في خطوة تعكس توجه الحكومة المصرية نحو تعزيز دور القطاع الخاص وضخ دماء جديدة في شرايين الاقتصاد، يتواصل تنفيذ برنامج الطروحات والتخارجات الحكومية، الذي يستهدف تحرير الأصول المملوكة للدولة وتوسيع مشاركة القطاع الخاص.
أحدث هذه الخطوات تجلت في استحواذ تحالف استثماري يضم شركة (SPE) للاستثمار المباشر، والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية (EBRD)، ومؤسسة (BII) البريطانية، وشركة تنمية كابيتال فينشرز (TCV) على شركة «تمويلي» الحكومية لتمويل المشروعات متناهية الصغر، بقيمة 2.8 مليار جنيه (58 مليون دولار).
وتسلط هذه الصفقة التي أُعْلِن عنها، وأوردتها وسائل الإعلام المحلية في 8 سبتمبر الجاري الضوء على إستراتيجية مصرية تهدف لتحفيز الاقتصاد الوطني، وجذب استثمارات نوعية بالتوسع في برنامج التخارجات وتعزيز مشاركة القطاع الخاص.
وتأتي صفقة استحواذ التحالف الاستثماري على شركة «تمويلي» والتي تمت مقابل 58 مليون دولار كمثال حي على الجهود المبذولة لتطبيق هذه الإستراتيجية.
وصرحت وزيرة التخطيط والتعاون الدولي، رانيا المشاط، على هامش توقيع اتفاقية البيع، بأن «تخارج الحكومة من (تمويلي) يعبر عن التزامنا بوثيقة سياسة ملكية الدولة، وتتوافق الاتفاقية مع برنامج الحكومة الجديد خلال السنوات الثلاث المقبلة». ويبرز هذا التصريح، وفق خبراء، مدى الجدية في تنفيذ برنامج التخارجات ودفع عجلة التنمية الاقتصادية عبر شراكات إستراتيجية.
ويرى خبراء اقتصاد، تحدثوا مع «إرم بزنس»، أن التخارجات الحكومية تمثل فرصاً ذهبية مهمة لإعادة تشكيل الاقتصاد المصري، ولكنها تتطلب إدارة محكمة لضمان تحقيق الأهداف المرجوة دون التأثير السلبي على الأصول الإستراتيجية الوطنية.
وتعتمد الحكومة المصرية على برنامج التخارجات من الشركات المملوكة للدولة كجزء من إستراتيجية أوسع تهدف إلى إعادة هيكلة الاقتصاد وزيادة فعالية القطاع الخاص، وفق رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والإستراتيجية الدكتور رشاد عبده.
وفي تصريحات لـ «إرم بزنس»، يرى عبده أن رؤية الحكومة تتمثل في تحرير الأصول من الإدارة المباشرة، مما يتيح للقطاع الخاص فرصة أكبر للمشاركة في الأنشطة الاقتصادية، ويسهم في خلق بيئة أعمال أكثر ديناميكية.
وبحسب عبده، فإن برنامج الطروحات الحكومية يعد الركيزة الأساسية لهذه الإستراتيجية، حيث يشمل بيع حصص من الشركات العامة بهدف تقليل الأعباء المالية على الدولة، كما تهدف إلى جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة؛ مما يسهم في تدفق رؤوس الأموال والتكنولوجيا والخبرات الجديدة إلى السوق المصري.
كذلك تسهم التخارجات الحكومية، وفق المحلل المصري، في تعزيز مستوى الشفافية والمساءلة في إدارة الشركات، إذ إن وجود مستثمرين جدد يفرض المزيد من الرقابة على الأداء، ويجعل هذه الشركات أكثر عرضة لتبني معايير أعلى من الحوكمة، مما يؤدي إلى تحسين الأداء المالي والتشغيلي.
من جانبه، يرى أستاذ الاستثمار والتمويل الدكتور هشام إبراهيم، أن التخارجات الحكومية تنطوي على فوائد اقتصادية متعددة، حيث تعد فرصة جذابة للمستثمرين الأجانب الذين يبحثون عن دخول السوق المصري، كما أنه في ظل الإصلاحات الاقتصادية المستمرة، تعمل هذه الطروحات على خلق مناخ استثماري أكثر استقراراً وجاذبية، مما يعزز الثقة في الاقتصاد المصري، ويشجع تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وبحسب إبراهيم، فإنه مع انتقال بعض الأصول إلى القطاع الخاص، يُتوقع أن ترتفع مستويات الخدمة والكفاءة، نظراً للديناميكية والتنافسية التي يتمتع بها القطاع الخاص مقارنة بالإدارة الحكومية التقليدية. وهذا يعزز من مستوى رضا المستهلكين، ويحسن من كفاءة العمليات التشغيلية.
هذا بالإضافة إلى أن دخول القطاع الخاص يفتح المجال أمام تبني تكنولوجيا جديدة وأساليب إدارة مبتكرة، مما يسهم في تحسين الأداء العام للشركات وتطوير منتجات وخدمات تتماشى مع المتطلبات الحديثة للسوق، وفق أستاذ الاستثمار والتمويل.
كما نوه بأن التوسع في التخارجات يجب أن يتم بخطة مدروسة تضمن حماية الاقتصاد من أي تداعيات سلبية، حيث إن التخارج ليس الهدف بحد ذاته، بل هو وسيلة لتحسين كفاءة الاقتصاد؛ لذا يجب ربطه بأهداف اقتصادية واضحة.
ورغم الفوائد المتعددة للتخارجات الحكومية، يحذر بعض الخبراء من المخاطر المحتملة إذا لم تُنَفَّذ بشكل مدروس؛ لأن التوسع فيها ينطوي على مجموعة من المخاطر والتحديات التي يجب إدارتها بحذر لضمان عدم الإضرار بالمصالح الوطنية.
وإذا كانت التخارجات الحكومية تمثل فرصة ذهبية لتعزيز دور القطاع الخاص، وتحفز الاقتصاد، وتخفف الأعباء المالية عن الدولة، وتوفر الفرصة لتوجيه الموارد نحو مجالات حيوية أخرى مثل التعليم والصحة والبنية التحتية، ترى أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة الدكتورة يمنى الحماقي، أنها قد تنطوي على بعض المخاطر.
وفي تصريحات لـ«إرم بزنس»، تؤكد الحماقي، أن نجاح التخارجات يتطلب رقابة صارمة وضمانات للحفاظ على الأصول الإستراتيجية، وإدارة ذكية وتعاون مستمر بين الحكومة والقطاع الخاص لضمان تحقيق الفوائد المرجوة دون المساس بالمصالح الوطنية.
وتخشى الحماقي من التوسع في التخارجات بشكل متسارع وبدون دراسة وافية؛ لأنه قد يؤدي إلى فقدان الدولة السيطرة على بعض الأصول الإستراتيجية، مما يمكن أن يؤثر في الأمن الاقتصادي، ويفتح المجال أمام الاحتكارات.
هذا فضلاً عن أن التغييرات في إدارة الشركات قد يؤثر في حقوق العمال، ويفرض عليهم تحديات جديدة في ظل بيئة عمل مختلفة. لذا؛ من المهم وضع سياسات تضمن حماية حقوق العاملين عند إتمام عمليات البيع، وفق الحماقي.
وشددت على أن المهم في التخارجات هو توازن الحكومة بين جذب الاستثمارات وحماية المصالح الوطنية، إذ يمكن أن يكون التخارج من الأصول غير الإستراتيجية مفيداً، لكن يجب الحذر عند التعامل مع الأصول الحيوية لضمان عدم المساس بالسيادة الاقتصادية.