بنك الصين يفاجئ الأسواق.. هل تتعمد بكين خفض قيمة عملتها؟

محاولة جديدة من بنك الصين المركزي (بنك الشعب) لدعم وإنقاذ الاقتصاد المتعثر الذي تحيط به حالة من عدم اليقين بشأن تحقيق مستهدفات النمو، في ما يبدو أنه سعي من البنك لخفض قيمة اليوان الذي ارتفع لأعلى مستوى في 16 شهراً أمام الدولار.

تفاجأت الأسواق صباح اليوم الاثنين، بقرار بنك الصين المركزي، خفض معدل الفائدة على إعادة الشراء العكسي «الريبو» (Repo) لأجل 14 يوماً، بواقع 0.1%، ليصبح معدل الفائدة على إعادة الشراء العكسي عند مستوى 1.85%، وذلك من 1.95% سابقاً.

وقال محافظ البنك بان جونغ شينغ (في بيان): «سيستمر البنك المركزي في العمل على تعزيز إجراءات التكيف في السياسة النقدية لمواجهة التقلبات الدورية من أجل دعم أداء الاقتصاد الحقيقي بشكل أفضل».

أضاف شينغ: «العمل بقرار خفض سعر الفائدة على إعادة الشراء العكسي لأجل 14 يوماً سيسري من اليوم الاثنين»، يأتي ذلك بعد يومين فقط من اجتماع لجنة السياسة النقدية نهاية الأسبوع الماضي.

رياح معاكسة

يعد خفض أسعار الفائدة الذي أقره بنك الصين الشعبي اليوم بمثابة رياح معاكسة للعملة الصينية اليوم (الرنمينبي) حيث يعمل على تقليل جاذبية العملة لدى المتداولين الباحثين عن عوائد مرتفعة.

تأتي هذه الخطوة في الوقت الذي ارتفع فيه اليوان إلى 7.0527 مقابل الدولار في التعاملات الصباحية وهو أقوى مستوى في 16 شهراً.

ويؤثر اليوان القوي سلباً على الصادرات الصينية، التي طالما كانت سبب انتقاد من جانب منظمة التجارة العالمية التي اتهمت بكين مراراً بخفض قيمة عملتها لزيادة الصادرات.

خفض اليوان

وقرر بنك الصين الشعبي اليوم، تحديد سعر صرف اليوان مقابل الدولار عند مستوى 7.0531 يوان لكل دولار، وهو أقل مستوى يحدده البنك منذ 26 مايو الماضي.

يأتي السعر الحالي بأعلى من التوقعات التي رجحت تحديد سعر اليوان عند 7.0518 يوان لكل دولار، وبلغ سعر الدولار في تداولات اليوم 7.0480 يوان لكل دولار.

كما أظهرت بيانات رسمية أن البنوك الحكومية الكبرى في الصين كثفت شراء الدولار في سوق الصرف الأجنبية المحلية، حيث تؤدي زيادة الطلب على الدولار في الصين إلى خفض قيمة اليوان.

وتضر المكاسب السريعة لليوان بالقدرة التنافسية للصادرات الصينية في وقت تُثقل فيه علامات التباطؤ كاهل ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بينما ينخفض الدولار الأميركي.

سنواصل العمل على تعزيز إجراءات التكيف في السياسة النقدية من أجل دعم أداء الاقتصاد الحقيقي

محافظ البنك المركزي الصيني

لا تأثير

سعر الفائدة على إعادة الشراء العكسي لأجل أسبوعين ليس المعدل الرئيس لعمليات «الريبو» في الصين التي تعتمد ثلاثة أسعار رئيسة لأسعار الفائدة.

فيما تظل الفائدة على عمليات إعادة الشراء العكسي لأجل 7 أيام هي الأساسية على صعيد عمليات «الريبو»، وبالتالي فإن هذا القرار لن يكون ذا تأثير ملموس على عمليات الإقراض أو السيولة.

كما تستند أغلب القروض الجديدة والمستحقة في الصين إلى سعر الفائدة على القروض لمدة عام واحد، في حين يؤثر سعر الفائدة على القروض لمدة 5 سنوات على تسعير الرهن العقاري.

ضخ السيولة

في الوقت ذاته ضخ «المركزي الصيني» 234.6 مليار يوان (33.3 مليار دولار أميركي) في الجهاز المصرفي عبر عمليات إعادة شراء عكسية بآجال مختلفة، من أجل الحفاظ على السيولة المتاحة لدى المقرضين وكبح ارتفاع اليوان.

توزع المبلغ إلى تنفيذ عمليات إعادة شراء عكسية لأجل 7 أيام بقيمة 160.1 مليار يوان وفق سعر فائدة 1.7%، وعمليات إعادة شراء عكسية لأجل 14 يوماً بقيمة 74.5 مليار يوان بسعر فائدة 1.85% بدلاً من 1.95% في العملية السابقة.

تعد عملية الضخ عبر آلية إعادة الشراء العكسية لمدة 14 يوماً لا بحد ذاتها إجراءً كبيراً للتيسير النقدي، إذ يستخدم «المركزي الصيني» هذه الأداة عادة للحفاظ على السيولة بالمصارف خلال فترات العطلات المطولة.

استخدم البنك تلك الآلية قبل عطلة الربيع في شهر فبراير الماضي، ويأتي إجراء اليوم قبل احتفال الصين بالعطلة الوطنية التي تبدأ في الأول من أكتوبر المقبل.

رؤية قاتمة

أظهرت بيانات وزارة المالية الصينية، أن الإيرادات المالية للصين في الأشهر الـ8 الأولى من عام 2024 انخفضت بنسبة 2.6% مقارنة بالعام السابق.

ففي أغسطس وحده، انخفضت الإيرادات المالية بنسبة 2.8% على أساس سنوي، وهو ما زاد سوءاً عن الانخفاض بنسبة 1.9% الذي شهدته في يوليو. 

كما انخفض الإنفاق المالي بنسبة 6.7%، وهو تراجع حاد عن قفزة بنسبة 6.6% بشهر يوليو، وفقاً لبيانات مكتب الإحصاء الصيني.

يوم الجمعة الماضي، أبقى بنك الشعب الصيني سعر الفائدة الأساسي على القروض لمدة عام عند 3.35%، وسعر الفائدة الأساسي على القروض لخمس سنوات عند 3.85%.

وكانت الصين فاجأت الأسواق بخفض أسعار الفائدة الرئيسة قصيرة وطويلة الأجل في يوليو الماضي، وهي أول خطوة من نوعها منذ ما يقرب من عام، ما يشير إلى نية صناع السياسات تعزيز النمو الاقتصادي.