مع تراجع أسعار النفط عالمياً لأول مرة منذ نحو 4 أعوام إلى أقل من 63 دولاراً جراء الرسوم الجمركية الأميركية، تدخل موازنة العراق، التي تعتمد إيراداتها بأكثر من 90% على عائدات الذهب الأسود، في صدمة جديدة مع اعتماد ميزانيتها سعر البرميل 70 دولاراً.
وقال مستشار رئيس الوزراء العراقي مظهر محمد صالح لـ«إرم بزنس» إن بغداد تتعامل عبر «اتجاهين في مواجهة التحديات الناجمة عن استمرار هبوط دورة الأصول النفطية فيما لو تجاوزت احتمالاتها ثلاثة أشهر، أو تعدت حتى أشهرها الستة (..) وذلك عبر إجراءات أبرزها التشدد في الانضباط المالي وإجراء مراجعة هادئة للنفقات الجارية غير الضرورية من دون المساس بالرواتب والمعاشات بالإضافة لتعزيز التعاون مع القطاع الخاص».
فيما اعتبر خبير اقتصادي عراقي في حديث لـ«إرم بزنس»، أن اقتصاد بلاده قد يتعرض لهزة جراء تراجع أسعار النفط، معولاً على إسهام التحركات الحكومية بوضع «خطة إنقاذ عاجلة» لتفادي الأزمة، لا سيما عبر أولويات بينها التقشف الحكومي وتقليل النفقات ومواجهة أي فساد يعرقل خطط البناء والتعمير وتنويع الإيرادات.
كان انخفاض أسعار النفط عالمياً على جدول أعمال رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، حيث ترأس اجتماعاً يوم السبت الماضي، لمناقشة آثار قرار واشنطن وانعكاساته على الاقتصاد العالمي وأسعار النفط الخام، ومدى تأثر الاقتصاد العراقي في هذا الشأن»، موجهاً بمحادثات مع الجانب الأميركي ورفع تقارير أسبوعية بشأن التطورات، وفق بيان للحكومة.
وينتج العراق حالياً نحو 4 ملايين برميل من النفط يومياً، ما يزيد على 1.4 مليار برميل سنوياً، وتشكل العائدات السنوية العمود الفقري للموازنة العامة، وتموّل أكثر من 90% من الإنفاق الحكومي، وحققت الإيرادات النفطية 90 مليار دولار في 2024.
ويعتمد العراق بشكل كبير على الاقتراض الداخلي لتمويل العجز المتزايد في الميزانية، ما أدى إلى وصول الدين المحلي إلى نحو 83 تريليون دينار «64 مليار دولار»، وهو أعلى مستوى في تاريخ البلاد.
وارتفع عجز ميزانية العراق عام 2023، بنسبة 43% إلى 90 تريليون دينار، مقارنة بتوقعات عجز بلغت 63 تريليون دينار، كما ارتفع الإنفاق العام إلى 225 تريليون دينار، متجاوزاً بشكل كبير التوقعات المسبقة.
وتناهز كتلة الرواتب ومعاشات التقاعد 90 تريليون دينار، ما يفوق 40% من الموازنة، وتمس حياة 30 مليون مواطن عراقي، بحسب تقديرات رسمية.
وعقب رسوم ترامب التي أعلنت قبل أيام ضد 180 دولة بينها الصين والعراق، انخفضت أسعار النفط، لتتراجع العقود الآجلة للخام الأميركي أمس الخميس إلى 61.30 دولار للبرميل مع تصاعد الحرب التجارية بين أميركا والصين.
وتتخذ أسعار النفط اتجاهاً هبوطياً منذ منتصف عام 2022، مع تراجع خام برنت، من أكثر من 120 دولاراً للبرميل إلى أقل من 75 دولاراً خلال العام الماضي، فيما توقع بنك «غولدمان ساكس» أن يبلغ سعر خام برنت 62 دولاراً للبرميل، وخام غرب تكساس الوسيط الأميركي 58 دولاراً للبرميل بحلول ديسمبر 2025، قبل أن ينخفض إلى 55 دولاراً و51 دولاراً على الترتيب عام 2026.
وبحسب مستشار رئيس الوزراء العراقي، مظهر محمد صالح، فإن هناك اتجاهين في مواجهة التحديات الناجمة عن استمرار هبوط دورة الأصول النفطية فيما لو تجاوزت احتمالاتها ثلاثة أشهر، أو تعدت حتى أشهرها الستة.
ووفق المسؤول العراقي، فإن الاحتمال الأول يتضمن التشدد في الانضباط المالي وإجراء مراجعة هادئة للنفقات الجارية غير الضرورية مع الحرص على أمرين وهما توفير الرواتب والأجور والمعاشات التقاعدية والرعاية الاجتماعية كأولوية أولى.
أما التعامل مع الاحتمال الثاني، فيستوجب التمسك ببرنامج الدعم، لا سيما دعم مشتريات المحاصيل الزراعية من المزارعين من محصولي القمح والأرز لتوفير الأمن الغذائي الذي يؤازر السلة الغذائية التي توزع بأسعار رمزية للقوى الاجتماعية المستحقة للحفاظ على الدخل الحقيقي للطبقات الفقيرة والمحدودة الدخل.
ولفت مستشار رئيس الوزراء العراقي إلى أن السياسة النقدية للبلاد من جانبها ستكون الساند الفاعل للسياسة المالية في توفير سبل الاستقرار والإنماء المنشود وبشكل مكثف إلى حين عودة دورة الأصول النفطية إلى طبيعتها بعد أن تحقق أسواق الطاقة توازناتها المطلوبة.
من جانبه، رأى نائب رئيس منتدى بغداد الاقتصادي، ونائب رئيس اتحاد رجال الأعمال العراقيين باسم أنطوان، في حديث لـ«إرم بزنس»، أن اقتصاد العراق ريعي، ويعتمد بشكل رئيس على النفط والغاز في تمويل الموازنة.
وأضاف: «كلنا نأمل مبكراً في تنويع مصادر الدخل، لكن مع الأسف شهدنا أزمة انخفاض أسعار النفط».
وكشف أنه حضر جلسة مع القطاع الصناعي الخاص لبحث كيفية النهوض من تلك الأزمة، منبهاً إلى أن الاقتصاد العراقي سيتأثر قليلاً من الرسوم خاصة والتعامل مع الولايات المتحدة في الجمارك والاستيراد محدود، لكن مع ذلك سيتأثر من أسعار النفط.
وشدد على أهمية وضع استراتيجية للخروج من هذه الأزمة، وبالتأكيد نريد خطة إنقاذ خاصة والعراق يدفع رواتب ضخمة والتوجهات البديلة بإيجاد بدائل لا يمكن أن تحقق قفزات اقتصادية سريعة وكبيرة في ظل بطء النمو ووجود عجز في الموازنة سيزيده انخفاض أسعار النفط.
وبخلاف العمل على تنوع اقتصاد العراق، يرى أنطوان، أهمية التقشف الحكومي وتقليل النفقات والحد من أي فساد مالي أو إداري.