logo
مقالات الرأي

انعكاسات التوترات الجيوسياسية على أسواق السلع العالمية

انعكاسات التوترات الجيوسياسية على أسواق السلع العالمية
أحد أفراد قوات حرس الحدود البحرية الأوكرانية قرب سفينة شحن تخضع للتفتيش قبيل دخول ميناء في الجزء الشمالي الغربي من البحر الأسود، يوم 18 ديسمبر 2023المصدر: (أ ف ب)
تاريخ النشر:16 أغسطس 2024, 10:32 ص

تؤثر الأحداث الجيوسياسية بشكل كبير على سلاسل الإمداد العالمية، حيث ينتقل هذا التأثير ليشمل أسعار السلع، وبالتالي، كيفية تعامل المستثمرين مع إستراتيجيات الاستثمار الخاصة بهم.

ووفقاً لأحدث تقرير صادر عن مؤسسة "فيتش" للتصنيف الائتماني، أسهمت الحروب الدائرة في الشرق الأوسط وأوكرانيا، إضافة إلى الاستحقاقات الانتخابية في العديد من الدول، وارتفاع مستويات عدم اليقين التنظيمي المتعلقة بالموارد الطبيعية في مختلف الدول، في ارتفاع أسعار السلع. وأدت هذه العوامل مجتمعة إلى تقلبات كبيرة في أسعار السلع العالمية، الأمر الذي ينذر بخطر جسيم على المتداولين والمستثمرين. ونظراً إلى تركّز إنتاج السلع حول الموارد الطبيعية، فإن التقلبات الشديدة في الأسعار الناجمة عن التوترات الجيوسياسية، باتت أمراً محتملاً. ومن هنا، فإن البيئة الجيوسياسية قادرة على التأثير في مختلف جوانب قطاع السلع، بدءاً من أسعار النفط، ووصولاً إلى توافر المواد الخام الضرورية.

التأثير في أسواق النفط

نظراً لاعتماد العديد من الاقتصادات على إنتاج النفط وتجارته، يعدّ النفط سلعة عالمية بالغة الأهمية تستحق الرصد الدقيق. وباعتباره المصدر الأساس للطاقة لجميع الدول، فإن أسعار النفط تؤثر بشكل كبير في الناتج المحلي الإجمالي.

تعد سوق النفط الأكثر تأثراً بالتوترات الجيوسياسية، وغالباً ما تتسبب هذه التوترات باضطرابات في الإمدادات، ما يؤدي إلى ارتفاع حاد في الأسعار. وتجلى ذلك بوضوح في أزمة النفط العام 1973، عندما فرضت منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول "أوابك"، حظراً نفطياً على الولايات المتحدة ودول أخرى دعمت إسرائيل خلال حرب أكتوبر. أدى ذلك إلى تضاعف أسعار النفط 4 مرات، ما نتج عنه تضخم شديد، وركود اقتصادي، وانهيار أسواق الأسهم في العديد من الاقتصادات الغربية، كما سلط الضوء على هشاشة الاقتصادات المعتمدة على الطاقة، ودفع إلى التركيز على أمن الطاقة.

أخبار ذات صلة

مشتريات "بريكس" وعوامل جيوسياسية تقود موجة ارتفاع الذهب

مشتريات "بريكس" وعوامل جيوسياسية تقود موجة ارتفاع الذهب

 مع ذلك، فإن العلاقة طويلة الأمد بين التطورات الجيوسياسية وأسعار النفط ليست مباشرة. ففي الآونة الأخيرة، ذكر البنك المركزي الأوروبي أن غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير 2022، أدى إلى ارتفاع سعر خام برنت بنسبة تقارب 30% خلال الأسبوعين الأولين، إلا أنه عاد إلى مستويات ما قبل الغزو بعد نحو 8 أسابيع. وبالمثل، ارتفع سعر خام برنت بنحو 4% بعد اندلاع الصراع في غزة في 7 أكتوبر 2023، قبل أن يستقر بعد ذلك.

تؤثر المخاطر الجيوسياسية الناتجة عن الصراعات والإرهاب والقرصنة والهجمات الإلكترونية، بشكل مباشر في سلاسل التوريد العالمية والأعمال والتجارة. كما أظهرت الأبحاث أن الصراعات الجيوسياسية تهدد التعريفات الجمركية، وتغير حجم واتجاه تدفقات التجارة، أو تتسبب في ارتفاع سريع لأسعار الوقود، مما يؤدي إلى زعزعة استقرار حركة النقل.

انعكاسات على السلع الأساسية

تمثل الأحداث الجيوسياسية عاملاً حاسماً في تحديد مسار أسعار السلع الأساسية، إذ تتجاوز تأثيراتها النفط، لتشمل مجموعة واسعة من المنتجات. ونظراً لصعوبة استبدال استهلاك هذه السلع على المدى القصير، واعتماد العديد من الصناعات التحويلية والتكنولوجية عليها، فإن تداعيات عدم الاستقرار الجيوسياسي تكون بالغة الأثر.

تؤدي الصراعات المسلحة في المناطق الغنية بالمصادر الطبيعية إلى تعطيل سلاسل الإمداد بشكل كبير، ما يفاقم الندرة، ويزيد من تقلب الأسعار. وتُقدّم الأزمة المستمرة في أفريقيا مثالاً واضحاً على ذلك، حيث أثرت في إمدادات المعادن النفيسة المستخدمة في صناعة الإلكترونيات وغيرها من التطبيقات الصناعية.

أخبار ذات صلة

تكاليف الشحن البحري ترتفع 5 أضعاف في عام بسبب التوترات الجيوسياسية

تكاليف الشحن البحري ترتفع 5 أضعاف في عام بسبب التوترات الجيوسياسية

 كما يمتد تأثير التوترات الجيوسياسية إلى أنظمة الغذاء العالمية. فالأوضاع غير المستقرة الناتجة عن الصراعات تؤدي إلى تقلبات حادة في الأسعار. ويزداد الوضع سوءاً بتأثر واردات وصادرات الغذاء، ما يدفع بأسعار المواد الغذائية إلى الارتفاع، ويعمق أزمة تكلفة المعيشة العالمية. وقد تجلى ذلك بوضوح في الأزمة الناجمة عن الصراع الروسي الأوكراني، حيث أدى إلى شلل في إمدادات القمح وغيره من المنتجات الزراعية، ما تسبب في ارتفاع أسعار القمح بنسبة 50%، وأثار مخاوف بشأن الأمن الغذائي العالمي.

إستراتيجيات الاستثمار

تفرض البيئة الجيوسياسية المتقلبة والعصية على التوقع، تحديات كبيرة على المستثمرين، ما يستدعي اعتماد إستراتيجيات فعالة لتخفيف المخاطر. ومن أهم هذه الإستراتيجيات، تنويع المحفظة الاستثمارية، وهو ما أكده الحائز على جائزة "نوبل" في الاقتصاد، هاري ماركويتز، بقوله: "التنويع هو الاستثمار المجاني الوحيد".

يُسهم توزيع الاستثمارات على فئات الأصول والقطاعات والمناطق الجغرافية المختلفة، في تقليل التعرض لأي خطر مفرد. وبالتالي، فإن تأثير الأحداث الجيوسياسية الكبرى في أداء المستثمر، يتأثر بشكل أقل في حال امتلاك محفظة متنوعة.

تعد إدارة المخاطر باستخدام أدوات التحوط عنصراً أساسًا في إستراتيجيات الاستثمار. فالأدوات المالية، مثل الخيارات والعقود الآجلة والعقود المبادلة، توفّر حماية ضد تقلبات الأسعار، لا سيما في مجال مخاطر العملات المرتبطة بالأحداث الجيوسياسية. على سبيل المثال، يمكن للشركات استخدام العقود الآجلة للعملات لتثبيت أسعار الصرف، ما يحد من آثار التقلبات النقدية. تماماً كالتنويع، تهدف هذه الأدوات إلى تخفيف مخاطر تقلبات أسعار السوق الخارجية. ومع تزايد اهتمام المستثمرين بتأمين أسعار السلع الأساسية في أوقات انخفاض الأسواق، يبرز التركيز على الحد من التعرض للمخاطر، وهو ما توفره أدوات التحوّط مثل العقود الآجلة والعقود الخيارية.

الأصول الآمنة

كما يمكن للمستثمرين النظر في الاستثمار في الأصول الآمنة. تاريخياً، يعد الذهب أحد الأصول الآمنة خلال فترات عدم الاستقرار الجيوسياسي، إذ يوفر الاستثمار في الذهب أو المعادن الثمينة الأخرى، حماية ضد تقلبات السوق، بالإضافة إلى كونه تحوطاً ضد التضخم. وقد أسهم الوضع الآمن للذهب بشكل كبير في ارتفاع سعره مؤخراً، على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية. كما يمكن النظر في سندات الحكومات المستقرة، مثل سندات الخزانة الأميركية، والتي تعد بشكل عام استثمارات ذات مخاطر منخفضة خلال فترات التوتر الجيوسياسي.

يعتمد مديرو المخاطر المعاصرون أيضاً على تخطيط السيناريوهات، حيث يتم إجراء اختبارات الضغط لتقييم تأثير مختلف السيناريوهات الجيوسياسية المحتملة في الأعمال أو المحافظ الاستثمارية. يساعد هذا على تحديد نقاط الضعف، ووضع خطط طوارئ لمواجهة التحديات المختلفة.

من الضروري أن يتحلى المستثمرون بمنظور طويل الأجل، إذ إن تقلبات السوق قصيرة المدى تعد نتيجة طبيعية للتوترات الجيوسياسية. وبالتالي، فإن التركيز على الاتجاهات طويلة الأجل والمناطق المستقرة، يمكن أن يؤدي إلى تحقيق عوائد أكثر استقراراً.

يعد فهم تأثير التوترات الجيوسياسية على أسواق السلع العالمية، أمراً بالغ الأهمية لقطاعي الأعمال والمال. ويتطلب الأمر من المستثمرين متابعة الأحداث الجيوسياسية المتغيرة بسرعة واتخاذ إجراءات مرنة. فمن خلال تطبيق إستراتيجيات مثل التنويع، وإدارة المخاطر، والتركيز على الاستثمار طويل الأجل، يمكن للمستثمرين إدارة تحديات السوق، وحماية استثماراتهم.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC