فاجأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب الخميس، الأسواق مجدداً بتصريح غريب قال فيه: «لقد عقدوا اجتماعاً هذا الصباح.. لا يهم من هم. قد نكشف عن ذلك لاحقاً».
بطبيعة الحال يقصد ترامب الصينيين، في محاولة غريبة لتأكيد حصول مفاوضات مبهمة بين الجانبين تصر بكين بثقة على نفيها.
تصريحات ترامب رغم ضبابيتها، منحت الأسواق بصيص أمل لإنهاء هذا الواقع المضطرب الذي استفاقت عليه يوم الـ2 من أبريل الجاري، لكنها تفضح ضمنياً رغبة أميركية كامنة في لملمة الصخب الذي أحدثته الحرب التجارية المتجددة التي باتت تهدد برسوم جمركية تصل إلى 245% على الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة عوض 145%، مقابل رسوم صينية «انتقامية» بنسبة 125%.
الصينيون يؤكدون أن لا تفاوض حتى إزالة تلك الرسوم، في وقت يستعد المستهلكون والشركات والأسواق لحالة متزايدة من عدم اليقين مع تنامي المخاوف من حدوث ركود عالمي.
في تحليل مُلفت، استعرضت «بي بي سي نيوز» ما تحتويه ترسانة الصين من أسلحة تفسر نبرة التحدي تلك:
تعد الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ما يسمح لها بامتصاص تأثير التعريفات الجمركية بشكل أفضل من غيرها. ومع عدد سكانها الذي يتجاوز المليار نسمة، فإنها تتمتع أيضاً بسوق محلية ضخمة يمكن أن تخفف بعض الضغوط على المصدرين المتضررين.
ثمة مكمن قلق لبكين، يتمثل في ضعف استهلاك الصينيين، لذا فهي تحاول تغيير الوضع من خلال سلسلة من الحوافز.
ونظراً لعدم وجود ضغوط انتخابية، يمنح النظام السياسي الصيني القيادة قدرة أعلى على اتخاذ قرارات تتطلب تحمل الألم. وإن كانت أزمة السوق العقارية والبطالة أوجدتا مجالاً لسخط عام متزايد في الصين، استطاع ربط الحرب التجارية بالنزعة القومية، ووصفها بـ«العدوان الأميركي» توليد نوع من الترابط بين الشعب والسلطة.
تعتبر الصين مصنع العالم، وقد استثمرت مليارات الدولارات للتحول إلى مُنتِج أكثر تقدماً، حتى باتت في عهد الرئيس شي تنافس الولايات المتحدة على الهيمنة التكنولوجية.
أصبح نموذج الذكاء الاصطناعي «ديب سيك» (Deep Seek)، منافساً قوياً لـ«تشات جي بي تي»، أما شركة السيارات الكهربائية «بي واي دي» (BYD)، فقد أزاحت «تسلا» العام الماضي عن عرش أكبر شركة مصنعة للسيارات الكهربائية في العالم. في الوقت ذاته، فقدت شركة «أبل» حصتها في السوق الصينية أمام المنافسين المحليين على رأسهم «هواوي».
وتمكنت الصين من اكتساب ميزة طويلة الأمد في جميع مراحل سلسلة التوريد، فحتى الشركات الأميركية التي حاولت نقل سلاسل التوريد الخاصة بها خارج الصين، واجهت صعوبة في العثور على مستوى مماثل من البنية التحتية والعمالة الماهرة في أماكن أخرى.
على نحو ما، كانت بكين تستعد للسيناريو الحالي منذ ولاية ترامب السابقة، فعندما فُرضت رسوم جمركية على الألواح الشمسية الصينية في عام 2018، بدأت بكين في تسريع خططها لرسم مستقبل يتجاوز النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة.
استثمرت الصين مليارات الدولارات في مشروع التجارة والبنية الأساسية المعروف باسم «مبادرة الحزام والطريق»، لتعزيز العلاقات مع ما يسمى بـ «الجنوب العالمي». ويأتي توسيع التجارة مع جنوب شرق آسيا وأميركا اللاتينية وإفريقيا في وقت تحاول الصين إبعاد نفسها عن الولايات المتحدة.
من ناحية أخرى، لم تعد أميركا السوق الرئيسة للصادرات الصينية، وهو المركز الذي تحتله الآن منطقة جنوب شرق آسيا.
في الواقع، أصبحت الصين في عام 2023، الشريك التجاري الأول لـ 60 دولة، أي ما يقرب من ضعف عدد شركاء الولايات المتحدة، وهي أكبر دولة مصدرة في العالم بفائض قياسي بلغ نحو تريليون دولار نهاية عام 2024.
صمد ترامب في وجه انهيارات أسواق الأسهم في أوائل أبريل، بعد صدمة الرسوم الجمركية القياسية، إلى أن بدأت آثارها الجانبية في الظهور؛ إذ سرعان ما أُجبر أمام انهيار سوق السندات، على تعليق معظم تلك التعريفات الجمركية لمدة 90 يوماً، بعد أن قوّض ما يجري الثقة بهذه الأصول التي لطالما اعتبرت استثماراً آمناً.
لذلك، يشير الخبراء إلى أن بكين باتت تدرك الآن بما لا شك فيه، أن سوق السندات قد «تزعزع استقرار ترامب».
وتحتفظ الصين بـ700 مليار دولار من سندات الحكومة الأميركية، ما يجعلها ثاني أكبر حائز لهذه السندات بعد اليابان، الحليف القوي للولايات المتحدة، وأثارت وسائل الإعلام الصينية مراراً فكرة بيع حيازات بكين من السندات الأميركية باعتبارها «سلاحاً». لكن الخبراء يحذرون من أن الصين لن تخرج سالمة من مثل هذا الوضع؛ إذ من شأن ذلك أن يتسبب في خسائر فادحة، ويزعزع استقرار اليوان. بالتالي، قد تكون السندات «ورقة مساومة» أكثر منها «سلاحاً مالياً».
تمثل الصين نحو 60% من إنتاج المعادن النادرة عالمياً و90% من تكريرها، وهو أمر حيوي للتكنولوجيا المتقدمة، وفقاً لتقديرات وكالة الطاقة الدولية.
وكانت أولى ردود فعل بكين على الرسوم الجمركية الأخيرة التي فرضها ترامب، تقييدها لصادرات 7 عناصر أرضية نادرة، بما في ذلك بعض العناصر الأساسية لتصنيع رقائق الذكاء الاصطناعي.
ورغم أن أستراليا واليابان وفيتنام بدأت في استخراج المعادن النادرة، غير أن الأمر قد يستغرق سنوات قبل أن تتمكن من استبعاد الصين من سلسلة التوريد.