بعد سنوات من التوتر السياسي والاقتصادي مع الصين؛ بسبب النزاع الحدودي في جبال الهيمالايا، تجد الهند نفسها مضطرة إلى تغيير نهجها الدبلوماسي والاقتصادي تجاه جارتها القوية. ففي 23 أكتوبر الماضي، التقى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بالرئيس الصيني شي جينبينغ على هامش قمة «البريكس» التي انعقدت في مدينة كازان بروسيا، في لقاء هو الأول من نوعه منذ خمس سنوات.
جاء اللقاء في وقت تعاني فيه العلاقات الهندية-الصينية من توتر شديد، تفاقم منذ اشتباكات «غالوان» عام 2020، التي أسفرت عن مقتل 20 جندياً هندياً، وألحقت ضرراً كبيراً بالعلاقات الثنائية. ورغم الإجراءات التي اتخذتها نيودلهي آنذاك، مثل تعليق الرحلات الجوية المباشرة وحظر تطبيقات صينية مثل «تيك توك»، وإيقاف منح التأشيرات والاستثمارات الصينية، إلا أن الهند وجدت نفسها في موقف اقتصادي صعب؛ بسبب اعتمادها الكبير على الواردات من الصين.
تشير البيانات إلى أن العجز التجاري للهند مع الصين قد تضاعف تقريباً، إذ ارتفع من 46 مليار دولار في 2020 إلى 85 مليار دولار حالياً. ووفقاً لتقارير اقتصادية، تشكل الصين مصدراً رئيسياً لما يقرب من ثلث واردات الهند من الإلكترونيات، الآلات، الكيماويات، والمستحضرات الصيدلانية.
هذا الاختلال الاقتصادي يعود بشكل كبير إلى ضعف قطاع التصنيع الهندي، الذي تراجع نصيبه في الناتج المحلي الإجمالي إلى 15% فقط مقارنة بـ18% في عام 2010. كما أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة لا تزال دون المستوى المطلوب، إذ مثلت 1.76% فقط من الناتج المحلي الإجمالي بين 2015 و2023.
في خضم هذه التحديات، تتزايد الضغوط من مجتمع الأعمال الهندي لتبني نهج أكثر واقعية تجاه الصين. فالسياسات التي اعتمدتها نيودلهي، مثل فرض الرسوم الجمركية المرتفعة على المنتجات الصينية لتشجيع التصنيع المحلي، أثبتت عدم فعاليتها، ما أدى إلى زيادة التكاليف على الشركات الهندية التي تعتمد بشكل كبير على الواردات الصينية.
حتى الشركات الكبرى، مثل مجموعة «أداني»، التي تعمل على بناء أكبر محطة للطاقة الشمسية في ولاية غوجارات، اضطرت إلى استيراد كميات ضخمة من الألواح الشمسية من الصين. وتشير التقارير إلى أن 70% من هذه الألواح مصدرها الصين، ما يعكس مدى الاعتماد الكبير على هذا البلد.
يشير خبراء اقتصاديون إلى أن الهند لا تملك خياراً سوى إدماج اقتصادها مع الصين لتعزيز قطاعها الصناعي والانضمام إلى سلاسل القيمة العالمية. وأوصى تقرير حكومي نُشر مؤخراً بجذب المزيد من الاستثمارات الصينية لتوفير فرص العمل التي تحتاجها الهند بشكل ملح.
رغم الخلافات الحدودية والمخاوف السياسية، يبدو أن الهند تتبنى تدريجياً نهجاً براغماتياً يهدف إلى تحقيق توازن بين المصالح الاقتصادية والأمن القومي. ويبدو أن لقاء مودي وشي في قمة «البريكس» قد يكون بداية مرحلة جديدة من العلاقات بين القوتين الآسيويتين.
التحدي أمام نيودلهي الآن هو تحويل هذا التوجه إلى سياسات فعالة تضمن تعزيز الاقتصاد دون التنازل عن المصالح الوطنية.