logo
اقتصاد

انتخابات فرنسا تنذر بأزمة جديدة في منطقة اليورو

انتخابات فرنسا تنذر بأزمة جديدة في منطقة اليورو
سيلفي ريتايو وزيرة التعليم العالي في فرنسا، تدعم مرشح الأغلبية الرئاسية فلوريان ديلريو في تولوز.المصدر: (أ ف ب)
تاريخ النشر:25 يونيو 2024, 02:37 م

دعا الرئيس إيمانويل ماكرون إلى إجراء انتخابات مبكرة، يوم الأحد، بعد خسارة حزبه أمام اليمين المتطرف في تصويت للمشرعين في الاتحاد الأوروبي، وهي خطوة صادمة هزت أسواق الأسهم الفرنسية والسندات الحكومية، وتهدّد بإغراق الاتحاد الأوروبي بالكامل في أزمة قد تكون "مميتة".

في الوقت الحاضر، يتركز الاهتمام العالمي على ما يجري سياسياً في فرنسا، ومن المقرر أن تجرى الجولة الأولى من التصويت في الثلاثين من يونيو. ويتقدم حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف حالياً في استطلاعات الرأي، بينما يحتل ائتلاف اليسار، المركز الثاني.

وفي أفضل الأحوال فإن البرلمان الذي يهيمن عليه "المتطرفون" السياسيون من شأنه أن يغرق فرنسا في فترة طويلة من عدم الاستقرار. وفي أسوأ الأحوال، قد يؤدي ذلك إلى تبني سياسات تبذير وسياسات "قومية" من شأنها أن تثير بسرعة أزمة اقتصادية واجتماعية في فرنسا، وفق تقرير لصحيفة "فاينانشال تايمز".

فرنسا في حالة فوضى مالية

يبلغ الدين العام 110% من الناتج المحلي الإجمالي في ثاني أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، وواجهت الحكومة الحالية عجزاً في الميزانية بنسبة 5.5% العام الماضي. وكل من اليمين المتطرف واليسار المتطرف ملتزمان بزيادات كبيرة في الإنفاق وتخفيضات ضريبية من شأنها أن تؤدي إلى تضخم الدين والعجز، في حين تنتهك قواعد الاتحاد الأوروبي.

وقالت وكالة "موديز" في مذكرة، يوم الإثنين، إن الانتخابات المبكرة تزيد من المخاطر التي تهدد ضبط الأوضاع المالية في فرنسا، وهو ما يعد "أمرا سلبياً ائتمانياً".

وحذّر برونو لومير، وزير المالية الفرنسي، من أن انتصار أي من الطرفين قد يؤدي إلى أزمة ديون في فرنسا، وإشراف صندوق النقد الدولي أو المفوضية الأوروبية على الشؤون المالية للبلاد.

وأشار لومير إلى رد الفعل على الميزانية "المصغرة" التي قدمتها حكومة ليز تروس في بريطانيا، للتأكيد على مدى السرعة التي يمكن أن تنقلب بها الأسواق ضد حكومة متهورة مالياً.

في الواقع، قد تكون الأزمة المالية الفرنسية أسوأ من أزمة بريطانيا مع ليز تروس، ففي المملكة المتحدة، كانت هناك آلية لإقالة تروس بسرعة واستعادة الحكومة زمام المبادرة. لكن هذه المهمة ستكون أكثر صعوبة في فرنسا.

ويرى تقرير الصحيفة أن التعقيد الرئيسي الثاني هو أن فرنسا هي واحدة من الدول العشرين التي تستخدم العملة الأوروبية الموحدة.

كما أن كلاً من اليمين المتطرف واليسار المتطرف الفرنسيين متشككان بشدة تجاه أوروبا، ويعترضان على الإملاءات الصادرة عن بروكسل، ويعبران عن العداء لألمانيا. ويتحدث البرنامج الانتخابي لحزب الجبهة الوطنية عن "اختلاف عميق وغير قابل للتوفيق" بين وجهات النظر العالمية لفرنسا وألمانيا.

وهدّد جوردان بارديلا، الذي من المرجح أن يكون مرشح حزب "الجبهة الوطنية" لمنصب رئيس الوزراء، مؤخراً بخفض مساهمة فرنسا في ميزانية الاتحاد الأوروبي بمقدار 2 إلى 3 مليار يورو سنوياً.

خلال أزمة الديون اليونانية، التي استمرت لجزء كبير من عقد من الزمن، تم تجاوز تحدي الاتحاد الأوروبي من جانب أثينا في نهاية المطاف من خلال التهديد بطرد اليونان من منظومة اليورو - وهي الخطوة التي كان من شأنها أن تدمر قيمة المدخرات اليونانية.

ولكن طرد فرنسا من منطقة اليورو ــ أو الاتحاد الأوروبي ذاته ــ أمر لا يمكن تصوره على حد وصف "فايننشال تايمز"، إذ تم تأسيس المشروع الأوروبي بأكمله بناء على الترابط الفرنسي الألماني منذ الخمسينيات.

ومن المرجح أن تبقى فرنسا في الاتحاد الأوروبي والعملة الموحدة، لكن هذا من شأنه أن يدمر التماسك والاستقرار الأوروبيين وفق مراقبين أوروبيين، في وقت يكافح فيه الاتحاد الأوروبي من أجل توحيد صفوفه في مواجهة التهديد الروسي.

لكن أظهر قادة اليمين المتطرف بعض الوعي في السنوات الأخيرة بأن التشدد في أوروبا يمكن أن يخيف الناخبين والأسواق وينفرهم. وبعد خسارة الانتخابات الرئاسية عام 2017، تخلى حزب التجمع الوطني بهدوء عن حديثه عن ترك اليورو.

وقد تؤدي الأزمة الاقتصادية - المقترنة بالمواجهة مع بروكسل وبرلين - إلى دفع حزب الجبهة الوطنية إلى التراجع عن غرائزه القومية والمواجهة. وبدلاً من ذلك، قد تجبره متطلبات الحكم على التكيف مع الاتحاد الأوروبي.

أزمة بريطانيا

شهد الجنيه البريطاني والسندات الحكومية البريطانية أدنى مستوى في سبتمبر 2022 بعد أن كشفت رئيسة الوزراء السابقة ليز تروس عن خططٍ لزيادة الاقتراض لدفع تكاليف التخفيضات الضريبية. وارتفعت أسعار الرهن العقاري مع مطالبة المستثمرين بأقساط أعلى بكثير لامتلاك ديون المملكة المتحدة. 

استقالت تروس بعد 45 يوماً فقط، لتصبح صاحبة أقصر مدة في رئاسة الوزراء في تاريخ بريطانيا.

إن خطر حدوث شيء مماثل في فرنسا حقيقي، وفقاً لوزير المالية الفرنسي برونو لومير.

وعندما سُئل، يوم الجمعة، على محطة إذاعة "فرانس إنفو" الفرنسية عما إذا كانت الاضطرابات السياسية الناجمة عن قرار ماكرون الدعوة إلى انتخابات مبكرة يمكن أن تؤدي إلى أزمة مالية، أجاب لومير بـ "نعم".

وتراقب وكالات التصنيف الائتماني بالفعل فرنسا عن كثب، وهي واحدة من الدول الثلاث الأكثر مديونية في الاتحاد الأوروبي. وفي مايو، خفّضت وكالة "ستاندرد آند بورز" التصنيف الائتماني الطويل الأجل للبلاد إلى AA-، مشيرة إلى "تدهور ميزانيتها"، رغم أنها لا تزال تعتقد أن فرنسا لديها القدرة الكافية على سداد ديونها.

وقالت الوكالة إنها تتوقع أن يتقلّص عجز الميزانية إلى 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2027، وهو أعلى بكثير من 2.9% التي تستهدفها الحكومة الحالية.

فالأسواق مضطربة بالفعل بسبب احتمال حدوث اضطرابات سياسية. وبلغ العائد، أو سعر الفائدة الذي يسعى المستثمرون إلى تحقيقه، على السندات الحكومية الفرنسية القياسية لأجل عشر سنوات 3.17% بعد ظهر يوم الجمعة في أوروبا.

أسواق الأسهم لم تنج، وانخفض مؤشر "كاك 40" القياسي الفرنسي الذي يضم 40 من الأسهم الرائدة أكثر بكثير من المؤشرات المماثلة الألمانية وعموم أوروبا، وانخفض اليورو هذا الأسبوع أيضاً.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC