في عالم يتجه بخطى سريعة نحو الاستدامة، أصبحت الطاقة الخضراء محوراً رئيساً للتغيير، وبوابة لفرص عمل جديدة، واقتصادات أكثر تنوعاً، وليست مجرد مشروعات تهدف إلى حماية البيئة.
وفي قلب هذا التحول، تبرز منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كإحدى أكثر المناطق الواعدة في هذا المجال، حيث ترجح الوكالة الدولية للطاقة المتجددة «آيرينا» أن تشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا توفير 10 ملايين وظيفة جديدة في قطاع الطاقة الخضراء بحلول عام 2050.
شهد العالم في الأعوام الأخيرة طفرة غير مسبوقة بوظائف الطاقة الخضراء، فمع توسع مشروعات الطاقة المتجددة، بدأت المنطقة العربية تحصد نصيباً من هذه الفرص.
وفقاً لتوقعات الوكالة الدولية للطاقة المتجددة «آيرينا»، ستستحوذ منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على 6% من إجمالي 18 مليون وظيفة متوقع خلقها عالمياً في قطاع الطاقة المتجددة بحلول عام 2050.
وتأتي الطاقة الشمسية في صدارة هذه المشروعات، تليها طاقة الرياح ثم الطاقة الحيوية.
وبحلول عام 2050، في ظل سيناريو ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية، ستشكل الطاقة الشمسية 66% من وظائف الطاقة المتجددة في المنطقة، بينما ستتراجع هذه النسبة في مناطق أخرى مثل أوروبا والأميركيتين.
يتطلب توفير 10 ملايين وظيفة جديدة في قطاع الطاقة الخضراء بحلول 2050 في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، سياسات قوية للتنمية الصناعية والمناخية، فزيادة الاستثمار في الطاقة النظيفة لن تُسهم بخفض الانبعاثات فقط، بل ستُعزز الوظائف 5.3%، والناتج المحلي الإجمالي 7.2% في بلدان المنطقة.
ووفقاً لورقة بحثية صادرة عن منتدى البحوث الاقتصادية، فإن زيادة حصة الطاقة المتجددة إلى 30% بحلول عام 2030 في ست دول، هي :مصر، والأردن، والسودان، ولبنان، والمغرب، وتونس، ستوفر ما يصل إلى 1.2 مليون فرصة عمل.
وعلى مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بأكملها، سيخلق هذا التحول حوالي 2.54 مليون وظيفة سنوياً، ترتفع إلى 5.08 مليون بحلول عام 2050.
وتشمل هذه الوظائف مجالات متنوعة من التصنيع إلى التركيب والصيانة، مروراً بالخدمات اللوجستية والدعم الفني.
كما أن اعتماد تقنيات الطاقة الخضراء مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين الأخضر يتطلب إنشاء صناعات داعمة جديدة؛ ما يفتح الباب أمام فرص عمل في قطاعات لم تكن موجودة من قبل.
لم تتوقف طموحات المنطقة عند الطاقة المتجددة فحسب، بل امتدت إلى قطاع الصناعات التحويلية، خاصة في تصنيع المركبات الكهربائية والبطاريات.
دول مثل الجزائر، ومصر، والمغرب، والسعودية، والإمارات أحرزت تقدماً ملحوظاً في هذا المجال؛ ما يمثل فرصة لإيجاد وظائف جديدة، وتقليل الاعتماد على الواردات.
وفقاً لتقرير صادر عن مجلس صناعات الطاقة، تستهدف منطقة الشرق الأوسط استثمار 75.63 مليار دولار في 116 مشروعاً للطاقة المتجددة بحلول عام 2030.
تشمل هذه المشروعات توليد الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والهيدروجين الأخضر، وأنظمة تخزين الطاقة.
وتقود دول مجلس التعاون الخليجي، بدعم من شركات كبرى مثل «مصدر» الإماراتية و«أكوا باور» السعودية، هذه الطفرة في مشروعات الطاقة المتجددة.
تمثل الإمارات مع السعودية الجزء الأكبر من النمو بقطاع الطاقة المتجددة في المنطقة، بحسب وكالة الطاقة الدولية.
وأعلنت شركة «مصدر» الإماراتية أوائل العام الجاري، أنها ستبني محطة طاقة شمسية عملاقة بسعة 5 غيغاواط، بتكلفة 6 مليارات دولار، ونظام بطاريات تخزين كهرباء سعة 19 غيغاواط/ساعة، سيكون الأكبر من نوعه في العالم.
كما كشفت شركة «أرامكو» السعودية الحكومية عن مشروع مشترك يمهّد لبدء إنتاج الليثيوم، وهو المكون الرئيس لإنتاج البطاريات، في بداية عام 2027.
وتستهدف الإمارات من خلال «استراتيجيتها للطاقة 2050» التي أطلقت عام 2017 إلى مضاعفة مساهمة الطاقة المتجددة 3 أضعاف بحلول عام 2030، ومن المتوقع ضخ استثمارات وطنية تقدر بين 150 إلى 200 مليار درهم لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة.
ونفذت الإمارات مجموعة من المشروعات مثل «محطة نور أبوظبي»، التي تُعد أكبر محطة للطاقة الشمسية المركزة في العالم، و«مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية» أكبر مشروع للطاقة الشمسية في موقع واحد على مستوى العالم، و«مدينة مصدر» التي صممت لتكون إحدى أكثر المدن استدامة في العالم، والتي تعتمد على الطاقة المتجددة والتكنولوجيا النظيفة.
كما تستهدف المملكة العربية السعودية 130 غيغاواط من الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، بزيادة عن أقل من 5 غيغاواط اليوم، ودشنت برنامج حوافز لاستكشاف المعادن بقيمة 182 مليون دولار.