حكومة دبي: نسعى إلى تعزيز بيئة عمل مرنة تدعم توازن العمل والحياة
هل يمكن أن يسهم تقليص أسبوع العمل إلى 4 أيام في تعزيز الإنتاجية والكفاءة، وتحسين الرضا الوظيفي؟ تتبنى كل من آيسلندا وهولندا وبعض القطاعات في الإمارات العربية المتحدة، حالياً، هذا النموذج، فيما يزداد انتشاره بشكل متسارع على مستوى العالم.
عندما قدمت «مايكروسوفت-اليابان» هذا النموذج في العام 2019، أظهرت التجربة زيادة في الإنتاجية بنسبة 40%، بحسب تقرير صادر من المنتدى الاقتصادي العالمي. كما أظهرت التجارب العالمية، في العام 2022، نتائج مشابهة مع الموظفين في دول مثل إسبانيا وأيرلندا، الذين أبدوا رضاهم عن تغطية 100% من عملهم الطبيعي في 80% من الوقت.
عند تقييم أصحاب العمل، لتحسن الإنتاجية خلال التجربة على مقياس من 1 إلى 10، كانت معظم التجارب إيجابية جداً، حيث منح أصحاب العمل تقييماً قدره 7.7.
وفي دراسة أجريت في آيسلندا العام 2022، والتي تعد من الدول الرائدة في اختبار هذا النموذج، تبين أن الإنتاجية إما بقيت ثابتة، أو تحسنت في أماكن العمل التي قُلِّصَت ساعات العمل فيها. وشملت التجارب، التي أُجريت بين عامي 2015 و2019، أكثر من 2500 عامل من مختلف الصناعات، إذ أفاد الموظفون بأنهم شعروا بتوتر أقل، وأصبحوا أقل عرضة للاحتراق الوظيفي، بينما لاحظ أصحاب العمل استقراراً أو تحسناً في الإنتاجية.
وفي أغسطس 2024، أعلنت دائرة الموارد البشرية لحكومة دبي عن مبادرة بعنوان «صيفنا مرن» لاختبار أسبوع العمل المكون من أربعة أيام مع تقليص ساعات العمل اليومية للعديد من موظفي الحكومة.
بموجب هذه المبادرة، عُلِّق العمل يوم الجمعة وتقليص أيام العمل إلى سبع ساعات في 15 مؤسسة حكومية خلال الفترة من 12 أغسطس إلى 30 سبتمبر، بهدف تعزيز أداء الموظفين وتحسين جودة حياتهم.
رغم أن نتائج الاستطلاع بعد المبادرة لم تُنشر بالكامل، صرح عبدالله علي بن زايد الفلاسي، مدير عام دائرة الموارد البشرية لحكومة دبي، بأن هذه المبادرة تتماشى مع جهود الدائرة المستمرة لتعزيز بيئة عمل مرنة تدعم توازن العمل والحياة لدى الموظفين الحكوميين، وفقاً لأفضل الممارسات الدولية.
وأضاف: «سيساهم إطلاق هذه المبادرة أيضاً في تعزيز رؤيتنا لتمكين الموارد البشرية من خلال تطوير حلول ذكية وسياسات مبتكرة، بما يساهم في تعزيز تنافسية دبي». في الإمارات، يرحب رواد الأعمال وأصحاب الأعمال بفكرة أسبوع العمل المكون من 4 أيام.
وفي هذا السياق، عبّر فؤاد عون، رائد الأعمال والشريك والمدير العام في شركة «إف إس كيه آند بارتنرز كونسالتنز» (FSK & Partners Consultants) فرع الشرق الأوسط، عن رأيه في هذا المفهوم قائلاً: «كانت ردة فعلي الأولى تجاه أسبوع العمل المكون من 4 أيام مزيجاً من الفضول والتفاؤل الحذر. في الدول التي تتمتع بثقافة عمل قوية، يوفر أسبوع العمل الأقصر فرصة لتحقيق توازن أفضل بين العمل والرفاهية الشخصية».
وأضاف: «هذا النموذج سيعزز الإنتاجية من خلال منح الموظفين وقتاً أكبر للراحة، مما ينعكس على تحسين التركيز والكفاءة. كما يتماشى مع رؤى العديد من الدول التي تسعى إلى تعزيز توازن العمل والحياة، مع الحفاظ على تنافسية القوى العاملة».
كما عبّر ستيف دينسيل، الرئيس التنفيذي لشركة «إيه في إل» (AVL)، المتخصصة في الدعم الصوتي والمرئي والإضاءة للفعاليات ومقرها دبي، عن تأييده للفكرة قائلاً: «إنها فكرة رائعة أن يحصل الناس على توازن جيد بين العمل والحياة، سيؤدي ذلك إلى تحسين جودة العمل، وزيادة إنتاجية الموظفين».
تعد هولندا، الداعمة لأسبوع العمل المكون من 4 أيام، من أوائل الدول التي تبنت ترتيبات العمل المرنة. ووفقاً لبيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، يعمل الهولنديون بمعدل 29 ساعة في الأسبوع، وهو من أقل المعدلات على مستوى العالم.
رغم ذلك، تحتل هولندا المرتبة الثانية عشرة عالمياً من حيث الناتج المحلي الإجمالي للفرد المعدل بحسب تكلفة المعيشة، والذي يصل إلى 56,3 ألف دولار.
كما تحقق البلاد مرتبة متقدمة في الإنتاجية، وتحافظ على مستوى عالٍ من جودة الحياة، حيث يشير العمال إلى تحسن توازن العمل والحياة، مما يساهم في تعزيز السعادة والصحة العامة.
بالمثل، أجرت شركة «بيربيتشوال جارديان» (Perpetual Guardian) النيوزيلندية تجربة أسبوع العمل المكون من 4 أيام في العام 2018، وقُلِّصَت ساعات العمل دون تخفيض الرواتب. كانت النتائج مثيرة؛ إذ سجلت زيادة في الإنتاجية بنسبة 20%، وتحسناً في توازن العمل والحياة بنسبة 45%، فضلاً عن تقليص مستويات الضغط لدى الموظفين. وبفضل هذه النتائج الإيجابية، قررت الشركة جعل هذا التغيير دائماً.
كما تعد فانواتو، الواقعة في أوقيانوسيا، إحدى أبرز الدول التي تسجل أقل ساعات عمل أسبوعية لكل موظف، وفقاً لتقرير منظمة العمل الدولية، حيث يبلغ متوسط ساعات العمل الأسبوعية للعمال في فانواتو 24.7 ساعة فقط.
ورغم أن أسبوع العمل المكون من 4 أيام لم يصبح بعد معيار عالمياً، إلا أن العديد من الدول بدأت في إجراء تجارب أو تبني هذا النظام. وفي اليابان نظراً لثقافة العمل المكثفة في البلاد، أوصت الحكومة بتقليص ساعات العمل كخطوة لمكافحة الإفراط في العمل، وتحسين الصحة العقلية.
في هذا السياق، أسفرت تجربة «مايكروسوفت-اليابان» في العام 2019، التي طبقت فيها أسبوع العمل المكون من 4 أيام، عن زيادة في الإنتاجية بنسبة 40%.
في إسبانيا، أطلقت الحكومة الإسبانية في العام 2021، تجربة لمدة 3 سنوات لأسبوع عمل مدته 32 ساعة دون تخفيض الرواتب. يهدف المشروع إلى تعزيز الإنتاجية وتقليل التأثير البيئي من خلال تقليص وقت التنقل.
وفي العام 2022، أصبحت الإمارات أول دولة تطبق أسبوع عمل مكون من 4.5 أيام للموظفين في القطاع العام. وتشير التعليقات الأولية إلى تحسن رفاهية الموظفين وزيادة كفاءة المؤسسات.
كما تشمل الدول التي اعتمدت أسبوع العمل المكون من 4 أيام كلاً من: بلجيكا، وألمانيا، ونيوزيلندا. في الجهة المقابلة، تتصدر بوتان دول العالم من حيث نسبة العاملين الذين يعملون أكثر من 49 ساعة أسبوعياً، حيث يشكلون 61% من القوى العاملة.
كما تمثل نسبة العاملين لأكثر من 49 ساعة في بنغلاديش (47%) وباكستان (40%) مراتب متقدمة. ورغم ارتفاع ساعات العمل، تُعد بوتان من أسعد البلدان في العالم. في المقابل، تُعد فنلندا الدولة الأكثر سعادة وفقاً لتقرير السعادة العالمي، حيث لا يجوز أن تتجاوز ساعات العمل النظامية فيها 8 ساعات يومياً أو 40 ساعة أسبوعياً.
يرى النقاد بأن تطبيق أسبوع العمل المكون من 4 أيام ليس قابلاً للتنفيذ في الصناعات جميعها، إذ تواجه قطاعات، مثل: الرعاية الصحية، والتجزئة، والتصنيع، صعوبات في تبني هذا النموذج؛ بسبب الحاجة المستمرة لتشغيل العمليات. كما يحذر المتشككون من أن الإنتاجية قد تتأثر سلباً إذا لم يتم تنفيذ هذا النموذج بشكل مدروس.
وأبرز دينسيل هذه التحديات قائلاً: «في مجالي، وهو تنظيم الفعاليات، يتطلب العمل نمطاً على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع خلال موسم الفعاليات، حيث تبلغ ذروة العمل، إذ يمكن تطبيق نموذج الأسبوع المكون من 4 أيام في معظم الصناعات التي تعتمد نمط العمل من 9 إلى 5، ولكن يصعب تنفيذه في صناعات، مثل: الفعاليات، والضيافة، والرعاية الصحية».
ومع ذلك، تشير التجارب الناجحة إلى أن إعادة التفكير في سير العمل يمكن أن تساعد على التغلب على هذه المشكلات. فغالباً ما تعتمد الشركات التي تتبنى أسابيع عمل أقصر على التكنولوجيا لتبسيط العمليات، وتقليل الاجتماعات غير الضرورية، والتركيز على النتائج بدلاً من ساعات العمل.
وقال عون: «من المهم وضع النموذج في سياقه ضمن الظروف المحلية والصناعات واحتياجات الأعمال والموظفين المتغيرة».
بعيداً عن الإنتاجية، يسهم أسبوع العمل المكون من 4 أيام في تحسين جودة حياة الموظفين بشكل ملحوظ، فقد أفاد العاملون بأنهم أصبحوا يخصصون وقتاً أكبر للعائلة، ويتابعون هواياتهم، ويركزون على صحتهم العقلية والبدنية.
على سبيل المثال، في تجارب آيسلندا، وصف الموظفون شعورهم بزيادة في الطاقة ووجود وقت أكثر للأنشطة الاجتماعية، مما ساهم في تعزيز مستويات السعادة العامة.
وفي هولندا، تساهم أسابيع العمل الأقصر في تعزيز المساواة بين الجنسين، حيث تتبنى العديد من الأسر أدواراً متوازنة في رعاية الأطفال والمهام المنزلية. وتحتل البلاد مراتب متقدمة باستمرار في مؤشرات السعادة العالمية، جزئياً بفضل ثقافة العمل المرنة التي تشجع على التوازن بين العمل والحياة.
كما أشار عون إلى بُعد آخر، قائلاً: «من منظور التوظيف، قد يكون اعتماد أسبوع العمل المكون من 4 أيام جاذباً للباحثين عن عمل، خصوصاً لدى الجيل الجديد الذي يطالب بمزيد من المرونة والتوازن بين العمل والحياة».
بينما تواصل الشركات والحكومات تقييم جدوى أسبوع العمل المكون من 4 أيام، تشير الأدلة إلى أن هذا المفهوم ليس مجرد حلم بعيد المنال. مع التخطيط الدقيق والتركيز على النتائج، يمكن أن يحدث تحول حقيقي في ثقافات العمل على مستوى العالم. ومن خلال إعطاء الأولوية للرفاهية إلى جانب الإنتاجية، يمكن للمؤسسات أن تساهم في إيجاد قوة عمل أكثر سعادة وصحة واهتماماً.
وأعرب، الرئيس التنفيذي لشركة «إيه في إل» (AVL)، عن تفاؤله بشأن اعتماده على نطاق واسع قائلاً: «استناداً إلى تجربتي، أرى أن أسبوع العمل المكون من 4 أيام سيصبح قاعدة في عالم الأعمال».
وفي عالم سريع الوتيرة ومتصل دائماً، قد تكمن أكبر ابتكارات المستقبل في العمل بذكاء بدلاً من العمل أكثر. ويعكس أسبوع العمل المكون من 4 أيام رؤية لمستقبل يمكن فيه تحقيق المزيد عبر تقليل الوقت والجهد، وهو ما يشكل جاذبية لكل من العمال والشركات على حد سواء.