يُتوقّع أن يؤدي ارتفاع قيمة الروبل وانخفاض أسعار النفط إلى تفاقم العجز في الموازنة الروسية هذا العام، ما يزيد الضغوط الناجمة عن الإنفاق العسكري، ويجبر الحكومة على الاقتراض بأكثر من المتوقع أو اللجوء إلى ما تبقى من احتياطياتها المالية، وفقا لمحللين.
وسجّل الروبل ارتفاعاً بنسبة 26% مقابل الدولار منذ بداية العام، مدعوماً بتحسن العلاقات مع الولايات المتحدة وإمكانية إنهاء الصراع في أوكرانيا. وهو أقوى بنسبة 12% من المستوى الذي بُنيت عليه موازنة هذا العام.
كانت الحكومة تهدف إلى تقليص العجز المالي إلى 0.5% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، لكن المؤشرات الأولية جاءت مقلقة؛ إذ ارتفع العجز إلى 1.3% خلال أول شهرين من العام. وفي حين عززت المحادثات الأخيرة بين روسيا والولايات المتحدة والتواصل المباشر بين رئيسي البلدين الآمال في التوصل إلى تسوية سلمية، إلا أنها لم تُترجم بعد إلى وقف لإطلاق النار.
في تطور غير اعتيادي، تراجع سعر خام الأورال الروسي إلى أدنى مستوياته منذ 14 شهرًا، ليصل إلى نحو 54 دولاراً للبرميل في منتصف مارس، ما دفع السعر المرجعي للروبل المستخدم في حسابات الموازنة إلى أدنى مستوى له منذ يونيو 2023، أي أقل بنسبة 29% من السعر المفترض في موازنة 2025.
عادةً ما يؤدي انخفاض أسعار النفط إلى إضعاف الروبل، إلا أن بعض الاقتصاديين يرون أن «فك الارتباط» الحالي بين سعر الصرف وأسعار النفط يمثل ظاهرة غير مسبوقة في الاقتصاد الروسي.
وحذّر يفغيني سوفوروف، الخبير الاقتصادي في «تسينتروكريديت بنك» لـ«رويترز»، من أن «خفض الإنفاق سيصبح أمراً لا مفر منه إذا تراجع النفط إلى 50 دولاراً أو أقل للبرميل»، مضيفاً: «ليس من المؤكد أن تتمكن الحكومة من تحقيق ذلك خلال استمرار العمليات العسكرية».
تراجعت عائدات الطاقة، التي تشكل نحو ثلث الإيرادات الحكومية، بنسبة 3.7% على أساس سنوي خلال أول شهرين من العام، لتصل إلى 1.56 تريليون روبل، وفق بيانات وزارة المالية.
وقالت صوفيا دونيتس، من بنك «تي بنك»، إن «الوضع ليس كارثياً، لكنه معقد»، مشيرةً إلى أن الحكومة قد تضطر إلى تمويل العجز عبر المزيد من الاقتراض، أو من خلال السحب من صندوق الثروة الوطني. وقدّرت الخسائر المحتملة للموازنة بما يتراوح بين 1 و2 تريليون روبل هذا العام.
يُذكر أن صندوق الثروة الوطني الروسي، الذي أصبح المصدر الأساسي لتمويل العجز، فقد نحو ثلثي قيمته خلال الحرب، ليصل إلى 37.5 مليار دولار فقط. ورغم تحذيرات وزارة المالية من المخاطر التي تواجه عائدات النفط والغاز، لا تزال الحكومة تمتلك هامش أمان بفضل ديونها المنخفضة نسبياً واحتياطياتها المالية المتبقية.
تُعد ديون روسيا العامة من بين الأدنى عالمياً، إذ تبلغ 14.5% من الناتج المحلي الإجمالي، رغم ارتفاعها بنسبة 13.5% منذ عام 2023، ما يمنح الحكومة مجالاً إضافياً للاقتراض.
واستغلت الحكومة انخفاض المخاطر الجيوسياسية على السندات الروسية، وتمكنت من جمع 1.4 تريليون روبل من خلال إصدارات السندات ذات الفوائد الثابتة، مستفيدةً من انخفاض العوائد إلى أدنى مستوياتها في 10 أشهر، عند أقل من 15%.
كما توقفت عن إصدار السندات ذات الفوائد المتغيرة، المرتبطة بسعر الفائدة الرئيس للبنك المركزي، والذي يبلغ حالياً 21%، وهو أعلى مستوى منذ أوائل الألفينات، ما يعكس ثقة الحكومة في قدرتها على الاقتراض بأسعار ثابتة.
وفي مؤشر إضافي على تحسن ثقة المستثمرين، استأنف الأجانب شراء السندات الروسية الشهر الماضي، حيث أظهرت بيانات «رايفايزن بنك» أن المستثمرين الأجانب اشتروا في فبراير سندات حكومية بقيمة 43 مليار روبل، أي ثلاثة أضعاف مشترياتهم طوال العام الماضي.
من جانبه، قال وزير المالية أنطون سيلوانوف في 26 مارس إن «سعر صرف الروبل سيُصحَّح تدريجياً مع ارتفاع الطلب على السلع المستوردة والعملات الأجنبية»، مؤكدا أن الحكومة لا تعتمد على تقلبات العملة في تسيير الموازنة، مضيفا: «الأهم هو أن جميع النفقات المخططة سيتم تمويلها، بغض النظر عن سعر الصرف».