logo
اقتصاد

حل القضية القبرصية.. هل يكون بوابة أوروبا لأمن الطاقة؟

حل القضية القبرصية.. هل يكون بوابة أوروبا لأمن الطاقة؟
تاريخ النشر:29 يناير 2023, 10:48 ص

يظل النزاع المستمر حول جزيرة قبرص المتوسطية، بين القبارصة الأتراك والقبارصة اليونانيين، وبين دولتيهما، مصدرا كامنا لزعزعة الاستقرار، حيث اعتبر محللون أنه بدون حل جذري لهذا النزاع، سيظل الأمن الغربي هشا.

وفي تقرير نشرته مجلة "ناشونال إنتريست" الأمريكية، يقول خبير السياسات التركية، سنان سيدي، إنه ببساطة، سيكون حل المسألة القبرصية، آخر جزيرة مقسمة في أوروبا، أمرا حيويا للاستقرار في شرق البحر الأبيض المتوسط، ويمكن أن يسفر ذلك أيضا عن قائمة طويلة من المكاسب، التي تتجاوز المصالح الجغرافية للجهات الفاعلة الإقليمية.

وأضاف سيدي للمجلة أنه لكي نكون واضحين، فإن محاولة حل المسألة القبرصية ليست مهمة سهلة، فقد بدأت وانتهت جهود عسكريين ودبلوماسيين وسياسيين بأكملها في قبرص، منذ أن قسم الغزو التركي الجزيرة عام 1974، وأدى إلى توتر العلاقات بين تركيا والجهات الفاعلة في شرق البحر المتوسط. وسيتطلب حلها استثمارات دبلوماسية كبيرة من جانب الولايات المتحدة، على غرار الدور الذي لعبته في حل الصراع في أيرلندا الشمالية وحروب البلقان، وفق وكالة الأنباء الألمانية.

وتدرك أميركا بالفعل قيمة قبرص، وإن كان ذلك بدرجة محدودة للغاية. على سبيل المثال، من خلال رفعها مؤخرا حظر الأسلحة، الذي فرض على الجزيرة منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي، حررت واشنطن جمهورية قبرص (الحكومة المعترف بها دوليا في الجزء الجنوبي من الجزيرة)، لتسهيل شحن مخزوناتها الحالية من أسلحة الحقبة السوفيتية إلى أوكرانيا.

ويقول سيدي إن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تحتاج إلى الذهاب إلى أبعد من ذلك، وإطلاق العنان للإمكانات الكاملة التي يمكن أن توفرها التسوية التفاوضية للمسألة القبرصية. ولا يزال الفشل في حل المسألة القبرصية يقرب المنطقة وبقية العالم من الحرب. ولم يكن هناك وقت أكثر أهمية لذلك مما هو عليه الحال في الحقبة الجديد للمنافسة بين القوى العظمى التي دخلناها.

خطة عنان

وفي عام 2004، كادت التسوية التفاوضية بشأن قبرص أن تحقق النجاح تحت رعاية الأمين العام الراحل للأمم المتحدة كوفي عنان.

التسوية التي أطلق عليها اسم "خطة عنان" كانت ستعيد توحيد الجزيرة، من خلال دمج الجزء الشمالي الذي تسيطر عليه تركيا من المستعمرة البريطانية العثمانية السابقة في اتحاد يضم دولتين. وكانت المفاوضات طويلة ومؤلمة ، حيث كان على كل جانب تقديم تنازلات صعبة.

من جهتها، كانت تركيا ستوافق على إزالة الجزء الأكبر من وجودها العسكري من الجزيرة، الذي يبلغ قوامه نحو 30 ألف جندي. كما وافقت أنقرة على التخلي عن الأراضي التي استولت عليها. وكان على القبارصة اليونانيين أن يتصالحوا مع تقاسم السلطة مع نظرائهم الأتراك في حكم الجزيرة. علاوة على ذلك، لو نجحت الصفقة، لكانت اللغة التركية قد أصبحت لغة رسمية للاتحاد الأوروبي، مما يعزز جهود تركيا لتصبح عضوا كامل العضوية في الاتحاد الأوروبي.

ورغم اتفاق جميع الأطراف على التفاصيل، إلا أن الاتفاق انهار في نهاية المطاف بسبب تصويت القبارصة اليونانيين بـ "لا" في استفتاء عام. وفشل الاستفتاء لسبب واحد بسيط، وهو أنه كان سوف يسمح لجمهورية قبرص بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، بغض النظر عما إذا كان قد تم التوصل إلى تسوية مع الأتراك. وبعبارة أخرى، لم يكن لدى القيادة حافز يذكر للسماح للخطة بالنجاح. وبعد زوال الخطة، أدت السنوات التي تلت ذلك إلى عودة جميع الأطراف إلى إلقاء اللوم على بعضها البعض، لعدم وجود تسوية جديدة. علاوة على ذلك، أدى انضمام جمهورية قبرص إلى الاتحاد الأوروبي كجزيرة مقسمة، إلى تدهور العلاقات بين أنقرة وبروكسل. وعند هذه اللحظة، لا تركيا ولا اليونان ولا الجانبان في قبرص على مقربة من التوصل إلى تسوية. وتصر تركيا على الموقف غير الواقعي المتمثل في حل الدولتين، في حين تشعر قبرص واليونان بالتبرير نسبيا في القيام بالحد الأدنى للعودة إلى طاولة المفاوضات.

ويمكن القول إن التعاون لتأمين إطار أمني أوروبي وعبر أطلسي مشترك، يشكل جزءا لا يتجزأ من كل من حلف شمال الأطلسي (ناتو) والاتحاد الأوروبي، هو أهم اعتبار أمني استراتيجي منذ نهاية الحرب الباردة.

ويمكن القول أيضا إن قدرة روسيا على غزو أوكرانيا دون أي تخوف، مرتبطة بالافتقار إلى بنية أمنية شاملة توحد الناتو والاتحاد الأوروبي.

 مصدر بديل للغاز

ويرتبط بهذا الأمر حاجة أوروبا الملحة الآن لإنهاء اعتمادها على الغاز الطبيعي الروسي. ومنذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، شهدت أوروبا انخفاضا كبيرا في إمدادات الغاز من روسيا. ويكمن مصدر بديل وقابل للتطبيق للغاز الطبيعي لتلبية الطلب الأوروبي، داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص. ومن خلال التعاون مع الدول التي تشكل الآن منتدى غاز شرق المتوسط، فإن استخراج مصادر الغاز إلى أوروبا عبر اليونان، لديه فرصة جيدة ليكون مجديا تجاريا. ومع ذلك ، فإن تركيا ليست جزءا من المنتدى، ويرجع ذلك أساسا إلى أنها لا تعترف بقبرص.

ونتيجة لذلك، تطعن أنقرة في حق قبرص في منح عقود الحفر لشركات النفط الغربية، وذلك أساسا من خلال نشر سفن التنقيب والحفر الخاصة بها في المياه القبرصية (واليونانية)، وغالبا ما ترافقها عناصر من البحرية التركية.

وأخيرا، وربما بشكل عرضي، يمكن لاتفاق بشأن قبرص بوساطة أميركية أن يكون دافعا لإحياء العلاقات الأميركية التركية، التي بدأت تتدهور بشكل حاد بسبب خلافات كبيرة حول سوريا والقتال للقضاء على تنظيم "داعش".

ومنذ ذلك الحين، ساءت العلاقة الثنائية بين "الشريكين الاستراتيجيين" المفترضين بشكل كبير، لدرجة أن إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب اضطرت إلى فرض عقوبات على تركيا، بسبب إصرار الرئيس رجب طيب أردوغان على شراء تكنولوجيا الدفاع الصاروخي الروسية في عام 2019 بدلا من البدائل الغربية.

وبسبب فقدان الثقة بشكل أساسي من كلا الجانبين، وصلت السمية في العلاقة إلى مستويات غير مسبوقة. ولم يتحدث الرئيس جو بايدن مع أردوغان في الأشهر الثمانية عشر الأولى من ولايته، في حين تواصل تركيا عرقلة انضمام فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي. وقد يكون الاستثمار الدبلوماسي الأميركي في المشكلة القبرصية هو المطلوب لإحياء الشراكة.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC