مستويات غير مسبوقة من استياء الناخبين تشهدها الدول الصناعية، تهدد استقرار القيادة السياسية وصنع القرار في هذه الدول، بحسب تقرير لصحيفة «وول ستريت جورنال».
وأظهر عام حافل بالانتخابات حول العالم تصاعد الإحباط الشعبي، حيث يواجه العديد من قادة الديمقراطيات المتقدمة معدلات تأييد متدنية وتراجعاً في دعم الناخبين.
أظهر استطلاع أجرته شركة «مورنينغ كونسلت» (Morning Consult) في 25 دولة ديمقراطية، أن أياً من قادة الدول الصناعية الكبرى، باستثناء سويسرا، لم يحصل على معدل تأييد إيجابي.
وبلغ معدل تأييد الرئيس الأميركي جو بايدن 37%، ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو 26%، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون 19%، والمستشار الألماني أولاف شولتز 18%. وفي المملكة المتحدة، حصل رئيس الوزراء كير ستارمر، الذي تولى منصبه منذ خمسة أشهر فقط، على معدل تأييد 30% مقابل رفض 59%.
أدى التأثير الاقتصادي لجائحة كورونا، إلى جانب التضخم المرتفع وجمود الأجور وتزايد الهجرة، إلى تأجيج غضب الناخبين في الدول الصناعية. ووفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، فإن حوالي نصف الاقتصادات المتقدمة الأعلى تصنيفاً عالمياً شهدت انخفاضاً في الأجور الحقيقية مقارنة بمستويات عام 2019.
إلى جانب ذلك، تواجه العديد من الحكومات تحديات، بسبب مستويات الديون المتزايدة وتلبية الاحتياجات الإنفاقية المتزايدة مع تقدم السكان في العمر. وقد ارتفع الدين العام الإجمالي لدول مجموعة السبع من 74% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2001 إلى 124% في عام 2023، مما ترك صانعي السياسات بمرونة مالية محدودة.
وانعكست هذه الضغوط الاقتصادية في تراجع واسع لتأييد الأحزاب الحاكمة. فمن بين 71 عملية انتخابية وطنية أجريت عالمياً هذا العام، أدت حوالي ثلثها إلى تغيير القيادة، وفي أوروبا وحدها، تم استبدال 6 حكومات من أصل 10 في الانتخابات الكبرى.
ساهمت الانقسامات السياسية في الديمقراطيات الغنية في صعوبة تنفيذ الإصلاحات. فقد واجهت الحكومات الائتلافية في فرنسا وألمانيا خلافات داخلية أعاقت التقدم التشريعي. وفي فرنسا، انهارت حكومة الرئيس ماكرون مؤخراً لأول مرة منذ عام 1962 بعد خلاف على الميزانية، بينما انهار الائتلاف الحاكم في ألمانيا بسبب خلافات اقتصادية، مما أدى إلى انتخابات مبكرة.
وفقاً للتقرير، تستغل الحركات الشعبوية والمناهضة للمؤسسات هذا الاستياء. ففي أوروبا، تمكنت الأحزاب اليمينية المتطرفة من تسجيل مكاسب كبيرة، حيث حقق حزب الحرية في النمسا وحزب التجمع الوطني في فرنسا انتصارات بارزة. وقد أدى صعود هذه الأحزاب إلى تعقيد المشهد السياسي، مما حد من قدرة الحكومات على معالجة قضايا ملحة مثل الهجرة والركود الاقتصادي.
في حين يهيمن الاستياء الشعبي على الدول الغنية، أشار التقرير إلى أن قادة الدول النامية يتمتعون بشعبية أكبر. فقد برز ناريندرا مودي في الهند بمعدل تأييد بلغ 76%، وخافيير ميلي في الأرجنتين بمعدل تأييد بلغ 66%، وكلوديا شينباوم في المكسيك بمعدل تأييد بلغ 64%.
ويلعب النمو الاقتصادي دوراً محورياً في هذا التباين، فقد شهدت هذه الدول نمواً أقوى في الأجور وتفاؤلاً أعلى بين الجمهور حول المستقبل، مقارنة بالظروف الاقتصادية الراكدة في الدول المتقدمة التي تركت العديد من المواطنين محبطين.
ويشير الخبراء إلى أن الطريق للمضي قدماً بالنسبة للدول الصناعية يتطلب من القادة إعادة بناء الثقة العامة من خلال تواصل شفاف ووضع سياسات واقعية. وقال جيمس جونسون، مؤسس شركة «جي إل بارتنرز» (JL Partners) للبحوث السياسية، إن «القادة المؤثرين القادرين على توضيح القرارات الصعبة وإقناع الناخبين بضرورتها قد يجدون طريقاً للتعامل مع هذا الاستياء».
وأكد التقرير أن المناخ الحالي من عدم الرضا يبرز الحاجة الملحة إلى إصلاحات هيكلية واستراتيجيات سياسية جديدة لمعالجة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه الديمقراطيات الغنية. ودون اتخاذ هذه التدابير، من المرجح أن تستمر الاضطرابات السياسية واستياء الناخبين.