تُعد فجوة المهارات بين خريجي الجامعات وسوق العمل من التحديات الكبرى التي تواجه الشباب في البلدان العربية، فعلى الرغم من تزايد أعداد الخريجين في مختلف التخصصات، فإن نسبة البطالة بين هذه الفئة تظل مرتفعة، ما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت البرامج التعليمية تلبي احتياجات السوق الفعلية.
وتشير تقديرات إلى أن عدد الجامعات في العالم العربي خلال السنوات الثلاثة الماضية وصل إلى أكثر من 1400 جامعة، يتخرج سنوياً منها نحو مليوني طالب وطالبة، ورغم ذلك أفادت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا) بأن عدد العاطلين عن العمل في المنطقة العربية بلغ 14.3 مليون شخص في عام 2021، ما يجعلها المنطقة الأعلى بطالة عالمياً، خاصة بين النساء والشباب.
وتسجل معدلات البطالة في العالم العربي 12%، وترتفع إلى 22% بين الإناث، مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 6%، وتصل البطالة بين الشابات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و24 عاماً إلى 44%.
وفي ظل التغيرات السريعة في طبيعة العمل ومتطلبات الوظائف، يبرز سؤال جوهري: هل يتعلم الشباب المهارات اللازمة التي تتماشى مع احتياجات سوق العمل المتغيرة؟
وتتطلب الإجابة على هذا السؤال تحليلاً لأسباب عدم توافق المهارات التي يتعلمها الخريجون مع متطلبات أصحاب العمل، بما في ذلك دور المؤسسات التعليمية، والاتجاهات الاقتصادية، وسيكون من الضروري استكشاف كيفية تكيّف الشباب مع هذه التحديات لضمان استعدادهم لدخول سوق العمل وتلبية احتياجاته.
تشير آراء محللين ومسؤولين تحدثت معهم «إرم بزنس» إلى أن مخرجات التعليم في الدول العربية تواجه تحديات عديدة، أبرزها الفجوة بين التعليم النظري والتطبيقي، إذ تعتمد بعض المؤسسات التعليمية على مناهج تقليدية تفتقر إلى الجانب العملي، ما يؤدي إلى تخريج طلاب غير مؤهلين بالمهارات اللازمة لسوق العمل، بالإضافة إلى ذلك، يُعدُّ نقص المهارات التقنية والمهنية خللاً في نظام التعليم، إذ تفتقر معظم البرامج الأكاديمية إلى التركيز على المهارات المطلوبة في الصناعات الحديثة مثل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
وصرح وزير الطاقة الأردني السابق، رئيس جامعة الإسراء الأردني، محمد حامد، لـ«إرم بزنس» بأن مخرجات التعليم بالجامعات والمعاهد في المنطقة لا تتناسب مع احتياجات سوق العمل، ما يزيد اتساع الفجوة بينهما ويرفع معدلات البطالة.
وأشار إلى أن سوق العمل غير قادر على استيعاب الخريجين، وأن قدرته على التشغيل تتناقص سنوياً رغم الارتفاع المطرد في أعدادهم، ما يجعل الحصول على وظيفة أمراً صعباً.
وأكد ضرورة دراسة مواءمة مخرجات التعليم العالي مع احتياجات السوقين الوطني والدولي، وتوجيه الطلبة نحو التعليم المهني والتقني، واستحداث تخصصات جديدة تتماشى مع متطلبات السوق، كما شدد على أهمية تفعيل برامج الدراسات الثنائية التي تدمج الجانب الأكاديمي النظري مع التطبيق العملي، مشيراً إلى التجارب الناجحة لهذه البرامج في تهيئة الطلاب لسوق العمل.
وأوضح أن مخرجات التعليم الجامعي يجب أن تسهم في إعداد كوادر بشرية مؤهلة تدير أنشطة مؤسسات سوق العمل، وأن الارتقاء بنوعية التعليم العالي بات ضرورة ملحة.
ولتهيئة الطلاب للانخراط في سوق العمل المحلي والدولي، نصح بالتكاتف لاستحداث تخصصات تتماشى مع واقع السوق، مثل العلوم الرقمية والتكنولوجية، ومراجعة احتياجات السوق باستمرار، كما دعا لوضع خطة توعوية تشجع الطلبة على التوجه نحو التعليم المهني والتقني الذي أصبح حاجة أساسية.
تفتقر مخرجات التعليم في معظم الدول العربية لتلبي احتياجات سوق العمل، لأسباب منها عدم توافق التخصصات مع متطلبات السوق، وضعف الابتكار وريادة الأعمال، وقلة التدريب العملي والشراكات مع القطاع الخاص.
إلى ذلك، أوضح وزير الإعلام الأردني الأسبق، سميح المعايطة، أن المناهج الجامعية تتحرك ببطء، ولا تؤهل الأجيال لمواكبة التطورات السريعة في سوق العمل بسبب التقدم التكنولوجي.
وأضاف لـ«إرم بزنس» أن النمو السكاني في العالم العربي يتجاوز بكثير فرص العمل المتاحة، ما يؤدي إلى عدم توازن بين النمو الاقتصادي والنمو السكاني، كما أن الأزمات مثل الحروب تزيد الضغوط على سوق العمل، إذ تكون الفرص المتاحة أقل من الحاجة الفعلية.
رغم جهود بعض الدول العربية في تعزيز التعليم المهني والتقني، فإن هذه التدابير لا تزال غير كافية لمواجهة متطلبات السوق المتزايدة.
وأشار المعايطة إلى أن نوعية المناهج لا تسهم في انتقال المخرجات سريعاً إلى سوق العمل، إذ يحتاج منهج التعليم المهني إلى تحديث ليتناسب مع الاحتياجات الفعلية للوظائف.
ووافقه الرأي الكاتب والباحث الاقتصادي الأردني عصام قضماني، مشدداً في تصريحات لـ«إرم بزنس» على ضرورة تطوير المناهج التعليمية لتلبية احتياجات سوق العمل الحديث من خلال تعزيز الشراكات مع القطاع الخاص والتركيز على التعليم المهني والتقني، ما يحسن فرص التوظيف لدى الشباب العربي.
وأضاف أن تحديث التعليم يجب أن يكون جزءاً أساسياً من خطط الإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري في العالم العربي.
قضماني نبه إلى أن التعليم يعد المحرك الرئيس لنمو الإنتاجية، مشدداً على مسؤولية الجامعات في ربط المناهج بمطالب سوق العمل، خاصة في ظل التحديات العالمية التي تطرأ باستمرار.
كما أضاف أن الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات السوق تتسع، ما يستدعى اتخاذ إجراءات سريعة وخطوات جادة لإصلاح التعليم.
ولفت إلى أن الاستثمار في التعليم يمكن أن يؤدي إلى انخفاض معدلات الفقر ورفع نصيب الفرد من الدخل، ما يعزز قدرة الدول على المنافسة في الاقتصاد العالمي.
ورغم أن بعض الدول العربية بدأت تدرك أهمية إصلاح المناهج وتعزيز الشراكات مع القطاع الخاص، ولكن تعميم هذا النهج في البلدان جميعها يتطلب تخطيطاً دقيقاً يراعي احتياجات سوق العمل بشكل مدروس، وفق قضماني.