تستعد الشركات الأميركية لاحتمال عودة الرسوم الجمركية الواسعة على الواردات الصينية، خاصة مع تصاعد خطاب حملة دونالد ترامب الرئاسية الذي يركز مجدداً على سياسة التجارة.
ووفقاً لتقرير صحيفة «وول ستريت جورنال»، تتخذ الشركات خطوات استباقية تشمل تخزين البضائع، ووضع إستراتيجيات لزيادة الأسعار، واستكشاف خيارات تصنيع بديلة، وذلك لتخفيف تأثير الرسوم المقترحة التي قد تصل إلى 60% على جميع السلع الصينية.
وتعيد هذه التحركات إحياء إستراتيجيات استخدمت خلال فترة رئاسة ترامب الأولى للولايات المتحدة، عندما دفعت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين الشركات إلى اتخاذ تدابير استباقية لمواجهة زيادات الرسوم الجمركية، وتخشى الشركات من التداعيات الاقتصادية لهذه الإجراءات واسعة النطاق، ما يدفعها إلى الإسراع في حماية عملياتها.
في هذا السياق، أقدم جيسون جونود، مؤسس شركة «بير بو تانيكس» للعناية بالبشرة ومقرها ماديسون، ويسكونسن، على طلب شحنات بضائع بقيمة 50,000 دولار تكفيه لمدة عام.
ويأمل جونود أن تصل الشحنات قبل يوم التنصيب، مع قناعته بأن ترامب سينفذ الرسوم الجمركية في حال عودته إلى البيت الأبيض.
تتكرر هذه المخاوف على نطاق واسع في القطاع الصناعي الأميركي، ففي عام 2018، خلال الحرب التجارية الأولى، أدت جهود الشركات لزيادة وارداتها إلى ارتفاع العجز التجاري مع الصين.
ووفقاً للبيانات، ارتفعت الصادرات الصينية في أكتوبر 2024 بنسبة 13% مقارنة بالعام الماضي، ما يشير إلى تخزين مسبق للمنتجات تحسباً للرسوم الجمركية.
من جهتهم، يتوقع خبراء الاقتصاد استمرار هذه الظاهرة خلال الأشهر الأولى من عام 2025، مع استعداد الشركات لمواجهة الاضطرابات التجارية المحتملة.
وتظل الصين المصدر الأكبر عالمياً للبضائع، فيما تبقى الولايات المتحدة المشتري الرئيس. واستوردت الشركات الأميركية في العام الماضي بضائع صينية بقيمة 430 مليار دولار، معظمها منتجات إلكترونية.
وعلى الرغم من انخفاض حصة الصين من الواردات الأميركية من 22% في عام 2017 إلى 14% في عام 2023، لا تزال الشركات تعتمد بشكل كبير على التصنيع الصيني، نظراً لتكاليفه المنخفضة وبنيته التحتية المتطورة.
يشير الاقتصاديون إلى أن الرسوم الجمركية تتحملها في البداية الشركات المستوردة، التي تنقل التكاليف الإضافية إلى المستهلكين.
ويُتوقع أن تشكل الرسوم المقترحة بنسبة 60% عبئاً كبيراً على الشركات الصغيرة، في هذا السياق، تخطط مالكة متجر صغير لطلب 20,000 وحدة قبل نهاية العام، لكنها تعبر عن قلقها من رفض عملائها تحمل زيادة الأسعار، وقالت: «قد نضطر إلى التوقف عن بيع زيت الجسم والتركيز أكثر على خدمات التدريب الرياضي».
يمثل التحول بعيداً عن الصين اتجاهاً متزايداً بين الشركات، ولكنه يواجه تحديات كبيرة، فقد أظهر استطلاع أجرته شركة (Bain & Company) أن 69% من التنفيذيين يخططون لتقليل الاعتماد على الموردين الصينيين، مقارنة بـ 55% في عام 2022.
برزت دول مثل فيتنام وكمبوديا والهند كبدائل محتملة، لكنها لا تزال تعمل على تطوير قدراتها الصناعية، على سبيل المثال، بدأت شركة لتصنيع الإضاءة مقرها بوسطن بتنويع سلسلة التوريد الخاصة بها، إذ نقل الرئيس التنفيذي، رايان بورسكي، 15% من الإنتاج إلى كمبوديا هذا العام، مع خطط لزيادة النسبة إلى 50% في العام المقبل.
وقال بورسكي: «من الأفضل استثمار الموارد في التنويع بدلًا من تخزين البضائع».
وتتبع شركات أخرى النهج ذاته، تسعى شركة للأحجار الطبيعية إلى استيراد منتجاتها من فيتنام، لكنها في الوقت نفسه تتفاوض مع موردها الصيني للحصول على شحنة بقيمة 100,000 دولار.
وقالت المؤسس المشارك، ليا دارك-فلوري: «أتمنى لو أستطيع تخزين ما يكفي لمدة أربع سنوات».
تظل الصين الخيار الرئيس للعديد من الشركات رغم الجهود المبذولة للبحث عن بدائل، وذلك بفضل بنيتها التحتية المتطورة وسلاسل الإمداد الراسخة التي تجعلها منافساً صعباً للدول الأخرى.
وقال جو جيركن، المدير الإداري لشركة «إيه بي سي جروب»: «الصين لن تُستبدل أبداً، بل ستكون هناك بدائل جزئية».
ومع ذلك، تجد الشركات الصغيرة صعوبة كبيرة في إيجاد بدائل، وأقر جونود، مؤسس شركة «بير بو تانيكس»، بأن تقليد التكلفة المنخفضة والجودة العالية للصناعة الصينية أمر معقد، قائلاً: «نشعر وكأننا نعاقب لأنه ليس لدينا خيار آخر محلياً».
فشلت سياسات ترامب التجارية في تقليص العجز التجاري الأميركي الإجمالي، الذي يُعزى إلى الطلب القوي من المستهلكين الأميركيين وضعف الطلب المحلي في الصين، وبينما زادت واردات الولايات المتحدة من دول جنوب شرق آسيا، استمرت الصين في الحفاظ على فائضها التجاري العالمي.
من جانب آخر، يشكك بعض الخبراء الاقتصاديين في إمكانية تطبيق رسوم جمركية شاملة بنسبة 60%، وأشارت تقديرات بنك «غولدمان ساكس» إلى احتمال زيادة معتدلة بنحو 20 نقطة مئوية فقط.
في هذا السياق، حذرت كريس تانغ، أستاذة إدارة سلسلة التوريد بجامعة كاليفورنيا، من أن الشركات يجب أن تستعد لعالم تسوده رسوم جمركية مرتفعة بشكل دائم.