تواجه الولايات المتحدة تحديات كبيرة في منافستها مع الصين للسيطرة على المعادن الحيوية، مثل الجرافيت والليثيوم والكوبالت، والتي تعتبر أساسية للتكنولوجيا الخضراء والدفاع الوطني.
في عام 2017، كان شون فيرنر، الرئيس التنفيذي لشركة «سيراه ريسورسز» (Syrah Resources) الأسترالية للتعدين، متفائلاً بشأن آفاق شركته بعد زيارته لأحد مواقع رواسب الجرافيت في موزمبيق.
وبدعم من تمويل حكومي أميركي يفوق 100 مليون دولار، أقامت شركة «سيراه» عمليات لاستخراج الجرافيت في موزمبيق، بهدف مواجهة الهيمنة الصينية على الإمدادات العالمية من هذا المعدن الحيوي.
وأسسّت الشركة أول مصنع أميركي لمعالجة الجرافيت في ولاية لويزيانا، كما وقعت اتفاقية مبيعات مع «تسلا»، التي كانت تعتمد في السابق على الصين كمورد رئيس للجرافيت المستخدم في بطارياتها للمركبات الكهربائية.
لكن رحلة الشركة تحولت بسرعة إلى تحديات كبيرة، حيث كثّفت الصين، التي تسيطر على أكثر من 90% من إنتاج الجرافيت المستخدم في البطاريات عالمياً، إنتاجها، ما أدى إلى إغراق السوق وانخفاض الأسعار.
وفي مايو 2024، أرجأت إدارة بايدن تطبيق القوانين التي كانت ستعاقب الشركات الأميركية على شراء الجرافيت الصيني. بالإضافة إلى ذلك، واجهت «سيراه» احتجاجات من مزارعين محليين تم تهجيرهم من منجمها في موزمبيق، ما أدى إلى توقف عملياتها، بينما لم تحقق منشأتها في لويزيانا أي مبيعات تجارية، وتراجعت قيمة أسهمها بنحو 90% منذ بداية عام 2023.
ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال»، تسلط معاناة شركة «سيراه» الضوء على سبب استمرار هيمنة الصين على المعادن الحيوية عالمياً.
تعتمد الولايات المتحدة بشكل متزايد على المعادن، ما دفع إدارة ترامب إلى السعي للحصول على وصول أكبر لهذه الموارد في أوكرانيا وجرينلاند. وفي ديسمبر 2024، فرضت بكين قيوداً على صادرات بعض المعادن إلى الولايات المتحدة، في خطوة يُحتمل أن تكون رداً على ضوابط تصدير أشباه الموصلات الأميركية.
ومع ذلك، فإن قدرة الصين على التحكم في الإنتاج والأسعار، بالإضافة إلى التغيرات المتقلبة في السياسات الأميركية، قد تركت الشركات الأميركية تواجه صعوبة في التنافس.
علاوة على ذلك، تواجه العديد من شركات التعدين الغربية تحديات في العمل في البلدان ذات المخاطر العالية، حيث تتوافر المعادن الحيوية، وغالباً ما تعرقل الاضطرابات السياسية سير العمليات، إذ أوقفت شركة (Jervois Global)، الوحيدة المنتجة للكوبالت في الولايات المتحدة، عملياتها في عام 2023 بعد 5 أشهر فقط من افتتاح منجمها في أيداهو.
وأشارت الشركة، التي تلقت تمويلاً من البنتاغون، إلى أن الزيادة في إنتاج الكوبالت الصيني كانت العامل الرئيس الذي دفع الأسعار إلى ما دون الربحية. وفي يناير 2024، تقدمت «جيرفويز» بطلب للإفلاس.
وبالمثل، أغلقت شركة «بي إتش بي» (BHP)، إحدى أكبر شركات التعدين في العالم، عملياتها في أستراليا في مجال النيكل رداً على زيادة الإنتاج الصيني من إندونيسيا. كما خفضت شركة «ألبامارل» (Albemarle)، أكبر منتج لليثيوم في الولايات المتحدة، قوتها العاملة وأجلت بناء منشآت معالجة جديدة؛ بسبب زيادة إمدادات الليثيوم الصينية.
بحلول عام 2024، سيطرت الصين على 71% من إنتاج الليثيوم المكرر عالمياً، بزيادة عن 49% في عام 2017. كما تسيطر الكيانات الصينية على 55% من إنتاج النيكل المكرر على مستوى العالم، بزيادة ملحوظة عن 38% في 2017، وفقاً لشركة «بينشمارك مينيرال إنتليجنس».
توقع محلل من مصرف «كريدي سويس» أن منجم «سيراه» في بالاما سيؤمن 100% من احتياجات العالم الحالية من الجرافيت الطبيعي لمدة نحو 1000 سنة.
ومع تزايد القيود على إمدادات الجرافيت، كانت «سيراه» تهدف إلى معالجة المعدن في الولايات المتحدة، ما يضيف قيمة ويعزز الأرباح. إلا أن معالجة الجرافيت تعد عملية معقدة ومكلفة، وتعتمد الكثير من الخبرة الصناعية في الصين.
غير أن «سيراه» لم تفقد عزيمتها، بل قامت بترخيص تكنولوجيا المعالجة من شركة صينية، وبدأت في تحسين عملية «التكوير»، التي تحول الجرافيت إلى كرات مدمجة تُستخدم في الأنودات الخاصة ببطاريات السيارات الكهربائية لتعزيز كثافة الطاقة.
في يوليو 2022، حصلت «سيراه» على قرض قيمته 102 مليون دولار من وزارة الطاقة الأميركية لبناء مصنع معالجة الجرافيت في لويزيانا، ما أوجد ما يقارب 100 وظيفة.
وفي الشهر التالي، وافق الكونغرس على منحة شراء سيارات كهربائية بقيمة 7500 دولار، ما أدى إلى زيادة الطلب على المعدن. وفي أكتوبر، منحت وزارة الطاقة «سيراه» 220 مليون دولار لتوسيع العمليات.
لكن بالرغم من هذه الاستثمارات الداعمة، ردت الصين بسرعة. فقد زاد عملاق التعدين المملوك للدولة «تشاينا مينميتال» (China Minmetals) إنتاج الجرافيت في عام 2022، ما أدى إلى إغراق السوق.
كما توسعت الشركات الصينية في إنتاج الجرافيت الصناعي، ما أسهم في خفض الأسعار. وبحلول منتصف عام 2023، انخفض سعر الجرافيت الكروي من 3650 دولاراً للطن المتري إلى 2400 دولار.
تسبب ذلك في إيقاف عمليات «سيراه» في منجم موزمبيق لمدة 4 أشهر في عام 2023، ثم استأنفت العمل بمستويات إنتاج منخفضة. ومع ارتفاع تكاليف الإنتاج وانخفاض الأسعار، لم تتمكن الشركة من الاستمرار في استخراج الجرافيت دون تكبد الخسائر.
تفاقمت تحديات «سيراه» نتيجة للتقلبات السياسية. ففي عام 2022، تم تمرير قانون تحت إدارة بايدن يعاقب استخدام الجرافيت الصيني في السيارات الكهربائية الأميركية، بهدف دعم المنتجين المحليين مثل «سيراه». ومع ذلك، في مايو 2024، قررت إدارة بايدن تأجيل تطبيق هذه العقوبات لمدة عامين، مشيرة إلى الحاجة لتحسين آليات تتبع مصادر الجرافيت.
لكن رغم هذه التحديات، يبقى فيرنر متفائلاً، ويأمل أنه بمجرد استقرار الوضع السياسي في موزمبيق، سيتمكن من استئناف عمليات التعدين. كما تعمل الشركة مع صانعي السيارات لضمان توافق جرافيت «سيراه» مع معايير بطاريات السيارات الكهربائية، ولديها خطط لبدء المبيعات التجارية من مصنعها في لويزيانا في وقت لاحق من هذا العام.