ومن وقت لآخر، تهدّد إيران بإغلاق مضيق هرمز، الأمر الذي قد يُحدث توترًا كبيرًا في المنطقة وفي الأسواق العالمية، كونه يُعَدُّ مضيقًا بحريًا حيويًا يمر عبره نحو ربع النفط العالمي المتداول عبر البحر.
وفي هذا الشأن، يقول الدبلوماسي السابق والخبير في الشؤون الأميركية، السفير مسعود معلوف، إن مضيق هرمز أهم مضيق مائي في العالم، إذ يمر من خلاله ما لا يقل تقريبًا عن 25 في المائة من النفط العالمي، لذلك إذا أقدمت إيران على إغلاقه فإن ذلك سيشكل أزمة عالمية كبرى.
علماً بأن مضيق هرمز يفصل بين إيران وسلطنة عمان، ويربط بين الخليج شمالًا وخليج عمان وبحر العرب جنوبًا، ويبلغ عرضه 33 كيلومترًا عند أضيق جزء منه، لكن الممر الملاحي لا يتجاوز عرضه 3 كيلومترات في كلا الاتجاهين.
وأضاف السفير معلوف، في تصريحات خاصة من واشنطن لـ"إرم اقتصادية"، أن الولايات المتحدة الأميركية مقبلة على انتخابات رئاسية في شهر نوفمبر من العام المقبل، وهذا حدث دستوري بالغ الأهمية بالنسبة لمعركة بايدن المقبلة فإذا تجرأت إيران وأغلقت مضيق هرمز، سوف يستغل أخصام بايدن هذه الانتخابات للإطاحة به إن لم يتحرك لمواجهة هذا الخطر الذي يهدد التجارة العالمية ومصالح الأميركيين.
أما إذا أقدم بايدن على مواجهة إيران عسكريًا ستتكبد أميركا خسائر كبيرة، ولكن في مطلق الحالات لن تقبل الإدارة الأميركية بأن يغلق المضيق المائي الأهم في العالم، وفق تقديرات معلوف، الذي يعتقد أن الولايات المتحدة ستفعل كل ما يمكن فعله من أجل فتح هذا المضيق بدءًا بالتفاوض الدبلوماسي بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول التي لها مصالح، مرورًا بممارستها كل أنواع الضغوط على إيران من أجل استبعاد هذا الخطر.
ويستبعد معلوف، أن تتقبل الدول المحورية في العالم احتمال إغلاق مضيق هرمز كونه أهم ممر حيوي لها، أما إذا تم هذا الأمر ستتوحد الدول الأوروبية حول الولايات المتحدة كما فعلت إبان الهجوم الروسي على أوكرانيا لمواجهة المخاطر المحتملة.
من جانبه، يشير أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج واشنطن، الدكتور نبيل ميخائيل، إلى أن أي إغلاق إيراني لمضيق هرمز سيسبب ارتفاعًا في أسعار النفط، ما قد يؤثر سلبًا على الاقتصاد الأميركي واقتصادات دول أوروبا الصناعية واليابان، مستبعدًا حدوث ذلك ومستبعدًا أيضًا حصول أزمة نفطية جديدة في الفترة المقبلة.
ووفقًا لبيانات صادرة عن شركة "فورتكسا" للتحليلات، فإن 20.5 مليون برميل يوميًا من النفط الخام والمكثفات والمنتجات النفطية قد عبرت في المتوسط عبر مضيق هرمز في الفترة التي امتدّت من يناير/كانون الثاني إلى سبتمبر/أيلول 2023.
وتعتمد السعودية وإيران والإمارات والكويت والعراق، وجميعها دول أعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك"، على هذا المضيق في عبور معظم صادراتها النفطية الخام.
وأضاف نبيل ميخائيل، في تصريحات خاصة من الولايات المتحدة الأميركية لـ"إرم اقتصادية"، أن العالم أجمع يسلّط الضوء حاليًا على ما يحدث في غزة، وليس هناك أي داعٍ لإشعال منطقة الخليج بأزمة أمنية خطيرة مثل إغلاق مضيق هرمز، الأمر الذي قد يسفر عن تدخل أميركا عسكريًا لثني إيران عن مساعيها.
ولفت إلى أن روسيا تلعب دورًا مهمًا في منطقة الشرق الأوسط في الوقت الراهن، لا سيما بعد اشتعال أزمة غزة، التي جعلت بوتين يقوي علاقاته بالدول العربية والخليج، على أساس أنه يريد منطقة آمنة وليست مشتعلة بأزمة جديدة في مضيق هرمز.
من جانبه، يرى الباحث في الفلسفة السياسية، الدكتور محمد خيري، أن إيران اعتادت على التهديد بغلق مضيق هرمز، ففي أوقات سابقة هددت بهذا الأمر في عامي 2018 و2019، ولم تنفذ تهديدها، وذلك على خلفية العقوبات التي فرضتها الإدارة الأميركية خلال عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.
وأضاف خيري، في تصريحات خاصة لـ"إرم اقتصادية"، أن إيران تدرك جيدًا أن اتخاذ قرار بإغلاق مضيق هرمز بمثابة إعلان حرب، خاصة أن المضيق يمر عبره 40% من حركة الملاحة العالمية والنفطية، بجانب تأثر عدد كبير من دول العالم بهذا الإجراء الاحادي إذا نفذ، لكنه مستبعد نظرًا لعدم قدرة ايران على الوقوف وحيدة في وجه المجتمع الدولي.
وأشار إلى أن إيران بتهديداتها تلك ترغب في رفع أسعار النفط، في ظل إعلان دول منظمة "أوبك بلس" خفض إنتاجها قبل أسبوعين.
وبشأن تأثير ذلك على ارتفاع أسعار النفط، أوضح خيري أن هذه التهديدات قد تسهم في رفع الأسعار بشكل كبير، مع الأخذ في الاعتبار أن إيران دولة نفطية تعمل على زيادة صادراتها النفطية إلى دول مثل الصين التي تعد أكبر مشترٍ للنفط الإيراني في العالم.