تزدحم المدن الرئيسية في الأردن، وخاصة العاصمة عمان، بآلاف السيارات التي تحمل لوحات تسجيل خليجية، وسيارات التأجير، مع عودة مئات آلاف المغتربين لقضاء إجازاتهم الصيفية بين الأهل والأحباب.موسم بات مألوفاً بحركته الاجتماعية والاقتصادية الكبيرة، وتنتظره الأسواق بفارغ الصبر.
تنشط الحركة الاقتصادية عموماً سواء من حيث الاستهلاك أو الاستثمار، مدفوعة بما يضخه المغتربون الأردنيون من أموال في شرايين الاقتصاد، والتي تدخل الفرح، وتلاقي الترحيب سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي.
لأول مرة منذ جائحة (كوفيد-19) تشهد تحويلات المغتربين الأردنيين ارتفاعاً، وفقاً لبيانات البنك المركزي الأردني، الذي بين أن حوالات الأردنيين العاملين بالخارج ارتفعت خلال النصف الأول من العام الجاري 3.6% لتصل إلى 1.74 مليار دولار، ما يضيف قوة للدينار الأردني، وفقاً لاقتصاديين، الذين شددوا على أهميتها للاقتصاد.
ويقول وزير المالية الأردني الأسبق محمد أبو حمور:"تشكل تحويلات المغتربين الأردنيين شريان حياة حيوياً للاقتصاد ينشط الحركة الاستثمارية والاستهلاكية، ويدعم احتياطيات المملكة من العملات الأجنبية، ويسهم في تحسين مستوى معيشة المواطنين".
ويلاحظ أبو حمور في حديث لـ"ارم بزنس" أن الحوالات يختلف أثرها بحسب غايتها، فالحولات لغايات استهلاكية ومساعدة الأسر تسهم في تحريك العجلة الاقتصادية، وترفع الطلب على السلع والخدمات.
لكن الحوالات لغايات استثمارية تشكل نسبة بسيطة من إجمالي الحوالات الواردة، والذي أرجعه وزير المالية الأسبق إلى البيروقراطية التي تحيط بالعملية الاستثمارية وقلة الحوافز التشجيعية، سواء كانت ضريبية أم تشريعية، بالإضافة إلى ارتفاع نسب التضخم عالمياً، والتي تلقي بظلالها على التكلفة المعيشية للمغتربين، مما يقلل من الأموال التي توجه نحو الادخار والاستثمار.
ورغم البيروقراطية، إلا أن المؤتمر الثاني لملتقى الجالية الأردنية حول العالم، في العاصمة الأردنية عمان مؤخراً، قرر إنشاء "صندوق المغتربين الأردنيين للاستثمار"، بمساهمة مشتركة من المغتربين تقدر بحوالي 120 مليون دينار سنوياً (170 مليون دولار).
يقول وزير المالية الأردني الأسبق إن ثقة المغترب الأردني باستقرار الاقتصاد الأردني والقوة الشرائية للدينار الأردني تساهم بشكل كبير في نمو الحوالات سنوياً، نتيجة حالة اليقين بأن مدخرات المغتربين لن تتآكل بسبب ثبات أسعار الصرف وقوة السياسة النقدية في هذا المجال.
ويقدم خبراء النصيحة للحكومة الأردنية بالتوجه نحو بناء شراكات دولية تعمل على زيادة مساهمة حوالات العاملين الأردنيين في الخارج في الاقتصاد المحلي والتخفيف من معدلات البطالة.
ويعتمد الاقتصاد الأردني، الذي يحتل المرتبة الثالثة بحجم التحويلات في المنطقة العربية، على هذه التحويلات الأمر الذي يعتبر مؤشراً واضحاً على ضرورة الاستثمار في الكفاءات الأردنية المؤهلة والمدربة.
ويرى أستاذ الاقتصاد في جامعة اليرموك الدكتور نوح الشياب أن تحويلات المغتربين تشكل مصدراً لاحتياطي النقد الأجنبي لدى المملكة و لميزان المدفوعات، ودعم سعر صرف العملة الوطنية.
ودعا الشياب الحكومة الأردنية إلى اتخاذ إجراءات لترويج العمالة الأردنية في الخارج، خصوصا مع محدودية خلق فرص العمل محلياً الأمر الذي يتطلب دراسة الأسواق الخليجية على وجه الخصوص وحاجاتها الفنية والعلمية وتأهيل العمالة الأردنية بما يتناسب مع اقتصادات هذه الدول.
وأشار إلى أن تحويلات العاملين مصدر مهم لدخل الأسر، ويسهم في الإنفاق العام على الخدمات والتعليم والأقساط البنكية والرعاية الصحية والسكن، وفي النواحي الاجتماعية من خلال تخفيض نسبة الفقر وزيادة الاستهلاك.
وشدد على ضرورة إنشاء مؤسسة خاصة تعمل على تقديم الخدمات التي يحتاجها العاملون في الخارج، وحل مشاكلهم لضمان استمرار هذا المورد الحيوي للاقتصاد الوطني.