تُضفي عودة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مجدداً، طابعاً أكثر تصادُماً في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، مما يزيد من حالة عدم اليقين بين أكبر اقتصادين في العالم.
ويتوقع محللون أن سياسات ترامب قد تُصعّد التوترات مع بكين، ما يمثل ابتعاداً عن النهج الأكثر هدوءاً الذي اتبعه سلفه جو بايدن، بحسب تقرير لصحيفة «وول ستريت جورنال».
جاء انتخاب ترامب في لحظة حاسمة، حيث اتخذ الحزبان الجمهوري والديمقراطي موقفاً أكثر تشدداً تجاه الصين مقارنةً بالعام 2017، عندما تولى ترامب الرئاسة للمرة الأولى. في ذلك الوقت، كانت واشنطن تسعى لتقليل الخلافات مع بكين بهدف دمجها في النظام العالمي بقيادة الولايات المتحدة.
وبعد مرور ثماني سنوات، ساعدت لهجة ترامب الحادة في إرساء ملامح جديدة للعلاقات بين البلدين، حيث أصبح كلا الحزبين ينظران إلى بكين بحذر أكبر.
في المقابل، ورغم أن بايدن حافظ على العديد من سياسات ترامب تجاه الصين، إلا أنه حاول تخفيف حدة الخطاب ساعياً لتحقيق نوع من الاستقرار وسط هذا التنافس الاستراتيجي.
من المتوقع أن يركز ترامب على نهج أكثر مباشرة، حيث وصف الصين خلال حملته بأنها «تهديد» واقترح فرض رسوم جمركية تصل إلى 60% على الواردات الصينية. كما أعرب ترامب عن إعجابه بقدرة الرئيس الصيني شي جينبينغ على قيادة بلد ضخم؛ ما يعكس تعقيد العلاقة التي أدارها ترامب في ولايته الأولى.
ورغم التوترات السابقة بينهما، هنأ شي نظيره ترامب على فوزه في الانتخابات عبر اتصال هاتفي، وفقاً لما ذكرته إذاعة الصين المركزية (CCTV)، مؤكداً أن البلدين يكسبان من التعاون ويخسران من الصراع.
وأعربت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، في بيان صدر قبل إعلان نتائج الانتخابات، عن سياسة الصين الثابتة تجاه الولايات المتحدة، داعيةً إلى تحقيق المنفعة المتبادلة بغض النظر عن من يتولى الرئاسة، ومتمنية «الاحترام المتبادل، والتعايش السلمي، والتعاون المربح للجانبين».
ورغم ذلك، أشار التقرير إلى أن المستقبل ما زال غير واضح؛ إذ جعل ترامب الصين محور سياسته الخارجية منذ توليه الرئاسة لأول مرة، بفرض رسوم جمركية وقيود تجارية شكلت أساس نهجه تجاه بكين.
ورغم الود الظاهر الذي أبداه ترامب نحو شي في البداية، فقد أطلق حرباً تجارية ضد الصين في عام 2018، مما شكل سمة بارزة لولايته وساهم في تصاعد التوترات. وتفاقمت هذه التوترات مع انتشار جائحة كوفيد-19، حيث اتهم ترامب الصين بنشر ما وصفه بـ«الوباء» إلى الولايات المتحدة.
وعند تولي بايدن منصبه، حافظ على نهج اقتصادي مشابه لما أرساه ترامب، مستمراً في فرض الرسوم الجمركية، مع اقتراح استراتيجية متوازنة بين المنافسة والحوار. إلا أن بكين اعتبرت بعض خطوات بايدن، مثل تقييد وصولها إلى التقنيات الحساسة، تصعيدية وعدائية. وخلال الفترة التي سبقت الانتخابات، رأى المسؤولون والمواطنون الصينيون أن هناك تشابهاً كبيراً بين سياسات ترامب ونائب الرئيس كامالا هاريس تجاه الصين؛ ما يعكس ثبات المخاوف الأميركية إزاء بكين من كلا الحزبين.
وصفت وسائل الإعلام الصينية سياسة الولايات المتحدة بأنها عدائية، ومن المتوقع أن يزداد هذا الوصف في عهد ترامب.
ويرى المحللون أن الصين قد تستفيد إذا أدت سياسات ترامب إلى تراجع التحالفات الأميركية، خاصة مع تشجيع إدارة بايدن لحلفائها في أوروبا وآسيا على اتخاذ مواقف أكثر صرامة تجاه الصين.
وقد أثارت مقترحات ترامب، مثل فرض رسوم جمركية على الحلفاء ودعوتهم لزيادة الإنفاق الدفاعي، مخاوف في آسيا، حيث يعتمد العديد من الشركاء الإقليميين، مثل اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين، على التزامات الولايات المتحدة الأمنية. ويخشون أن تؤدي سياسات ترامب إلى توتر هذه التحالفات التي تُعتبر حاسمة لمواجهة نفوذ الصين المتصاعد.
وأضاف التقرير أن انتخاب ترامب يثير قلقاً خاصاً في تايوان، الجزيرة ذات الحكم الذاتي التي تواجه تهديداً عسكرياً متزايداً من بكين. وكان بايدن قد خالف التقليد الأميركي الحذر، مؤكداً في عدة مناسبات أن الولايات المتحدة ستدافع عن تايوان إذا تعرضت لغزو صيني، رغم أن مساعديه خففوا من وطأة هذه التصريحات لاحقاً.
أما ترامب فقد دعا تايوان لتحمل المزيد من تكاليف الدفاع، واتهم الجزيرة بسرقة الوظائف الأميركية في قطاع أشباه الموصلات. ورغم أن مستشاريه يدعمون تايوان، إلا أن تصريحاته الأخيرة، التي أشار فيها إلى قرب تايوان من البر الصيني وبعدها عن الولايات المتحدة، تترك تايوان في حالة من عدم الثقة بشأن استمرار الدعم الأميركي.
وعبر وين تي سونغ، الزميل غير المقيم في مركز الصين العالمي التابع لمجلس الأطلسي في تايبيه، عن قلقه إزاء هذا التحول قائلاً: «نهج ترامب قد يدفع تايوان لإنفاق أكثر من الصين مقابل الحصول على دعم الولايات المتحدة، ما قد يضع تايوان في وضع غير مريح».
وهنأ رئيس تايوان، لاي تشينغ تي، ترامب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مؤكداً أن العلاقات بين واشنطن وتايبيه، القائمة على «القيم والمصالح المشتركة»، ستظل ركيزة للاستقرار الإقليمي.
من جانب آخر، تملك بكين ورقة محتملة تتمثل في احتمال تقارب بين الولايات المتحدة وروسيا في ظل إدارة ترامب. فقد دفعت الحرب في أوكرانيا الصين وروسيا نحو التقارب، لكن الإدارة الأميركية الجديدة قد تتبع مساراً مختلفاً، وربما تسعى للتقارب مع موسكو؛ ما قد يغير التوازنات الاستراتيجية في المنطقة.
ومع ذلك، أظهرت محادثات حديثة مع مسؤولين صينيين سابقين توقعات بأن التنافس بين الولايات المتحدة والصين سيستمر بغض النظر عن نتيجة الانتخابات.
وقال مايكل جيه غرين، الرئيس التنفيذي لمركز الدراسات الأميركية في جامعة سيدني ومدير آسيا السابق في مجلس الأمن القومي الأميركي: «الصين تنظر إلى التنافس الاستراتيجي كأمر محتوم».