في أحد منافذ الشركة القابضة للصناعات الغذائية بمصر، أمسكت سيدة مصرية تُدعى صفية محمود ببيضة مطبوع عليها تاريخ الإنتاج وتاريخ انتهاء الصلاحية، وازدادت دهشتها عندما علمت أن البيضة مستوردة من الخارج، وأن سعر الطبق (30 بيضة) لا يتجاوز 150 جنيهاً مصرياً (حوالي 3.08 دولار)، بانخفاض يتراوح بين 30 و50 جنيهاً عن سعر البيض المحلي.
وشاركت صفية تجربتها عبر صفحتها على «فيسبوك»، معبرة عن سعادتها بالخطوة التي اتخذتها الحكومة المصرية باستيراد البيض من تركيا، مشيرة إلى أن هذه الخطوة انعكست إيجابياً على أسعار البيض المحلي في الأسواق. وأكدت في تدوينتها أن البيض التركي أكبر حجما وأفضل جودة مقارنة بنظيره المحلي.
وقد لاقت تدوينتها تفاعلاً، حيث عبر معلقون على التدوينة، عن تفاؤلهم بهذه الخطوة، آملين أن تسهم في تخفيف أعباء ارتفاع أسعار البيض المحلي عن كاهلهم.
وخلال الأيام الماضية، شهدت وسائل التواصل الاجتماعي في مصر نقاشات حول قرار استيراد البيض من الخارج، ورحّب مواطنون بهذه الخطوة باعتبارها بداية لإيجاد حل لأزمة ارتفاع أسعار البيض.
على مدار الأشهر الماضية، شهدت السوق المصرية ارتفاعات متتالية في أسعار بيض المائدة، حيث وصل سعر الطبق المكون من 30 بيضة إلى نحو 200 جنيه (4.10 دولار) في بعض الأوقات، ما شكل عبئاً إضافياً على الأسر المصرية، خاصة مع بداية العام الدراسي الجديد، حيث يُعد البيض وجبة أساسية على المائدة المصرية.
تزامن هذا الارتفاع الكبير في الأسعار مع دعوات للتصدي لما وصفه البعض بعمليات احتكار ورفع الأسعار المبالغ فيها من قِبل بعض التجار. وأطلقت جمعية «مواطنون ضد الغلاء لحماية المستهلك» حملة مقاطعة واسعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي تحت شعار «خليه يمشش»، كوسيلة للضغط على التجار لخفض الأسعار.
على الجانب الآخر، اتخذت الحكومة المصرية إجراءات لزيادة المعروض من البيض في السوق، وذلك من خلال استيراد كميات كبيرة من البيض من الخارج بهدف خلق توازن في الأسعار. ولم تتوقف الإجراءات عند هذا الحد، فقد فرضت إحدى المحاكم غرامة قدرها 20 مليون جنيه (410.6 ألف دولار) على أربعة سماسرة بتهمة التلاعب في الأسعار.
وفي خطوة إضافية لضبط السوق، قام جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية في سبتمبر برفع دعوى قضائية ضد 21 من كبار منتجي البيض، متهماً إياهم بـ«التواطؤ والاحتكار والاتفاق على تحديد أسعار مرتفعة لبيع البيض بالمخالفة للقانون»، بحسب إفادة رسمية من الجهاز.
لمواجهة الطلب المتزايد في السوق المحلي وتخفيف حدة ارتفاع أسعار بيض المائدة، أعلنت الحكومة المصرية مؤخراً عن تعاقدها على استيراد كميات ضخمة من البيض لتلبية احتياجات المستهلكين المحليين وضبط الأسعار.
وذكرت وزارة التموين المصرية، في بيان، أنها تعاقدت على استيراد حوالي 30 مليون بيضة ذات جودة عالية (ما يعادل مليون طبق)، بهدف تعزيز الإمدادات المتوفرة في السوق المحلي.
وتماشياً مع هذا الهدف، بدأت الوزارة بزيادة كميات البيض الموزعة في المجمعات الاستهلاكية التابعة للحكومة، حيث يتم ضخ ما يصل إلى 10 آلاف طبق أسبوعياً بسعر 150 جنيهاً (حوالي 3.08 دولار) للطبق الواحد، ما يساهم بشكل كبير في سد احتياجات السوق واستقرار أسعار البيض.
ووصلت الشحنة الأولى من البيض التركي إلى مطار القاهرة في 20 أكتوبر الحالي، ومن المقرر أن يتم شحن باقي الكمية على دفعات خلال شهري أكتوبر ونوفمبر، وذلك لضمان توافر المنتج بشكل مستمر في الأسواق. ويجري بيع البيض التركي عبر منافذ الشركة القابضة للصناعات الغذائية، بالإضافة إلى المنافذ الحكومية والمجمعات الاستهلاكية المنتشرة في مصر، بهدف تحقيق التوازن في الأسعار وتوفير بديل اقتصادي للمستهلك المصري.
أدى قرار استيراد البيض من تركيا إلى تأثير مباشر على أسعار البيض المحلي في الأسواق المصرية، حيث شهدت الأسعار انخفاضاً ملحوظاً بعد الإعلان عن وصول كميات كبيرة من البيض التركي إلى السوق المحلي.
وأكد حازم المنوفي، عضو شعبة المواد الغذائية باتحاد الغرف التجارية في مصر، في بيان، أن أسعار البيض انخفضت بمقدار 10 جنيهات في الطبق الواحد، ليصل سعر طبق البيض الأحمر والأبيض إلى 165 جنيهاً للمستهلك بدلاً من 175 جنيهاً. كما تراجع سعر البيض البلدي من 165 جنيهاً إلى 150 جنيهاً للطبق، بانخفاض 15 جنيهاً، على الرغم من أن البيض البلدي عادة ما يكون أعلى سعراً من الأنواع الأخرى.
وتوقع المنوفي استمرار انخفاض أسعار البيض خلال الفترة القليلة المقبلة، مشيراً إلى أن كميات البيض المستوردة من تركيا التي سيتم توفيرها في المنافذ الحكومية والمجمعات الاستهلاكية وأماكن البيع المختلفة، ستسهم في تحقيق توازن بالسوق وتخفيف الضغط على الأسعار المحلية.
كما دعا المنوفي إلى ضرورة كتابة السعر وتاريخ الإنتاج على البيض المحلي كما يُكتب على البيض المستورد، بحيث يتمكن المستهلك من معرفة السعر وتاريخ الإنتاج والصلاحية، مؤكداً أن هذا الإجراء سيسهم في تعزيز الشفافية وليس صعب التنفيذ.
تعد صناعة الدواجن وإنتاج البيض واحداً من القطاعات النشطة في الاقتصاد المصري، حيث يُقدر حجم إنتاج بيض المائدة محلياً بنحو 14 مليار بيضة سنوياً، وحوالي 1.4 مليار طائر سنوياً، باستثمارات تصل إلى 100 مليار جنيه، وفقاً لبيانات وزارة الزراعة المصرية.
ويعتبر هذا القطاع حيوياً في تأمين احتياجات الغذاء الوطني وتوفير فرص عمل لأعداد كبيرة من العاملين.
وبدأت أزمة صناعة الدواجن في مصر تتفاقم خلال عامي 2022 و2023، عندما تعرضت لمشكلات حادة في توفير الأعلاف، إذ بلغ العجز نسبة 40% من الكميات المطلوبة، حسب تصريحات رئيس شعبة الدواجن بالاتحاد العام للغرف التجارية، عبدالعزيز السيد، في لقاء تلفزيوني.
وأشار السيد إلى أن الارتفاع الحاد في أسعار الأعلاف العالمية بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، بالتوازي مع نقص الدولار، ساهم بشكل كبير في هذه الأزمة.
من جانبها، أوضحت الحكومة المصرية أنها منحت الأولوية لتدبير العملة الأجنبية لصالح توفير الأعلاف، كما وضعت خطة لتكوين مخزون استراتيجي من الأعلاف لضمان استمرارية الإنتاج.
وتُظهر بيانات مجلس الوزراء المصري أن استهلاك الأعلاف المركزة في البلاد يقدر بنحو 24 مليون طن سنوياً، يُستخدم في تغذية الدواجن والمواشي والأسماك.
وتعدّ الذرة أحد المكونات الرئيسة لهذه الأعلاف، حيث تحتاج البلاد إلى نحو 12 مليون طن سنوياً، يتوفر منها محلياً بين 7 إلى 8 ملايين طن، فيما تخصص الحكومة ما يقارب 100 مليون دولار أسبوعياً لاستيراد الأعلاف لسد الفجوة.
وفي سبيل تعزيز الاكتفاء الذاتي، تهدف الحكومة إلى زيادة المساحات المزروعة بالذرة وإنشاء صوامع جديدة لرفع قدرات التخزين، ما يسهم في استقرار الأسعار على المدى البعيد.
ويعتبر هذا التوجه جزءاً من استراتيجيتها للحد من التقلبات الحادة في أسعار الأعلاف، وتأمين احتياجات السوق المحلي، وفق مجلس الوزراء.
أما فيما يتعلق بارتفاع أسعار البيض، فقد أرجع أحمد نبيل، رئيس شعبة بيض المائدة باتحاد منتجي الدواجن، السبب إلى تراجع الإنتاج المحلي، الذي انخفض من 1.2 مليون طبق يومياً في عام 2022 إلى نحو 400 ألف طبق فقط في بداية العام الحالي.
وأشار نبيل في تصريحات صحفية إلى أن درجات الحرارة العالية خلال الصيف ساهمت في تفاقم الأزمة، حيث تسببت في نفوق أعداد كبيرة من الدواجن، مما أثر بشكل مباشر على إنتاج البيض وزاد من الضغوط على هذا القطاع الحساس.
من جانبه، أكد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أن خطوة استيراد البيض التركي جاءت كحل مؤقت لأزمة ارتفاع الأسعار، مشيراً إلى أن الدولة تدرك تماماً أن هذا الإجراء لا يمثل الحل المستدام لهذه المشكلة. وأوضح مدبولي، خلال مؤتمر صحفي، أن الحكومة تعتبر دعم صناعة الدواجن المحلية أمراً بالغ الأهمية، وتسعى جاهدة لتوفير المنتجات الغذائية بأسعار مناسبة للمواطنين.
وأوضح رئيس الوزراء أن جوهر المشكلة يكمن في «الحلقات الوسيطة» التي ترفع سعر المنتج بشكل غير مبرر، مشيراً إلى وجود فجوة ملحوظة بين سعر البيض عند خروجه من المزرعة وسعره النهائي الذي يصل به إلى المستهلك.
وأضاف أن التدخل لكسر هذه الحلقات من شأنه أن يضمن توفير المنتج في الأسواق بهامش ربح معقول، ما يسهم في خفض الأسعار ويحقق توازنًا بين المنتجين والمستهلكين.
وشدد مدبولي على أن هدف الحكومة ليس التأثير سلباً على الصناعة المحلية، بل الحرص على حماية المنتجين المحليين ودعم قدرتهم على الاستمرار، مع ضمان وصول المنتج إلى المواطن بسعر يناسب الجميع.
ويرى رئيس شعبة الدواجن بالاتحاد العام للغرف التجارية، بأن كمية البيض المستوردة من تركيا تعد ضئيلة جداً بالمقارنة مع الإنتاج المحلي الضخم، إذ تُقدر بنحو 30 مليون بيضة فقط، بينما يصل حجم إنتاج مصر من البيض إلى نحو 8.5 مليار بيضة سنوياً.
وأشار إلى أن هذه الخطوة ستسهم في تهدئة أسعار الكتاكيت وأمهات الدواجن، ومن ثم تحسين منظومة الدواجن بشكل عام؛ ما سيؤدي إلى تحقيق توازن في الأسعار ووصولها إلى مستويات عادلة.
وتوقع أن يشكل هذا التوجه تأثيراً إيجابياً على السوق المحلي، إذ سيعمل على تعزيز استقرار أسعار البيض بشكل يعكس التكلفة الحقيقية للإنتاج دون زيادات مبالغ فيها.