تعيد الرسوم الجمركية واسعة النطاق التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تشكيل السياسة التجارية الأميركية وتغيير عقود من اتفاقيات التجارة العالمية الحرة مع الأصدقاء والأعداء على حد سواء.
وتعهّدت الصين، ودول الاتحاد الأوروبي، اليوم الأربعاء، بالرد والدفاع عن مصالحها الاقتصادية في مواجهة الرسوم الجمركية «غير المبررة» على الصلب والألومنيوم.
رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لايين، قالت في بيان إن التكتل يعرب عن أسفه العميق للرسوم، مضيفة بأن التدابير المضادة التي نتخذها، اليوم، قوية لكنها متناسبة.
وتابعت: «فيما تفرض الولايات المتحدة رسوماً بقيمة 28 مليار دولار، نرد بإجراءات تعادل هذا المبلغ باليورو»، وفق ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.
من جانبها، تعهدت الصين، أكبر مصنّع للصلب في العالم، رغم أنها لا تعد مصدّراً رئيساً له إلى الولايات المتحدة، اتّخاذ كل التدابير اللازمة رداً على الخطوة الأميركية.
وقالت الناطقة باسم الخارجية الصينية ماو نينغ إن «أي طرف لن يخرج منتصراً في الحروب التجارية».
وأضافت بأن الرسوم الأميركية «تضر بشكل جدّي بمنظومة التجارة متعددة الأطراف المبنية على القواعد».
وتمثل إجراءات «العين بالعين» أحدث تطور في حرب تجارية مشتعلة اتسمت بالوعود الجريئة بفرض الرسوم الجمركية، ثم التراجع عنها وتأخيرها، من جانب ترامب، وفق تقرير لشبكة «سي إن بي سي».
وأثرت التوترات التجارية على الأسواق في الأيام الأخيرة وسط مخاوف متزايدة من أن الرسوم الجمركية قد تدفع أكبر اقتصاد في العالم نحو الركود.
إحدى أكبر المشاكل التي يواجهها ترامب هي العجز التجاري للولايات المتحدة مع عدد من الشركاء التجاريين الرئيسين، بما في ذلك كندا، والاتحاد الأوروبي.
وبحسب بيانات المفوضية الأوروبية فإن الاتحاد الأوروبي حقق فائضاً تجارياً قدره 155.8 مليار يورو (159.6 مليار دولار) مع الولايات المتحدة في تجارة السلع العام 2023، لكنه عانى عجزاً في تجارة الخدمات قدره 104 مليارات يورو، وفق «سي إن بي سي».
وإجمالاً، بلغت قيمة تجارة السلع والخدمات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة العام 2023 نحو 1.6 تريليون يورو (1.68 تريليون دولار)، وفقاً للاتحاد الأوروبي.
فيما تشكل الآلات والمركبات الجزء الأكبر من صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة بحسب مجموعة المنتجات، تليها المواد الكيميائية والسلع المصنعة الأخرى والمنتجات الطبية والصيدلانية.
ستؤثّر الرسوم الأخيرة مجدداً على كندا إلى حد كبير، علماً بأنها توفر حوالي 50% من واردات الألومنيوم الأميركية و20% من وارداتها من الصلب، بحسب مذكرة صدرت مؤخراً عن كبير خبراء الاقتصاد لدى شركة «إرنست أند يونغ» غريغوري داكو.
وفضلاً عن كندا، تعد البرازيل، والمكسيك أيضاً من أهم مزودي الولايات المتحدة بالصلب، بينما تزودها الإمارات العربية المتحدة، وكوريا الجنوبية، بالألومنيوم إلى جانب بلدان أخرى.
وأحدثت الضبابية حيال خطط ترامب التجارية والمخاوف من إمكانية زجّها أكبر اقتصاد في العالم في حالة ركود هزة في أسواق المال، إذ تراجعت مؤشرات "وول ستريت" لليوم الثاني على التوالي الثلاثاء.
وبدا الوضع مشابهاً في الأسواق الآسيوية، الأربعاء، حيث تراجعت الأسهم في هونغ كونغ وشنغهاي، وفق «سي إن بي سي».
رسوم ترامب البالغة نسبتها 25% على المعدنين ستؤدي إلى رفع تكاليف إنتاج مختلف السلع، انطلاقاً من المعدات المنزلية مروراً بالسيارات ووصولاً إلى علب المشروبات، ما يهدد بزيادة الأسعار بالنسبة للمستهلكين في نهاية المطاف، بحسب الخبراء.
أشارت واشنطن إلى أن الرسوم تندرج في إطار مساعيها لحماية قطاع الصلب الأميركي والعمال الأميركيين، في وقت يشهد القطاع تراجعاً، ويواجه منافسة خارجية شرسة، لا سيما من آسيا.
لكنها ليست المرة الأولى التي يفرض ترامب رسوماً جمركية على المعدنين.
وفي ولايته الرئاسية الأولى، فرض ترامب رسوماً جمركية على صادرات الصلب والألومنيوم العام 2018، ما أجبر الاتحاد الأوروبي بالرد عبر فرض رسوم أعلى من طرفه يبقى تطبيقها مجمّداً حتى نهاية مارس.
وفي إطار مقاربة الاتحاد الأوروبي للتعامل مع تحرّكات ترامب، أفادت فون دير لايين بأن بروكسل ستسمح أيضاً بإعادة فرض رسومها السابقة.
وأوضح كلارك باكارد من «معهد كاتو» للأبحاث، بأن مجرّد التهديد بالإجراءات الحمائية، دفع شركات الصلب والألومنيوم الأميركية إلى رفع أسعارها، مضيفاً بأن الأمر «يخلق ضبابية هائلة»، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.
فيما لفت داكو من «إرنست أند يونغ» إلى أن الرسوم الجديدة على الصلب والألومنيوم تتجاوز الإجراءات التي فرضها ترامب العام 2018، إذ تشمل مجموعة من المنتجات النهائية إلى جانب الصلب، والألومنيوم الخام.
وقال إن من شأن إضافة الرسوم إلى تلك القائمة أساساً أن «يجعل التوريد من الخارج أعلى ثمناً في عدة قطاعات»، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.
ويأتي الإعلان عن عدم وجود أي استثناءات الأربعاء رغم زيارة مسؤولين من شركاء للولايات المتحدة على غرار أستراليا واليابان واشنطن في الأيام الأخيرة للدفع للحصول على إعفاءات.
بدورها، وصفت الحكومة البريطانية الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة بأنها «مخيبة للآمال» لكنها امتنعت أيضاً عن الرد في وقت تسعى إلى اتفاق اقتصادي أوسع نطاقاً مع واشنطن.