في خطوة قد تعيد رسم خريطة الطاقة العالمية، كشفت الصين عن احتياطيات هائلة من الثوريوم، وهو معدن مشع يُعد بديلاً محتملاً لليورانيوم في المفاعلات النووية والوقود الأحفوري.
ووفقاً لتقديرات علمية، قد تكفي هذه الاحتياطيات لتلبية احتياجات الصين من الطاقة لمدة 60 ألف عام، ما يعزز مكانتها كقوة رائدة في مجال الطاقة النووية. هذا التطور يطرح تساؤلات حول تأثيره في أسواق الطاقة العالمية ومدى قدرة الدول الأخرى على مواكبة هذا التحول الطاقوي؟
لطالما اعتُبرت الصين واحدة من أغنى الدول بالمعادن النادرة، لكن تقريراً علمياً حديثاً كشف عن احتياطيات غير مسبوقة من الثوريوم. ووفقاً لمجلة (Geological Review)، فإن نفايات التعدين المتراكمة في منغوليا الداخلية خلال خمس سنوات فقط تحتوي على كمية تكفي لتزويد الولايات المتحدة بالطاقة المنزلية لأكثر من ألف عام.
أما منجم “بايان أوبو”، أكبر منجم للعناصر الأرضية النادرة في العالم، فقد يحتوي على ما يصل إلى مليون طن من الثوريوم، وهو ما قد يسمح للصين بتأمين احتياجاتها الطاقوية لعشرات الآلاف من السنين، وهو تحول قد يُعيد ترتيب موازين القوى العالمية.
ويعرف ربيع رستم أستاذ الطاقة وعلوم الأرض والبنية التحتية، الثوريوم، بأنه معدن فضي اللون، يولد طاقة تعادل 200 مرة طاقة اليورانيوم، مضيفاً أنه يوجد بشكل طبيعي في القشرة الأرضية، ويعتبر أكثر وفرة من اليورانيوم بـ3 أضعاف تقريباً، كما يمكن استخدامه وقوداً في المفاعلات النووية، ويتميز بأمانه النسبي باعتباره ينتج نفايات مشعة أقل خطورة مقارنة باليورانيوم.
وبحسب رستم يصدر المعدن النادر إشعاع ألفا الذي لا يخترق الجلد البشري، ويمكن احتواؤه بسهولة باستخدام حاوية فولاذية سميكة، وتبلغ تكلفة استخراجه وتجهيزه أقل من اليورانيوم، فضلاً عن صعوبة تحويله إلى أسلحة باعتباره ليس مناسباً لصناعة الأسلحة النووية.
يتزايد الطلب العالمي على المعادن النادرة، حيث تُشير تقديرات البنك الدولي إلى أن الحاجة إليها سترتفع بنسبة 500% بحلول عام 2050، نتيجة التوسع في تقنيات الطاقة النظيفة.
ويُظهر تقرير لمجموعة "IMARC" أن حجم سوق المعادن الأرضية النادرة بلغ 12.4 مليار دولار في 2024، ومن المتوقع أن يصل إلى 37.1 مليار دولار بحلول 2033، بمعدل نمو سنوي مركب 12.8%.
تتصدر الصين الإنتاج العالمي للمعادن النادرة بحصة بلغت 270 ألف طن متري في 2024، تليها الولايات المتحدة بـ 45 ألف طن متري، ثم بورما، وأستراليا، ونيجيريا.
تسعى الصين إلى الاستفادة من الثوريوم في مشاريع رائدة تشمل: أول محطة نووية تعمل بالثوريوم، تُشيد في صحراء جوبي، ومن المتوقع أن تنتج 10 ميغاواط بحلول 2029.، بالإضافة إلى سفن شحن بمفاعلات نووية لنقل حاويات، وكذلك طاقة نووية لدعم المستعمرات على سطح القمر. حيث تخطط الصين لاستخدام مفاعلات تعمل بالثوريوم كمصدر طاقة أساسي في القواعد القمرية المستقبلية.
لا يزال قطاع الطاقة في الصين يعتمد بشكل كبير على الفحم، الذي يمثل 55% من استهلاك الطاقة. لكن التحول إلى المفاعلات النووية المعتمدة على الثوريوم قد يؤدي إلى تقليل انبعاثات الكربون، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري المستورد، بالإضافة إلى تمكين الصين من تصدير الطاقة النووية النظيفة.
مع هذه التطورات، تبرز التساؤلات حول كيفية استجابة القوى العالمية، خاصة الولايات المتحدة وأوروبا، لهذا التحول الذي قد يُعيد تشكيل قطاع الطاقة العالمي.
تتباين استجابات القوى العالمية بشكل ملحوظ. فمع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير 2025، شهدت الولايات المتحدة انعطافة حادة في سياساتها الطاقوية. أعلن الرئيس الأميركي حالة الطوارئ في مجال الطاقة، مؤكداً على ضرورة تعزيز إنتاج الوقود الأحفوري لمواكبة الطلب المتزايد، خاصة من شركات التكنولوجيا المتطورة في مجال الذكاء الاصطناعي.
وفي خطوة مثيرة للجدل، بدأ ترامب عملية الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، ووعد بتسريع الموافقات على مشاريع الوقود الأحفوري. كما ألغى هدف سلفه المتمثل في جعل نصف المركبات الجديدة المباعة بحلول عام 2030 كهربائية.
وعلى الرغم من هذه التوجهات، تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة لا تزال تحتل الصدارة في إنتاج النفط والغاز عالمياً، حيث حققت أرقاماً قياسية في الإنتاج للعام السادس على التوالي في 2023.
في المقابل، تواصل أوروبا التزامها بالتحول نحو الطاقة النظيفة. فقد أصبحت دول شمال القارة الغنية بطاقة الرياح محور اهتمام استراتيجي في المشهد الطاقوي العالمي. وفي خطوة تاريخية، أعلنت المملكة المتحدة توقفها التام عن استخدام الفحم في توليد الكهرباء، مؤكدة عزمها على تقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري.
وسط هذه التحولات، يبرز الشرق الأوسط كلاعب رئيس في مستقبل الطاقة المتجددة، حيث تكتسب الدول الغنية بالطاقة الشمسية أهمية متزايدة، وتتركز الجهود على تطوير تقنيات الطاقة المتجددة وخفض تكاليفها لتصبح منافسة للوقود التقليدي.