يتحول عمالقة التجارة الإلكترونية في الصين، نحو بيع المزيد من السلع ذات الأسعار المخفضة، حيث يبحث المتسوقون الصينيون بشكل متزايد عن العروض المغرية وسط حالة عدم اليقين الاقتصادي.
وشرعت "مجموعة علي بابا القابضة" و"جيه دي دوت كوم" هذا العام، في البدء بحملات للترويج للسلع منخفضة السعر لتلبية احتياجات المتسوقين، ممن يقتصدون في الإنفاق من خلال خدمات وحوافز جديدة للباعة أيضاً.
وفي مايو، أطلقت "تاوباو" (Taobao)، وهي منصة تسويق لشركة "علي بابا"، خدمة "Taobao Good Price" داخل التطبيق، حيث يمكن للمستخدمين شراء سلع منخفضة السعر، مثل كعكات الزبدة مقابل 40 سنتاً وقفازات مطاطية مقابل 14 سنتاً للزوج. وخلال مهرجان التسوق في 18 يونيو لهذا العام، وهو حدث سنوي للتجارة الإلكترونية، طلبت "تاوباو" من التجار تقديم خصم 10% على الأقل على السلع التي يبيعونها، وأعطت الأولوية للترويج للبضائع ذات الأسعار المخفضة أوالتي تقدم خصومات أكبر.
وفي وقت سابق من هذا العام، أطلقت "جيه دي دوت كوم" برنامج دعم بقيمة 1.4 مليار دولار، لتقديم خصومات على منتجاتها، وهي مبادرة تم الترويج لها تحت اسم "سعر منخفض كل يوم"، وبدأت حملة كبيرة لتوظيف باعة ومسوقين من أطراف ثالثة خارجية.
وقالت ترودي داي، الرئيسة التنفيذية لمجموعة "تاوباو" و"تي مول غروب"، ذراع "علي بابا" التجارية في الصين، خلال مكالمة مع المحللين هذا الشهر: "نحاول أن نمنح المستخدمين تجربة مفادها أن البضائع الجيدة لا يجب أن تكون بالضرورة باهظة الثمن". وقالت إن منصاتها شهدت نمواً سريعاً في عدد المشترين الذين يتأثرون بالسعر من المدن النامية، وكذلك بين فئات الشباب وكبار السن.
وبدأ انتعاش الصين يفقد زخمه مؤخراً، ففي تموز (يوليو)، تراجعت أسعار المستهلكين في ثاني أكبر اقتصاد في العالم إلى منطقة الانكماش للمرة الأولى منذ عامين. كما أظهرت بيانات رئيسية أخرى من يوليو تباطؤ نمو الإنفاق من قبل المستهلكين والشركات. وسجلت البطالة بين الشباب سلسلة من الارتفاعات القياسية في الأشهر الأخيرة، وبلغت 21.3% في يونيو، وفي اليوم الذي كان من المتوقع أن تصدر فيه بكين أرقام يوليو، أوقفت نشر تلك البيانات.
وبالنسبة إلى "علي بابا" و"جيه دي دوت كوم"، تؤتي الإجراءات الجديدة ثمارها، حيث تفوقت كلتا الشركتين مؤخراً على توقعات السوق لنتائجهما ربع السنوية. وأعلنت "جيه دي دوت كوم" الأسبوع الماضي عن زيادة في الإيرادات بنسبة 7.6% في الربع الثاني، وهي واحدة من أسرع المعدلات في العام الماضي. وقال المسؤولون التنفيذيون إن برنامج الخصم نجح في جذب عملاء جدد وعزز من تجربة التسوق ومتوسط قيمة الطلب.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، أعلنت "علي بابا" عن نمو في الإيرادات بنسبة 14% في الربع من أبريل إلى يونيو، وهو أسرع معدل نمو لها منذ أواخر عام 2021. وكانت الفترة قبل عام ضعيفة بالنسبة للعديد من الشركات، حيث أضرت الإجراءات الصينية الصارمة للحد من تفشي فيروس كورونا المستجد (Covid-19) الشركات.
ويقرب التحول إلى السلع المخفضة شركتي" علي بابا" و"جيه دي دوت كوم" بشكل متزايد من منافستهما، "بي دي دي هولدينغز". وعلى الرغم من أن عمر منصة "بيندودو" التابعة لـ"بي دي دي" ثماني سنوات فقط، لكنها سرعان ما نجحت في تحدي هيمنة الشركات القوية من خلال عروضها للسلع المخفضة للغاية، ولم تعلن "بي دي دي" حتى الآن عن نتائجها من أبريل إلى يونيو.
في وقت سابق من هذا العام، طلب المؤسس المشارك لشركة "علي بابا"، جاك ما، من المديرين التنفيذيين في فريق التجارة الصيني التركيز على تطبيق "تاوباو"، الذي يستضيف عدداً أكبر من البائعين الصغار والمتوسطين مقارنة بمنصتها الرئيسية الأخرى، "تي مول"، حسبما قال موظفون مطلعون على الأمر. ويعتبر هؤلاء التجار، عادة المصنعون أو البائعون المباشرون، أكثر قدرة على تقديم سلع منخفضة السعر من التجار الكبار، ونما المستخدمون النشطون يومياً للتطبيق بنسبة 6.5% في يونيو و 7% في يوليو عن العام السابق.
وفي وقت مبكر من هذا العام، افتتح تطبيق "دوين" Douyin، المماثل لتطبيق "تيك توك" والمملوك لنفس الشركة في الصين (بايت دانس)، واجهة متجر على التطبيق، باسم "Super Cheap Little Shop" لبيع المنتجات، التي يقل سعرها في الغالب عن 10 يوانات، أي ما يعادل 1.40 دولار أميركي. وقال تشينغ ييشاو، الرئيس التنفيذي لمنصة "كوايشو تكنولوجي" Kuaishou Technology لمشاركة الفيديو، في مايو إن أعمال التجارة الإلكترونية الخاصة به ستركز على توفير "منتجات جيدة منخفضة السعر".
وكثفت "علي بابا" جهودها هذا العام لتقديم حوافز تشمل حركة تجارية أفضل ودعما نقديا للباعة القادرين على تقديم أقل الأسعار.
وأدخلت "جيه دي دوت كوم" سياسات داعمة لجذب التجار الخارجيين، مثل خفض رسوم خدمة ومعدلات العمولة، بحيث يمكنها توفير مجموعة متنوعة متزايدة من العناصر، وإدخال المزيد من المنافسة السعرية. وفي الربع الثاني، زاد عدد التجار في سوق "جيه دي دوت كوم" بأكثر من الضعف على أساس سنوي، وقالت الرئيسة التنفيذية ساندي شو إن الإيرادات، التي يحققها البائعون الخارجيون نمت بشكل أسرع من مبيعات التجزئة المباشرة للشركة.
وقالت تشانغ تشينمن، وهي محاسبة تبلغ من العمر 32 عاماً في مدينة تشانغشا بوسط الصين، إنها أصبحت تشتري مستلزماتها المنزلية من المناديل الورقية أو صناديق التخزين - عادةً ما تكون مصنوعة محلياً وعلامات تجارية غير معروفة - من منصات التجارة الإلكترونية المخفضة مثل "بيندودو" أو "تاوباو"، لأن العلامات التجارية لمثل هذه السلع لا تهمها.
وقالت: "أنا سعيدة لأن المزيد من المنصات الإلكترونية تؤمن السلع مباشرة من المصانع، وهكذا أتمكن من الحصول على صفقات أفضل للعديد من السلع اليومية وتوفير المال". ولكن أضافت: "هذا لا يعني أنني سأساوم على نوعية الحياة التي أعيشها"، مضيفة أنها لا تزال تشتري مستحضرات تجميل من "إستي لودر" Estée Lauder وفلاتر المياه من ماركة "بريتا" Brita الألمانية.
وتنتقل تدابير التقشف الاقتصادية إلى قطاع الترفيه أيضاً، وقال جيمس ميتشل، كبير المسؤولين الإستراتيجيين في "تينسنت هولدينغز" Tencent Holdings الصينية لألعاب الفيديو والوسائط الاجتماعية، الأسبوع الماضي إن المستهلكين يبحثون عن وسائل ترفيه ذات أسعار معقولة، بدلاً من الكماليات باهظة الثمن، والتي قال إنها ساهمت في أعمال الشركة في مجال الألعاب.
وخلال الأرباع القادمة، يتوخى المسؤولون التنفيذيون في "علي بابا" و"جيه دي دوت كوم" الحذر بشأن توقعات الأعمال، حيث يظهر الاقتصاد الصيني المزيد من علامات التباطؤ. وقال المسؤولون التنفيذيون إن "جيه دي دوت كوم" تجري إعادة هيكلة، في مكالمة أرباحها، وقال موظفون مطلعون على الأمر إن قادة فرق العمل المختلفة في شركة "علي بابا" أصبحوا أكثر تحفظاً في الموافقة على استثمارات جديدة.
