logo
اقتصاد

فائض الصين التجاري يشعل توتراً بين أميركا وصندوق النقد الدولي

فائض الصين التجاري يشعل توتراً بين أميركا وصندوق النقد الدولي
سيارات ومعدات صينية تستعد للتصدير في ميناء يانتاي بمقاطعة شاندونغ، الصين، 14 أكتوبر 2024.المصدر: رويترز
تاريخ النشر:24 أكتوبر 2024, 06:36 م

قبل ثمانين عاماً، أسّس قادة العالم صندوق النقد الدولي في مؤتمر بريتون وودز بولاية نيوهامبشر الأميركية، بهدف منع الاختلالات الاقتصادية التي أدت إلى الكساد العظيم، الذي استمر من عام 1929 حتى 1939، وشهد خلاله العالم انخفاضاً حاداً في الإنتاج والنمو، ما نتج عنه ارتفاع معدلات البطالة وركود الأسواق المالية.

واليوم تعود تلك الاختلالات للظهور مجدداً بسبب الفوائض التجارية الضخمة للصين، التي تعزوها الولايات المتحدة إلى تقليص الاستهلاك ودعم الصناعة، حيث تدعي أنها ضارة بالاستقرار الاقتصادي العالمي لتأثيرها السلبي على شركائها التجاريين، وفقاً لتقرير لصحيفة «وول ستريت جورنال».

وتؤكد الولايات المتحدة أن هذا الفائض ناتج عن كبح الاستهلاك المحلي في الصين، بينما تدعم بكين بشكل كبير التصنيع والصادرات. وتسعى الحكومة الأميركية للضغط على صندوق النقد الدولي لتبني موقف مشابه.

ومع ذلك، اتخذ صندوق النقد الدولي موقفاً حيادياً، داعياً الصين لتغيير نموذجها الاقتصادي دون التأكيد على أضرار هذا النموذج على المستوى العالمي، بحسب التقرير.

رؤى متضاربة

منذ عقود، اعتقد قادة الولايات المتحدة أن إدماج الصين في مؤسسات الاقتصاد العالمي بعد الحرب العالمية الثانية، مثل صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية، سيساهم في تعزيز الإصلاحات الموجهة نحو السوق وزيادة الاستقرار العالمي. ومع ذلك، يجادل العديد الآن بأن عودة الصين إلى نموذج اقتصادي استبدادي يعتمد على الدولة يتعارض مع القيم الغربية.

كمنظمة اقتصادية عالمية محورية، قد يجد الصندوق نفسه عالقاً بين رؤى متضاربة للاقتصاد العالمي، خصوصاً مع احتمال إعادة انتخاب الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي أشار إلى أهمية تقليل العجز التجاري الأميركي مع الصين من خلال فرض رسوم جمركية، وهي استراتيجية انتقدها صندوق النقد الدولي.

وفقاً للتقرير، يشكك مستشارو ترامب عموماً في كل من الصين والمؤسسات الدولية، حيث يدعو بعضهم إلى انسحاب الولايات المتحدة من صندوق النقد الدولي كجزء من أجندة أوسع لفترة ثانية لترامب. 

زيادة الفائض التجاري

ومنذ انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001، أعربت الولايات المتحدة عن قلقها بشأن زيادة الفائض التجاري للصين، والذي أثر بشكل كبير على وظائف التصنيع الأميركية، في ظاهرة تعرف بـ«صدمة الصين».

وعلى الرغم من أن الفوائض التجارية الصينية قد انخفضت بالنسبة لإجمالي الناتج المحلي، إلا أنها زادت كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، لتصل إلى 0.7%.

أخبار ذات صلة

لماذا تنتعش أسهم الصين؟.. المستثمرون يتجاهلون صندوق النقد

لماذا تنتعش أسهم الصين؟.. المستثمرون يتجاهلون صندوق النقد

وأدت صادرات الصين القوية في يونيو إلى اتساع فائضها التجاري إلى 99 مليار دولار، مقارنةً بـ82.6 مليار دولار في مايو، وفقاً لبيانات الجمارك الصينية، حيث ارتفعت الصادرات بنسبة 8.6% خلال يونيو الماضي على أساس سنوي، لتصل إلى 307.8 مليار دولار.

وأثار ذلك مخاوف من موجة جديدة من الواردات الرخيصة من الصين، والتي أطلق عليها «صدمة الصين 2.0».

وعبر جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي جو بايدن، عن هذه المخاوف في حدث حديث بمؤسسة «بروكينغز»، مؤكداً أن الصين تنتج أكثر بكثير من الطلب المحلي، مما يؤدي إلى إغراق الأسواق العالمية بسلع زائدة بأسعار منخفضة بشكل مصطنع، وبالتالي يهدد الشركات المصنعة في جميع أنحاء العالم ويؤدي إلى اضطرابات في سلاسل التوريد.

سياسات «إفقار الجار»

في ندوة نظمها «المجلس الأطلسي» بواشنطن، أشار وكيل وزارة الخزانة الأميركية للشؤون الدولية، جاي شامبو، إلى أن الصين تمثل 30% من التصنيع العالمي، وأن نموها السريع قد يؤدي إلى إزاحة اقتصادات أخرى حول العالم، وليس فقط الولايات المتحدة. ودعا شامبو صندوق النقد الدولي إلى إيلاء مزيد من الاهتمام للاختلالات الخارجية العامة الناتجة عن سياسات الصين.

أخبار ذات صلة

صندوق النقد يخفض توقعات نمو الاقتصاد العالمي في 2025

صندوق النقد يخفض توقعات نمو الاقتصاد العالمي في 2025

تاريخياً، اعتقد مؤسسو صندوق النقد الدولي أن انهيار التعاون الاقتصادي ساهم في الكساد العظيم، حيث كانت البلدان التي تحقق فوائض تجارية تشعر بقليل من الحافز لمساعدة البلدان ذات العجز، ما أدى إلى سياسات «إفقار الجار».

واقترح الاقتصادي البريطاني جون ماينارد كينز إنشاء عملة وبنك عالمي لتسهيل التجارة والتخفيف من عدم التوازنات الخطيرة. ومع ذلك، في مؤتمر «بريتون وودز» الذي شهد تأسيس صندوق النقد في عام 1944، اختارت الدول ربط عملاتها بالدولار، وكلّفت الصندوق بالإشراف على التعديلات الدورية.

ومع تغير الديناميكيات العالمية في السبعينيات بسبب التضخم والعجز التجاري، انهارت أسعار الصرف الثابتة، مما أدى إلى زيادة تدفقات رأس المال التي سمحت للدول الفقيرة بالاقتراض من البنوك الغربية.

وقد دفع هذا صندوق النقد إلى تبني مهمة جديدة تركز على مساعدة الدول في إعادة هيكلة ديونها، وغالباً ما كانت مرتبطة بإجراءات تقشف صارمة.

عوامل داخلية

واليوم، بينما لا يزال صندوق النقد الدولي يراقب ميزان التجارة، فإنه ينسب عدم التوازنات بشكل أساسي إلى العوامل الداخلية، بدلاً من التأثيرات العابرة للحدود.

وقد خلص منشور حديث لصندوق النقد، الذي يحلل العجز التجاري الأميركي والفائض الصيني، إلى أن هذه الظواهر مستقلة إلى حد كبير، وناتجة عن ظروف وطنية وليست بسبب مؤثرات خارجية مباشرة.

وقام فريق صندوق النقد بدراسة العلاقة بين العجز الأميركي والفائض الصيني ووجد أنهما لا يرتبطان بشكل كبير. ووُجد أن العجز الأميركي القوي يعكس الإنفاق الحكومي والأسري، بينما نتج الفائض الصيني عن انخفاض أسعار العقارات والثقة المحلية.

وأضاف التقرير أن هذا المنظور أثار انتقادات من عدة اقتصاديين، حيث يرى براد سيتسر، المسؤول التجاري السابق في وزارة الخزانة الأميركية، أن تحليل صندوق النقد الدولي يقلل من أهمية فائض التجارة الصينية وآثاره الأوسع. كما انتقد سيتسر توصيات صندوق النقد الدولي للصين، التي قد تؤدي إلى تفاقم فائضها من خلال إعطاء الأولوية للتقشف المالي على معالجة ديناميات التجارة.

ورد كبير اقتصاديي صندوق النقد، بيير أوليفييه غورينشاس، على هذا الرأي، مؤكداً أن صندوق النقد الدولي دعا باستمرار الصين إلى تعزيز الاستهلاك الأسري وإصلاح هيكلها الضريبي للتخفيف من عدم التوازنات التجارية.

وأكد التقرير أنه لا يمكن الاستهانة بأهمية موقف صندوق النقد، فعلى الرغم من أن العديد من الدول، وخاصة الكبيرة منها، قد لا تعتمد على مساعداته، فإن مصداقية الصندوق وسلطته تضفي وزناً كبيراً على تقييماته.

كما أشار مارتن محليسن، المدير السابق لقسم الاستراتيجية والسياسة والمراجعة الرئيس لصندوق النقد الدولي إلى أن استراتيجية الصين في تعزيز الصادرات تلحق الضرر بالوظائف العالمية، وعلى صندوق النقد الدولي أن يتعامل مع هذه القضية.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC