيل المثال".

وقالت مايلي إن الأرجنتين تحتاج إلى الاستثمار الأجنبي لضمان انتعاش الاقتصاد بنحو أسرع.

وأضاف: "كلما زاد عدد الاستثمارات التي نحصل عليها، وانخفضت أسعار الفائدة، فإن ذلك من شأنه أن يجعل الركود أكثر سلاسة والتعافي أسرع بكثير".

وأضاف: "علينا أن نبذل جهدًا كبيرًا للتواصل حتى يتمكنوا من رؤية أننا هذه المرة جادون، وأن هذه المرة مختلفة بالفعل".

وقال مايلي إنه سيواصل خطط خصخصة الشركات المملوكة للدولة. وقال: "كل ما يمكنني بيعه أولاً، سأبيعه أولاً".

وأضاف أن بيع حصة الأغلبية الأرجنتينية في شركة الطاقة المملوكة للدولة YPF، والتي تمت مصادرتها في عام 2012، لم يعد يمثل أولوية لأنه "سيؤدي إلى خسارة كبيرة في القيمة بالنسبة للأرجنتينيين". 

وقارن مايلي التحديات التي يواجهها بتلك التي واجهها زعيم القرن التاسع عشر كارلوس بيليجريني. عندما صعد بيليجريني إلى الرئاسة عام 1890، كانت الأرجنتين تواجه أزمة مالية حادة. أقر بيليجريني إجراءات اقتصادية أضرت في البداية بالأرجنتينيين العاديين، لكنها مع مرور الوقت وضعت البلاد على الطريق نحو النمو القوي.

وقال مايلي: "لقد تعرض للإهانة من قبل كل الناس". "لكن اليوم التاريخ الأرجنتيني يذكره كطيار العواصف".

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC