logo
اقتصاد

البطالة.. قنبلة موقوتة تهدد اقتصادات آسيا

البطالة.. قنبلة موقوتة تهدد اقتصادات آسيا
شباب يبحثون عن فرص عمل بمعرض توظيف في مدينة سانمنشيا الصينية يوم 16 أغسطس 2024.المصدر: غيتي إيمجز
تاريخ النشر:29 أغسطس 2024, 01:51 م

تعدُّ معدلات البطالة المرتفعة بين الشباب قنبلة موقوتة تهدد الاقتصادات المتنامية في آسيا، إذ تقوض تقدمها الاقتصادي، وتثير مخاوف جدية بشأن الاستقرار المستقبلي، وفقاً لما أورده تقرير من صحيفة "وول ستريت جورنال".

تشير منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة إلى أن كثيرًا من دول آسيا تواجه معدلات بطالة مقلقة بين الشباب، على الرغم من النمو الاقتصادي الملحوظ في المنطقة، على سبيل المثال سجلت بنغلاديش التي كان يشاد بإنجازاتها في تقليص معدلات الفقر المدقع، زيادة ملحوظة في بطالة الشباب، إذ ارتفعت النسبة إلى 16% في السنوات الأخيرة، وهو أعلى مستوى لها منذ ثلاثة عقود.

وبالمثل، تسجل الصين والهند معدلات بطالة للشباب تصل إلى 16%، على حين تصل النسبة في إندونيسيا إلى 14%، وفي ماليزيا إلى 12.5%، ويعاني نحو 30 مليون شاب تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عامًا من صعوبة العثور على وظائف في هذه الدول، إذ تمثل هذه الفئة نحو نصف إجمالي 65 مليون شاب متعطل عن العمل على مستوى العالم.

وتبرز هذه الأرقام بشكل حاد مقارنةً بالدول الغنية مثل الولايات المتحدة واليابان وألمانيا، إذ يتمتع الشباب بفرص عمل أفضل، ومع ذلك فإن الوضع في آسيا ليس شديد السوء مقارنةً بالدول الأوروبية الجنوبية مثل إيطاليا وإسبانيا، إذ يواجه نحو ربع الشباب البطالة.

وتطرح معدلات البطالة المرتفعة بين الشباب في هذه الاقتصادات الآسيوية تحديات كبيرة، خاصةً للدول التي تفتقر إلى القواعد الصناعية الواسعة مثل الصين، وبالنسبة لدول مثل بنغلاديش، تسلط المشكلة الضوء على أسئلة أعمق حول كيفية الصعود على السلم الاقتصادي وتكاليف الفشل في فعل ذلك.

ولم يعد الإحباط من تراجع الفرص مجرد قضية اقتصادية، بل أصبح أيضاً مصدراً لعدم الاستقرار السياسي، في بنغلاديش كان الغضب من قلة الفرص عاملاً رئيساً في الأحداث السياسية العاصفة التي أجبرت رئيسة الوزراء شيخة حسينة على التخلي عن السلطة بعد ما يزيد على 15 عاماً متتالية في الحكم.

وأدت الاحتجاجات التي قادها الطلاب بشكل كبير، التي انتهت بهروب حسينة من البلاد، إلى تسليط الضوء على السخط العميق بين الشباب الذين يشعرون بأنهم مستبعدون استبعاداً متزايداً من التقدم الاقتصادي.

وفي الهند، خسر حزب رئيس الوزراء ناريندرا مودي الأغلبية البرلمانية هذا العام، جزئياً بسبب عدم الرضا عن فرص العمل، وعلى الرغم من أن الاقتصاد حقق نمواً بنسبة 8%، تظل البطالة بين الشباب قضية حاسمة.

وفي الصين، توقفت الحكومة عن نشر إحصاءات البطالة بين الشباب مدة من الوقت العام الماضي، بعد أن أظهرت أن ما يزيد على 20% من الشباب كانوا عاطلين عن العمل، ما يمثل رقماً قياسياً، وفقاً للتقرير.

وفي إندونيسيا، يرتبط النمو الاقتصادي البالغ 5% ارتباطاً كبيراً بقطاعات التعدين والمعالجة المعدنية، وهي صناعات كثيفة، وتوفر فرص عمل أقل.

وتتجاوز المشكلة الصعوبات الفورية في سوق العمل، وبالنسبة لكثير من الشباب، تستمر الصعوبة في العثور على وظيفة مستقرة حتى في العشرينيات من العمر.

وفي جنوب آسيا، كان 71% من الأفراد العاملين الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و29 عاماً يشغلون وظائف غير مستقرة العام الماضي، وهي نسبة تحسنت قليلاً عن 77% قبل عقدين، وتثير هذه الأوضاع تساؤلات حول فاعلية السلم الاقتصادي الذي تحاول دول مثل بنغلاديش والهند صعوده.

وكذلك وصلت بنغلاديش إلى نقطة توقف في نموذجها الاقتصادي الذي كان يركز في السابق على تصنيع الملابس، وعلى حين أصبحت البلاد مركزاً عالمياً لإنتاج الملابس، فإنها تكافح للتحول إلى صناعات أكثر تعقيداً وقيمة أعلى مثل الإلكترونيات والآلات الثقيلة.

ويتناقض هذا الجمود بشكل حاد مع الصعود الاقتصادي لدول مثل اليابان وكوريا الجنوبية والصين، التي انتقلت بنجاح إلى قطاعات التصنيع المتقدم والتكنولوجيا.

فجوات اقتصادية

وبحسب التقرير، تزيد المشكلة تعقيداً بسبب الفجوة المتنامية بين التعليم وسوق العمل، في كثير من دول آسيا النامية، يوجد زيادة في الحصول على التعليم العالي، ولكن سوق العمل لا يتوافق مع المهارات التي تُكْتَسَب.

وعلى سبيل المثال، في الهند، يعاني جزء كبير من خريجي الجامعات من البطالة، على الرغم من قطاع تكنولوجيا المعلومات المتنامي في البلاد.

ووفقاً لتقرير صادر عن جامعة عظيم بريمجي في بنغالور عام 2023، فإن ما يزيد على 40% من خريجي الجامعات في الهند الذين تقل أعمارهم عن 25 عاماً عاطلين عن العمل، مقارنةً بـ11% من الأشخاص الذين لديهم تعليم يسير.

بدوره، يشير كونال سين، مدير معهد الأمم المتحدة للدراسات الاقتصادية والتنموية في فنلندا، إلى أن الفجوة بين الطموحات التعليمية وواقع سوق العمل هي قضية حاسمة، مضيفاً أن "الشباب الذين هم أكثر تعليماً من آبائهم يجدون أنفسهم غالباً عالقين في وظائف أقل من مؤهلاتهم"، ومؤكداً أن "القادة السياسيين لم يدركوا بعد حجم هذه المشكلة".

وفي بنغلاديش، الوضع لا يقل سوءاً بالنسبة لحملة الدرجات الجامعية، إذ أظهر استطلاع حكومي عام 2022 أن معدل البطالة بين خريجي الجامعات هو ثلاثة أضعاف المعدل الوطني العام، وفي جامعة دكا في بنغلاديش، لا يزال كثير من الخريجين يسعون للحصول على عمل بعد سنوات من حصولهم على الدرجات العلمية، وغالباً ما يعتمدون على دعم الأسرة.

وأدى الإحباط المتزايد بشأن فرص العمل إلى إثارة اضطرابات سياسية واجتماعية كبيرة في بعض هذه الدول، كما حصل في بنغلاديش، إذ كانت الاحتجاجات الطلابية مدفوعة بسوق العمل القاتم، وسوء السياسات الحكومية.

وقد تسلّم منسق الحراك الطلابي خلال الاحتجاجات البالغ من العمر 26 عاماً، آصف محمود، إلى وزير في الحكومة، حقيبتين هما "الشباب والرياضة"، ويعترف محمود بخطورة أزمة البطالة، ويسعى إلى تحسين التوافق بين التعليم واحتياجات سوق العمل من خلال تعزيز التعاون بين المؤسسات التعليمية والصناعة.

وعلى حين تواصل هذه الاقتصادات نموها، سيكون من الضروري معالجة أزمة البطالة بين الشباب للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي وتحقيق التنمية المستدامة.

يكمن التحدي أمام صانعي السياسات في خلق فرص عمل تتماشى مع مهارات الشباب وطموحاتهم، مع تسهيل التحول نحو أنشطة اقتصادية أكثر تقدماً وتنوعاً.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC