تعمل هذه الخلطة الهجينة - المعروفة باسم الخرسانة "الخضراء" - على تقليل البصمة الكربونية لواحد من أكثر القطاعات الصناعية تلويثاً في العالم، وتظهر كبديل لخيارات تخزين الكربون، مثل الآبار وخطوط الأنابيب تحت الأرض، التي تتطلب موافقة الجهات التنظيمية والدعم المحلي.
ولا تستطيع الخرسانة الخضراء احتجاز مليارات الأطنان من الكربون اللازمة لتحقيق الأهداف المناخية العالمية، ولكنها تقدم حلاً فورياً وجزئياً، لمشكلة الانبعاثات الخرسانية لحين تظهر خيارات أخرى، وبفضل الحوافز الحكومية والاستثمارات من قبل شركات مثل أمازون ومايكروسوفت، فإن الأمر يبدو أنه ينجح.
وقدم قانون خفض التضخم لعام 2022، مليارات الدولارات في شكل إعفاءات ضريبية، للشركات التي تحتجز الكربون، في المصانع أو من الغلاف الجوي، ثم تقوم بعزله تحت الأرض أو في منتجات مثل الخرسانة.
واستخدمت أمازون الخرسانة الخضراء لمقرها الرئيسي في أرلينغتون، واستثمرت مباشرة في شركة "كاربون كيور تكنولوجيز"، وهي شركة ناشئة تدير عمليات حقن الكربون المحتجز في الخرسانة أثناء التصنيع.
كما استثمرت مايكروسوفت أيضاً في شركة "كاربون كيور"، وهي من بين العديد من الشركات والباحثين الأكاديميين، الذين يقومون بتجربة طرق جديدة لإنتاج هذه الخرسانة.
وقال سكوت شيل، المهندس المعماري ومدير الصناعة في مؤسسة كلايمت ووركس، وهي منظمة خيرية بيئية: "يبدو الأمر وكأننا على أعتاب ثورة صناعية ثانية".
وتنتج شركات تصنيع الخرسانة ما يقرب من 30 مليار طن سنوياً، لتشييد المباني والطرق والجسور في العالم، الأمر الذي يؤدي إلى انبعاث عدة مليارات من الأطنان من ثاني أكسيد الكربون في هذه العملية، أو ما يقرب من 7% من الإجمالي العالمي. وتأتي معظم الانبعاثات من تسخين الحجر الجيري والطين، إلى درجة حرارة تصل إلى 2700 درجة فهرنهايت لصنع الأسمنت، وهي المادة التي تربط المكونات الأخرى معاً.
ولصنع الخرسانة الخضراء، يتم رش ثاني أكسيد الكربون السائل داخل براميل الخلط في شاحنات الخرسانة. وهناك، يتفاعل مع أيونات الكالسيوم الموجودة في الأسمنت، لتكوين كربونات الكالسيوم الصلبة، وهو العنصر الموجود في مواد البناء. وتعمل كربونات الكالسيوم الشبيهة بالصخر على تقليل كمية الأسمنت المطلوبة، مما يقلل من انبعاثات الخرسانة بنحو 5%، ويمنع الكربون الذي كان من الممكن أن ينبعث إلى الغلاف الجوي لولا ذلك.
وفي هذا الصدد يقول تيك تشوا، مدير الخدمات الفنية لشركة فولكان ماتيريالز، وهي شركة مواد البناء، التي تدير مصنع أرلينغتون البالغ من العمر 83 عاماً، لإنتاج الخرسانة الخضراء: "في أي وقت يمكننا فيه تقليل كمية الأسمنت، يمكننا تقليل كمية ثاني أكسيد الكربون".
إلى ذلك تستخدم شركة فولكان حقن الكربون، في أكثر من 20 من مرافقها الخرسانية البالغ عددها 140 منشأة في الولايات المتحدة، وأنتجت أكثر من مليون ياردة مكعبة من الخرسانة الخضراء العام الماضي، أو ما يقرب من 10% من إجمالي شحناتها الخرسانية. وتمتلك الشركة عدة مئات من المصانع التي تنتج الحجر المسحوق والرمل والحصى، وحققت مبيعات إجمالية تزيد على 7 مليارات دولار في العام الماضي.
ويتم شراء ثاني أكسيد الكربون المستخدم في خرسانة فولكان، من مصنع الأمونيا على بعد حوالي ساعتين.
وفي مصنع الخرسانة، يتدفق ثاني أكسيد الكربون السائل، عبر خرطوم عبر برج يبلغ ارتفاعه 50 قدماً، حيث يتم تفريغ المواد الخرسانية في شاحنات الخلط، وعندما يتم إدخال ثاني أكسيد الكربون في المزيج، فالأمر يشبه الضباب الذي يأتي من الثلج الجاف.
وتتناوب عشرين شاحنة في القيادة عبر المصنع، ثم إلى مواقع البناء القريبة، وهي سيمفونية من الحركة النشيطة، تبدأ بمكونات مصدرها جميع أنحاء منطقة وسط المحيط الأطلسي.
ولا يستغرق صب الخرسانة عادة أكثر من 90 دقيقة من خلطها حتى تتماسك بشكل صحيح، ومصانعها تنتشر في جميع أنحاء العالم، وبالتالي توفر شبكة يمكنها تخفيف اختناقات تخزين الكربون، دون الحاجة إلى خطوط أنابيب.
وقال روب نيفن، الرئيس التنفيذي لشركة كاربون كيور، الشركة الناشئة المدعومة من أمازون ومايكروسوفت، والتي تدير حقن الكربون لشركة فولكان: "الشيء الجميل في الخرسانة هو أن هناك منتجين في كل مكان".
ويعتبر حقن الكربون المتواضع هو مجرد بداية لعملية طويلة لتقليل التأثير البيئي للخرسانة.
وتقدم كاربون كيور حلولاً أخرى، إضافة لثاني أكسيد الكربون في نقاط أخرى من عملية الإنتاج لتعزيز تخفيضات الانبعاثات.
وتقوم شركة مايكروسوفت باختبار الخرسانة المصنوعة من الحجر الجيري المشتق من الطحالب الدقيقة، في أحد مراكز البيانات التابعة لها في كوينسي بولاية واشنطن.
وتعمل شركات أخرى على خلطات خرسانية جديدة باستخدام كل شيء بدءاً من الرماد المتطاير الناتج عن مصانع الفحم، أو الخبث الناتج عن مصانع الصلب، لزيادة تقليل الأسمنت وانبعاثاته، في حين وجد فريق بحث في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، أنه يمكن خفض البصمة الكربونية للخرسانة بنسبة 15% بحلول عام 2020، "ما علينا سوى إضافة صودا الخبز إلى الأسمنت قبل خلطه." على حد وصفه.
وقال شل من مؤسسة كلايمت ووركس: "هناك الكثير الذي يمكننا القيام به لتغيير هذه الوصفة".
لكن التخفيضات الأكبر سوف تأتي عندما تتحول مصانع الأسمنت إلى الطاقة المتجددة، في حين تقوم باحتجاز وتخزين الانبعاثات الكربونية الصناعية، قبل أن تتسرب إلى الغلاف الجوي.
وفي أبريل، وقعت شركة الأسمنت "هايدلبرغ ماتيريالز"، اتفاقية مع الحكومة الكندية لبناء وحدة بقيمة مليار دولار لالتقاط مليون طن متري من الكربون سنوياً، في مصنع الشركة الألمانية في إدمونتون.
وهذا كمية كبيرة من الكربون بحيث لا يمكن تخزينها بسهولة في الخرسانة، وسوف يقوم المصنع الكندي المقترح بتخزين انبعاثاته تحت الأرض، وستقوم منشأة منفصلة قيد الإنشاء في النرويج بنقل 400 ألف طن متري من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، أي نحو نصف الانبعاثات السنوية للمنشأة ــ إلى موقع تخزين دائم تحت الأرض تحت بحر الشمال.
وهناك حاجة إلى مثل هذه الحلول واسعة النطاق، لتقليص بصمة الصناعة بشكل كبير.
وقال ستيفن ج. ديفيس، أستاذ علوم الأرض بجامعة كاليفورنيا في إيرفين، عن حقن الكربون بكميات صغيرة في الخرسانة: "أعتقد أنه أمر رائع". "لكنه لن يحل مشكلة كل تلك الانبعاثات بشكل كامل الآن."