تؤدي حالة عدم اليقين المستمر، التي يثيرها الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، إلى تدهور المناخ الاقتصادي في الولايات المتحدة. ومع سياسة التجارة غير المتوقعة التي يتبعها دونالد ترامب، أصبح رجال الأعمال والمصرفيون في حيرة من أمرهم.
ولم يستغرق الأمر أكثر من شهر واحد منذ تولي الحكومة الثانية لترامب، حتى يخف الحماس في أوساط الأعمال. وتراجعت المعنويات بين المستهلكين، وزاد معدل التضخم (الذي وصل إلى 3% خلال عام في يناير) كنتيجة، جزئياً، للتهديدات بحرب تجارية.
وشهد سوق الاستحواذات والاندماجات في يناير هدوءاً لم يشهده منذ عقد من الزمان. «لا أحد يعرف ما الذي سيحدث»، هكذا يلخص نيك بينتشوك، الرئيس التنفيذي لشركة «سناب-أون» لصناعة الأدوات، في حديثه عبر الهاتف، في 6 فبراير، «الأمر أشبه بركوب مركبة على لعبة سبايس ماونتن في إحدى حدائق ديزني. تدخل في العربة، تبدأ اللعبة، تجد نفسك في الظلام، حيث تتنقل السيارة يميناً ويساراً، وتدور في منعطفات حادة، ولا تعلم إلى أين سيأخذك الطريق، ولكنك ما زلت واثقاً أنك ستصل إلى المكان الصحيح في النهاية».
لكن التراجع الأخير في قرار فرض الرسوم الجمركية بدا أنه هز ثقة الأوساط التجارية. فقد أعلن الرئيس عن فرض ضرائب بنسبة 25% على الواردات من كندا والمكسيك، ثم غيّر رأيه بعد بضعة أيام، وأرجأ تنفيذها لمدة شهر. ومع تغير الأولويات بين المديرين التنفيذيين والمصرفيين الاستثماريين والمستشارين، أصبح التركيز، الآن، على محاولة فهم الوضع الجمركي بشكل خاص والسياسة الاقتصادية بشكل عام.
ويجب تحديد سبل التوريد، واتخاذ قرارات بشأن رفع الأسعار أم لا، وفهم ما يحدث بالفعل، مما يترك مجالاً قليلاً للتفكير في المعاملات الاستراتيجية التي تؤثر في مستقبل الشركات.
ويشهد سوق المعاملات على هذا التراجع. فقد تم الإعلان عن أقل من 900 اتفاقية في الولايات المتحدة في يناير، وفقًا لأرقام مجموعة «LSEG» التي تمتلك بورصة لندن. وكان هذا الرقم 1200 في يناير 2024، وأكثر من 1500 قبل عامين.
وحتى الأمل في التخفيف التنظيمي تلقى ضربة. ففي نهاية يناير، بدأت وزارة العدل في اتخاذ إجراءات لعرقلة استحواذ بقيمة 14 مليار دولار من شركة «جونيبر نيتووركس» من قبل «هيوليت باكارد»، لأنه قد يعوق المنافسة. وتعتزم كلتا المجموعتين الدفاع عن الصفقة، حيث تخصصان في شبكات الاتصالات اللاسلكية للمؤسسات.
لكن الركود في المعاملات لا يعود فقط إلى البيئة السياسية. إذ يجب على المشترين والبائعين التوصل إلى اتفاق بشأن العديد من التفاصيل، ويمكن أن تتعثر هذه المفاوضات لأسباب عدة. على سبيل المثال، كانت عملية الاندماج بين شركتي «نيسان» و«هوندا» اليابانيتين على وشك الفشل، حيث أُلْغِي المشروع رسمياً في 13 فبراير، بينما أعلنت شركة «باوش هيلث» أن محاولاتها لبيع فرعها «باوش + لومب» إلى شركة استثمارية لم تحقق نتائج.
ومع أن معظم الأشخاص في حالة قلق، إلا أن بعض رجال الأعمال ما زالوا متحمسين للمعاملات، حتى وإن كانت ردود فعل الأطراف الأخرى باردة. ففي يناير أُعْلِن عن ست صفقات معادية أو غير مرغوب فيها، وهو ما لم يحدث منذ مايو 2018، وفقاً لبيانات «LSEG».
شركة «سينتاس»، المصنعة لملابس العمل، قدمت عرضاً بقيمة 5.1 مليار دولار لشراء منافستها الأصغر «يوني فيرست»، وقد تم تأجيل هذا العرض مرات عدة. كما أطلق موزع مواد البناء «QXO» عرض استحواذ عدائياً على شركة «بيكون رووفينغ سابلاي»، التي ردت باستخدام «قرص السم» [وهي مجموعة من الإجراءات المالية والقانونية لمنع الاستحواذ].
ومع ذلك، لا يزال رجال الأعمال و«وول ستريت» متفائلين بشأن ما تبقى من عام 2025، ويتوقعون عددًا أكبر من المعاملات مقارنة بالسنوات السابقة. يوضح جيم لانغستون، من شركة المحاماة «بول، وايز، ريفكيند، وارتون & جاريسون»:
«تسونامي الاندماجات والاستحواذات الكبير لعام 2025 لم يتحقق بعد، ولكن الظروف جميعها مهيأة لتحقيق ذلك خلال الأشهر القليلة القادمة».
وكما يتوقع متخصصون آخرون في القطاع، فإن أصحاب رأس المال الاستثماري سيتعافون في وقت لاحق من هذا العام. حيث تواصل شركة «سايكامور» جهودها لشراء سلسلة الصيدليات «والغرينز بوتس ألايانس»، وفقًا لمصادر قريبة من الموضوع.
ومع ذلك، فإن رؤساء الشركات يحتاجون إلى بيئة أكثر طمأنينة من الوضع الحالي لإتمام هذه المشاريع. ففي اليوم التالي للانتخابات، تحدث ديفيد غالولو، رئيس وكالة التصميم «رابت ستوديو» في سان فرانسيسكو، إلى فرق عمله: كان يعتقد أن العديد منهم يعيشون دوامة من المشاعر، لكن رغم أنه لم يصوت لترامب، كان يأمل أن تكون قراراته الاقتصادية الأولى إيجابية.
بعد أسبوعين، زاد قلقه. واليوم، يعتزم ديفيد غالولو مخاطبةَ فريقه مرة أخرى، لكنه يشعر بالتشتت: «لا أعرف ماذا أقول لهم الآن».