أوروبا تخرج من ظل الولايات المتحدة في 2025... إلى متى؟

في الأسابيع الستة الأولى من عام 2025، سجلت الأسهم الأوروبية أفضل أداء لها منذ عقد مقارنة بـ«وول ستريت»، ما أثار آمال بعضهم في إنهاء سنوات من الأداء الضعيف، لكن هذه الآمال قد تتبدد بفعل تحديات هيكلية طويلة الأمد.

ويستغل المستثمرون الفجوات الكبيرة في تقييمات الشركات، ويتهافتون على الأسهم الأوروبية، وسط ترقب لعوامل محفزة قد تجعل هذه الموجة الانتعاشية مختلفة عن سابقاتها، التي غالباً ما كانت قصيرة الأجل.

انتعاش قياسي في التدفقات الاستثمارية

في يناير، سجلت تدفقات الاستثمار في الأسهم الأوروبية ثاني أعلى مستوى لها خلال 25 عاماً، بينما تواصل المؤشرات الرئيسة تحقيق مستويات قياسية، متفوقة على نظيراتها الأميركية، ويترقب المستثمرون ما إذا كانت العوامل الاقتصادية والسياسية ستصطف أخيراً لصالح أوروبا.

وتشمل هذه العوامل احتمال أن تخفف ألمانيا سياستها المالية بعد الانتخابات المرتقبة هذا الشهر، وانحسار التوترات في أوكرانيا، وانخفاض الرسوم الجمركية الأميركية مقارنة بالمخاوف السابقة.

تراجع أسهم الذكاء الاصطناعي

شهدت أسهم الشركات الأميركية الكبرى في مجال الذكاء الاصطناعي تراجعات مؤخراً، مع ظهور منافسة قوية من شركات صينية أقل تكلفة، ويشير هذا الاتجاه إلى احتمال انتقال قيادة السوق إلى قطاعات أخرى كانت مهملة سابقاً، حيث تتمتع أوروبا بموقع قوي.

وقد أدت المكاسب التي حققتها الأسواق في فرانكفورت وزيورخ ولندن وميلانو وباريس منذ بداية العام إلى ارتفاع مؤشر «ستوكس 600» بنسبة تجاوزت 5.5%، مقارنة بارتفاع لم يتجاوز 2.7% لمؤشر «ستاندرد آند بورز 500» الأميركي.

تفاؤل رغم التحديات

يؤكد مارك هالبيرين، مدير المحافظ في «إدموند دي روتشيلد لإدارة الأصول»، تفاؤله بالأداء الأوروبي، مشيراً إلى أن معظم المستثمرين لا يزالون يقللون من وزن الأسهم الأوروبية في محافظهم.

ويضيف أن هناك توقعات بانتعاش المؤشرات الاقتصادية الرائدة، إضافة إلى احتمالات توقف كل من البنك المركزي الأوروبي والاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) عن خفض أسعار الفائدة، فضلاً عن إمكانية التوصل إلى وقف لإطلاق النار في أوكرانيا، ما قد يؤدي إلى خفض تكاليف الطاقة.

هل يستمر الزخم؟

تشير تحليلات شركة (SentimenTrader) إلى أن المؤشرات الفنية، مثل نسبة الأسهم المتقدمة مقابل المتراجعة ومتوسط الحركة لـ50 يوماً، وصلت إلى مستويات مرتفعة، ما قد يشير إلى استمرار المكاسب على مدى الأشهر الثلاثة المقبلة.

بدورها، ترى هيرتا ألافا، الاستراتيجية في «نورديا»، أن الأسهم الأوروبية قد تواصل تفوقها بفضل جاذبية التقييمات وتسارع نمو الأرباح، ما قد يقلص الفجوة مع نظيراتها الأميركية.

وبحسب بيانات (LSEG)، يتم تداول مؤشر «إم إس سي آي أوروبا» بخصم قياسي نسبته 37.5% مقارنة بمؤشر «إم إس سي آي الولايات المتحدة»، إذ تُسعّر الأسهم الأوروبية عند 14 ضعفاً للأرباح المتوقعة، مقارنة بمستويات أعلى بكثير للأسهم الأميركية.

هيمنة «وول ستريت» لا تزال قائمة

رغم هذا الانتعاش، فإن من غير المرجح أن تتمكن السوق الأوروبي من كسر هيمنة «وول ستريت» على المدى الطويل، فقد شهدت أوروبا فترات انتعاش متقطعة خلال العقود الأربعة الماضية، إلا أنها كانت قصيرة الأجل، خاصة بعد الأزمة المالية العالمية.

ويحذر ميكيلي مورغانتي، الخبير الاستراتيجي في «جنرالي إنفستمنتس»، من أن التحديات الهيكلية لا تزال قائمة، مشيراً إلى أن أوروبا تواجه عقبات مثل الاعتماد المحدود على مصادر الطاقة المحلية، وضعف الحوكمة، وتجزؤ أسواق الطاقة ورؤوس الأموال، بالإضافة إلى تباطؤ النمو السكاني وانخفاض الاستثمارات في التكنولوجيا.

ورغم التوقعات المتفائلة بارتفاع أرباح الشركات الأوروبية بنسبة 7.9% هذا العام، بعد تراجعها 3.9% في 2023، فإن نمو الأرباح في الولايات المتحدة لا يزال متقدماً، إذ يُتوقع أن يسجل 14.1%، مقابل أكثر من 10% العام الماضي، وقد تكون أوروبا قد خرجت مؤقتاً من ظل الولايات المتحدة في 2025، لكن استمرار هذه الطفرة يبقى رهناً بقدرتها على معالجة مشكلاتها الهيكلية وتحقيق نمو مستدام.