وتواجه صناعة الطيران في العالم ضغوطا قصوى لإزالة الانبعاثات الكربونية، وكانت تأمل شركات الطيران الكبرى، ومنها "إيرباص"، أن تدخل المحركات التي تعمل بالهيدروجين عالم الطيران بحلول عام 2035، إلا أن هذه الطموحات اصطدمت بعدم الواقعية حتى الآن.
ومن التحديات التي تواجه التوسع في استخدام الهيدروجين كوقود، ارتفاع تكلفة مشروعات الهيدروجين بسبب قلة التمويل المتاح، فالعديد من مؤسسات التمويل ترى أن استخدام الهيدروجين كطاقة بديلة عن الوقود الأحفوري ما زال قيد التجربة وفي بدايته ويعتري المشهد الكثير من الضبابية.
وتختلف تكلفة الهيدروجين الأخضر وفق طبيعة استخراجه، حيث تتراوح تكلفة الكيلوغرام الواحد ما بين دولارين إلى 10 دولارات، إلا أن هناك محاولات لتقليل تكلفة إنتاجه لتصل إلى ما بين دولار واحد إلى 3 دولارات بحلول عام 2030.
وتقول راشيل كونينج، الخبيرة الاقتصادية ومحللة أسواق المال، في تصريحات لـ "إرم الاقتصادية"، إن هناك شركات عالمية أخرى إلى جانب شركة "رولز رويس" تفكر جديا في الابتعاد عن الهيدروجين كوقود بديل للوقود الأحفوري، وذلك لأن استراتيجية التحول نحو الهيدروجين لتوليد الطاقة تواجه عدة مصاعب تقنية ولوجيستية.
وأوضحت أن هناك تجربة واجهت فشلا مماثلا في الولايات المتحدة حيث تطلب إقامة منشأة للهيدروجين تشييد محطات تحلية لمياه البحر، وهي محطات ذات تكلفة مرتفعة، فضلا عن احتياجها لطاقة كهربائية كبيرة، وهو ما يجعلها مكلفة بعكس الوقود التقليدي رخيص الثمن.
وأضافت كونينج، أنه ليس من المنطقي إيجاد مصدر للطاقة النظيفة يدمر نظاما بيئيا برمته، ويهدد اقتصادات أخرى تعتمد على المياه الصحية، وينتزع إمدادات المياه من المواطنين، مشيرة إلى أن كل هذه الأسباب تجعل استخدام الهيدروجين كبديل للطاقة الأحفورية هدف صعب التحقق.
وأوضحت أن إنتاج الهيدروجين هو حل لا يزال غير عملي بالدرجة الكافية للتوسع في استخدامه عالميا، حيث يتطلب إنتاجه كميات هائلة من المياه العذبة في عالم يتضرر فعليا جراء الجفاف الناتج عن التغيرات المناخية.
ولفتت الخبيرة الاقتصادية إلى أن التوسع في استخدام الهيدروجين معناه إقامة مزيد من محطات تحلية المياه، حيث أن أكثر من 65% من مشروعات الهيدروجين المقترحة توجد بأماكن تعاني بالفعل من ندرة المياه والجفاف مثل شمال إفريقيا والشرق الأوسط.
وأشارت كونينج إلى أن وقود الهيدروجين يواجه مشكلة أخرى وهي صعوبة تخزينه، فهو ليس كالوقود الأحفوري الذي تستطيع أي دولة في العالم تخزينه بسهولة، لافتة إلى أن الهيدروجين غاز خفيف جداً ومتطاير، مما يجعل من الصعب نقله وتخزينه ويتطلب ذلك تطوير بنية تحتية معقدة للنقل والتخزين، وهذا يمثل عيبا عمليا كبيرا، فضلا عن أن الهيدروجين عنصر شديد التقلب وقابل للاشتعال ولذلك يلزم اتخاذ تدابير أمان شاملة لمنع التسرب والانفجارات.
وأضافت أن التنافسية في الأسواق ليست في صالح الهيدروجين، فما يهم أي كيان اقتصادي في المقام الأول بجانب الجودة هو التكلفة، مشيرة إلى أن تكنولوجيا الهيدروجين تعتبر في الوقت الحالي مكلفة بالمقارنة مع الوقود الأحفوري التقليدي مثل البنزين والديزل، لافتة إلى أن هذا يطرح سؤالا جوهريا، مفاده: ماذا سيدفع الشركات والدول لدفع تكلفة أكبر للحصول على نفس القيمة من الطاقة في النهاية.
من جهته، يقول الدكتور عامر عبدالرحمن، أستاذ هندسة الطاقة والتنمية المستدامة بجامعة حلوان، في تصريحات لـ "إرم الاقتصادية"، إن تقنية استخدام الهيدروجين لا تزال في مراحلها الأولى، لافتا إلى أن تكلفة إنتاج الهيدروجين ستبقى الأعلى لعدة سنوات.
وأضاف أن هذه الصناعة لا تزال حديثة والتكنولوجيا الخاصة بها لا تزال تحت الاختبار في كل أنحاء العالم، وهو ما يعني عدم وجود قدرة على نشر هذه التكنولوجيا بالحجم التجاري، الذي يقلل من التكلفة النهائية لتوليد الهيدروجين.
وأوضح أن رعاة البيئة في العالم والذين ينادون بمجابهة التغيرات المناخية هم الذين يدفعون الدول والمؤسسات دفعا لاستخدام الهيدروجين كطاقة بديلة، إلا أن كلفة هذه الطاقة لا تزال مرتفعة وجار العمل على تطويرها لأنها لا ترقى لتصبح بديلا تجاريا عن الوقود التقليدي.
ولفت أستاذ هندسة الطاقة إلى أن المشكلة الحقيقية لا تكمن فقط في تكلفة إنتاج الهيدروجين، وإنما أيضا في نقله واستخدامه حيث سيكون ذلك باهظ الثمن وقد يصل إلى 5 أضعاف تكلفة إنتاجه.
وأضاف أن تطوير الإنتاج يجب أن يترافق مع تطوير في البنية التحتية، خاصة أنابيب نقل الغاز، لأن نقل الهيدروجين من مكان الإنتاج إلى موانئ استخدامه، يحتاج إلى وسيلة نقل آمنة، مشيرا إلى أن الوسائل المستخدمة حاليا مكلفة وتستهلك طاقة أكثر.
وقال عبدالرحمن، إن نقل الهيدروجين ليس كنقل الغاز المسال، موضحا أن نقل الهيدروجين في شكله السائل يتطلب تجميده عند درجة حرارة 250 درجة مئوية تحت الصفر وهو ما يعني أن استخدام سفينة لنقل الغاز المسال يقابلها الاحتياج إلى 4 سفن محملة بالهيدروجين نظرا لأن مساحته أكبر وهو ما يعني تكلفة أعلى، بالإضافة إلى أنه أثناء الإبحار يتشبع جزء من الهيدروجين بالحرارة وجزء آخر يتبخر ما يعني خسارة حوالي 20 % من الهيدروجين أثناء النقل بحرا مع الإشارة إلى أن تكلفة تسييله أساسا مرتفعة.
وتواجه صناعة الهيدروجين مشاكل أخرى منها عدم ملائمة أوضاع السوق لتداول الهيدروجين الأخضر نتيجة استمرار رخص أسعار الوقود التقليدي نسبيا بالإضافة إلى محدودية الطلب على الهيدروجين بسبب صعوبة التوصل إلى اتفاقيات لشراء الهيدروجين الأخضر فضلا عن غياب البنية التحتية الملائمة لنقل وتوزيع الهيدروجين الأخضر، وضعف القدرات التصنيعية لإنتاج الهيدروجين الأخضر على المستوى العالمي بالإضافة إلى تباطؤ التطور التكنولوجي على طول سلسلة القيمة الأساسية المرتبطة بالهيدروجين الأخضر مما يزيد من التكلفة والمخاطر.
وتصاعد الاهتمام العالمي بإنتاج الهيدروجين الأخضر، خلال السنوات الأخيرة، في ظل دعوات التصدي للتغير المناخي وخفض معدلات انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي تفاقم من ظاهرة الاحتباس الحراري.
والهيدروجين الأخضر هو مصدر طاقة خالٍ من الكربون، وينتج عن طريق تمرير تيار كهربائي عبر الماء (محلل كهربائي) لفصل الهيدروجين عن الأكسجين، ويكون الهيدروجين الناتج "أخضر" فقط إذا جرى توليد الكهرباء المستخدمة من مصادر متجددة.
ويتم حاليًا إنتاج نحو 120 مليون طن من الهيدروجين سنويًا على مستوى العالم، وتعتمد الجهات المصنعة على الغاز والفحم الأحفوري لإنتاج 95% من الكميات المتاحة عالميًا من الهيدروجين. ويُتوقّع ارتفاع حجم الاستثمارات العالمية في سوق الهيدروجين الأخضر إلى 600 مليار دولار بحلول عام 2050. كما يتوقع أن تبلغ استثمارات المشروعات الجاري تنفيذها لإنتاج الهيدروجين الأخضر قبل 2030 بنحو 320 مليار دولار، وفقًا لتقرير صادر عن شركة ديلويت للاستشارات.
وبحلول العام 2050 - بحسب ديلويت - من المرجح أن تكون المناطق الرئيسية المصدّرة للهيدروجين الأخضر، شمال إفريقيا بنصيب 110 مليارات دولار سنويا، وأميركا الشمالية بحصة 63 مليارا، وأستراليا بنسبة 39 مليارا، والشرق الأوسط بـ 20 مليارا، ومن المتوقع أن يغطى 24% من حاجة العالم من الطاقة.