مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية لعام 2025، وترقبها لتصبح عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي عام 2026، يدفع العراق بخطط طموحة تستهدف جذب مليون سائح للمواقع الأثرية خلال خمس سنوات، في مسعى لتنويع الاقتصاد الذي يعتمد بنسبة 88% على النفط.
وبحسب خبراء تحدثوا لـ«إرم بزنس»، بينهم مستشار حكومي عراقي، فإن تحقيق هذه الأهداف ممكن بفضل الدعم الحكومي المتزايد، بشرط تحسين التسويق، ضمان الاستقرار، والاستفادة من تجارب دول عربية في تطوير السياحة؛ ما قد يسهم في تحريك الاقتصاد غير النفطي.
يضم العراق مواقع تاريخية مصنفة ضمن التراث العالمي، مثل آثار بابل القديمة وقلعة أربيل، إضافة إلى الأهوار وجبال كردستان والمراكز الدينية في النجف وكربلاء التي تستقطب ملايين الزوار سنوياً، معظمهم من الإيرانيين.
بعد عقود من الحروب وعدم الاستقرار، بدأت السياحة في العراق تشهد تحسناً منذ 2021 مع تقديم تأشيرات عند الوصول لمواطني 30 دولة. بيانات هيئة السياحة العراقية تشير إلى دخول أكثر من 107 آلاف سائح في 2021، مقارنة بنحو 30 ألفاً في 2020، فيما جذبت زيارة البابا فرانسيس لمدينة أور في 2021 أنظار العالم إلى السياحة العراقية.
في 2023، أسهمت استضافة بطولة الخليج لكرة القدم في البصرة في زيادة الاهتمام بالعراق كوجهة سياحية، حيث كشف المستشار الأمني لرئيس الوزراء، الفريق عبد الكريم السوداني، أن العراق استقبل أكثر من 2.5 مليون زائر أجنبي خلال ستة أشهر بين نوفمبر 2022 ومايو 2023.
وفي 2024، أعلن وزير الثقافة والسياحة والآثار، أحمد البدراني، أن عدد السياح الأجانب تجاوز 400 ألف، مؤكداً أن العراق بات جاذباً للسياحة بعد أن كان طارداً لها، داعياً إلى رفع تحذيرات السفر الدولية.
في الـ2 من فبراير 2025، شهدت بغداد إعلانها رسمياً عاصمة للسياحة العربية، حيث قال رئيس الوزراء محمد شياع السوداني خلال الاحتفال: «العراق يستقبل 10 ملايين سائح سنوياً عبر السياحة الدينية، التي تسهم بنحو 3% من الناتج المحلي الإجمالي، ونسعى لرفعها إلى 10%»، كاشفاً عن أكثر من 12 ألف موقع أثري وتاريخي.
استعرض السوداني في يناير 2025، خلال اجتماع حكومي، 21 مشروعاً سياحياً تشمل فنادق ومنتجعات ومدناً ترفيهية في بغداد والمحافظات. كما أعلنت وزارة النقل خطة شاملة لدعم السياحة، تضم 26 مشروعاً، بينها تأهيل مطار بغداد الدولي. وفي الـ10 من مارس 2025، كشف رئيس هيئة السياحة، ناصر غانم، عن إعداد دراسة لاستهداف مليون سائح للمواقع الأثرية خلال الأعوام الخمسة المقبلة.
مستشار رئيس الوزراء العراقي، مظهر محمد صالح، قال لـ«إرم بزنس» إن «السياحة تعد المورد الأساس بعد النفط والزراعة، نظراً لما يمتلكه العراق من إرث تاريخي وثقافي يعود إلى أكثر من 5000 عام»، معتبراً أن العراق قادر على جذب الأعداد المستهدفة من السياح مع استمرار الدعم الحكومي.
وأضاف: «إذا جمعنا السياحتين الأثرية والدينية، يصبح العراق من أهم المراكز السياحية عالمياً، لكن هيمنة الإيرادات النفطية على الاقتصاد وتاريخ الحروب الطويل أسهما في إهمال هذا القطاع. الآن، مع الفكر التنموي الجديد للحكومة، وتحول بغداد إلى عاصمة سياحية، يمكن للقطاع السياحي أن يصبح محركاً رئيساً للاقتصاد غير النفطي».
وأشار صالح إلى أن «هناك توسعاً في الاستثمارات الفندقية، مع تعاون شركات سياحية ونقل دولية، فضلاً عن زيادة الاهتمام بمواقع مثل أهوار العراق، بلاد سومر، ومكان النبي إبراهيم الذي زاره بابا الفاتيكان، وصولاً إلى نينوى التي تعد مركز الحضارة الآشورية».
وفيما يتعلق بمخاوف الاستقرار الأمني، أكد صالح أن «العراق يعيش في مستويات عالية من الاستقرار، وما يثار عن الأوضاع الأمنية مجرد شائعات ناتجة عن الظروف السياسية في الشرق الأوسط، ولا تعكس الواقع الفعلي في البلاد».
بدوره، قال رئيس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، غازي فيصل، لـ«إرم بزنس»، إن «السياحة مورد رئيس في العديد من الدول، حيث تحقق فرنسا وتركيا مليارات الدولارات سنوياً عبر هذا القطاع، بفضل تطوير المطارات، وسائل النقل، وفرص الترفيه».
وأضاف أن العراق يمتلك مقومات سياحية هائلة، لكنه يحتاج إلى دعاية واسعة، والاستفادة من تجارب دول مثل مصر، ولبنان، والأردن، والمغرب، وتونس، بالإضافة إلى الاعتماد على خبرات ودراسات متخصصة.
وأشار فيصل إلى أن العامل الحاسم في نجاح السياحة العراقية هو ضمان الأمن والاستقرار، قائلاً: «دون بيئة آمنة، لن يحقق العراق أياً من الأهداف السياحية المرجوة، فالثقة هي العامل الأساس في جذب السياح الأجانب».
مع الطموحات المتزايدة والمشاريع الكبرى، يبقى التحدي الأهم هو تحويل هذه الخطط إلى واقع ملموس، حيث يتطلب النجاح تحقيق الاستقرار، تسويقاً احترافياً، وتحسين الخدمات السياحية.
فهل يتمكن العراق من أن يصبح وجهة سياحية عالمية، ويكسر اعتماده على النفط؟ الأيام القادمة ستكشف ذلك.