وفي الوقت الذي ترتفع فيه المخاوف من نقص اليورانيوم وانعكاسه على مستقبل هذه التكنولوجيا، تُشكّل التحديات الجيوسياسية والقيود على سلاسل الإمدادات، عقبات جمة أمام استقرارها.
وتتضافر العديد من العوامل لتعيق استقرار الطاقة النووية. ففي خضم التوترات الجيوسياسية، أدّى الانقلاب الذي وقع في النيجر العام الماضي، إلى عرقلة إرسال شحنات اليورانيوم للمفاعلات الأوروبية، مُسببًا اضطرابًا كبيرًا في سلاسل الإمداد.
وعززن شركة التعدين الرئيسة "كاميكو كورب" الكندية منسوب القلق، بعدما خفضت أهداف إنتاجها من اليورانيوم، مُضيفةً عبئًا جديدًا على نقص المعروض.
وما تزال مفاعيل كارثة فوكوشيما النووية تلقي بظلالها على هذه الصناعة، إذ أدّت إلى إيقاف عمل العديد من المناجم، مُقلصةً من كميات اليورانيوم المتاحة.
وحذر كبير مفتشي وكالة الطاقة الذرية، الدكتور يسري أبو شادي، من انخفاضٍ ملحوظٍ في عدد المفاعلات النووية العاملة في العالم، مصحوبًا بنقصٍ في اليورانيوم، مما يهدد استقرار الطاقة العالمية.
وقال في تصريحات لـ"إرم اقتصادية"، إن عدد المفاعلات النووية العاملة، انخفض من 450 مفاعلًا في عام 2022 إلى 411 مفاعلًا فقط خلال الربع الأخير من عام 2023.
وتُعدّ كازاخستان أكبر دولة مُنتجة لليورانيوم في العالم، إذ تُغطّي أكثر من 40% من الإنتاج العالمي، ويُعاني هذا البلد حاليًّا نقصًا في المادة الأساسية التي تُستخدم في إنتاج اليورانيوم، والتي تُعرف باسم "الكعكة الصفراء"، وفق أبو شادي.
وتوفر كازاخستان 20% من احتياجات أوروبا من المادة الخام لدعم تشغيل المفاعلات النووية، تليها روسيا وكندا، إضافة إلى النيجر وناميبيا، التي تنتج نحو 25% من الإنتاج العالمي لليورانيوم.
وخلال الأيام الماضية، حذّرت "كازاتومبروم" الكازاخستانية، أكبر شركة لتعدين اليورانيوم في العالم، من احتمال فشلها في الوصول إلى أهدافها الإنتاجية العامين المقبلين، بسبب نقص حمض الكبريتيك، ما يخلق تحديات عدة أمام الإنتاج، قد تستمر حتى عام 2025.
وأشار إلى أن "الإنتاج العالمي خلال العام الماضي، انخفض 10%، وأصبح إجمالي الإنتاج العالمي يُقدر بـ50 ألف طن يورانيوم، مما تسبب في توقف العديد من المفاعلات النووية بسبب التوترات الجيوسياسية".
وأوضح أن "بعض الدول بدأت الهجوم على الطاقة النووية، واعتبرتها مصدر خطر على البيئة، وعلى إثرها أوقفت هذه الدول -أبرزها ألمانيا- 7 مفاعلات نووية خلال عام 2022".
عدد المفاعلات النووية العاملة انخفض من 450 عام 2022 إلى 411 في الربع الأخير من 2023د.يسري أبوشادي كبير مفتشي وكالة الطاقة الذرية
وحذر خبير النفط والطاقة النووية، الدكتور ممدوح سلامة، من كارثةٍ نوويةٍ قد تُصيبُ الاتحاد الأوروبي، حال استمر نقص المواد الخام المستخدمة في تعدين اليورانيوم.
وأوضح، في تصريحات لـ"إرم اقتصادية"، أن "18 دولة من الاتحاد الأوروبي تعتمد بشكلٍ كبيرٍ على اليورانيوم المخصب، أكثر بكثير من اعتمادها على الغاز الطبيعي".
وتشتري هذه الدول أكثر من 40% من اليورانيوم المخصب من كازاخستان وروسيا، الدولتين اللتين تُواجهان حاليًّا تحدياتٍ عدة في توفير هذه المادة.
وكشف سلامة عن صراعٍ محتدمٍ بين الولايات المتحدة والصين للاستحواذ على إمدادات اليورانيوم العالمي، لتأمين احتياجاتهما من الوقود النووي.
وتأتي هذه المنافسة وسط مخاوف من قطع إمداد شركات الطاقة الأمريكية باليورانيوم الروسي المخصب، مما قد يُؤدّي إلى توقف العديد من مفاعلات الولايات المتحدة، وارتفاع تكلفة الكهرباء بشكلٍ كبير.
18 دولة من الاتحاد الأوروبي تعتمد بشكلٍ كبيرٍ على اليورانيوم المخصب أكثر بكثير من اعتمادها على الغاز الطبيعيد.ممدوح سلامة خبير النفط والطاقة النووية
وقال الخبير في الشأن الروسي، الدكتور أشرف الصباغ، إن "موسكو نجحت في إدخال تقنيات جديدة لتحسين عملية تخصيب اليورانيوم وزيادة إنتاجه، وذلك في ظل اعتماد العديد من الدول الأوروبية على اليورانيوم الروسي".
وتُعدّ روسيا من الدول المُنتجة الرئيسة لليورانيوم، إذ تمتلك نحو 18 مفاعلًا نوويًّا في دول الاتحاد الأوروبي، ما يجعلها مُوردًا رئيسًا لليورانيوم لهذه الدول.
وتُثير هذه التطورات مخاوف متزايدة في دول الاتحاد الأوروبي من توقف روسيا عن توريد اليورانيوم لها، ما قد يُؤدّي إلى أزمة طاقة كبرى في أوروبا، وارتفاع تكلفة الكهرباء، وتوقف العديد من المفاعلات النووية، وفق تقدير أشرف الصباغ.
وتابع الخبير الروسي، في تصريحات لـ"إرم الاقتصادية"، أن "الفترة الحالية سوف تشهد إنشاء نحو 60 مفاعلًا نوويًّا جديدًا، أغلبها في شرق آسيا وتحديدًا الصين"، مشيرًا إلى أن "بكين تسعى حاليًّا للاستحواذ على إمدادات اليورانيوم العالمية، من خلال شراء المناجم وتوقيع عقود طويلة الأجل مع شركات تعدين اليورانيوم".
ويُثير هذا التحرك مخاوف الدول الأوروبية والولايات المتحدة، في ظلّ التوترات الجيوسياسية المتزايدة بين الصين وأمريكا، وفق تقدير الصباغ الذي شدد على أهمية الطاقة النووية للعالم خلال العقد القادم، مُؤكّدًا ضرورة العمل على توفير المواد الخام لتعدين اليورانيوم لتلبية احتياجات العالم المستقبلية.
وأوضح الصباغ أن "العالم سيحتاج إلى الطاقة النووية أكثر من أي وقتٍ مضى خلال الـ10 سنوات المقبلة، لأسباب عدة منها ازدياد الطلب على الطاقة، والحاجة إلى تقليل الانبعاثات الكربونية"، مؤكدًا أن "الدول المنتجة لليورانيوم تمتلك إمكانياتٍ ضخمةً تُمكّنها من تأمين احتياجات العالم من اليورانيوم لسنوات طويلة مستقبلًا".