تعمل البيانات بشكل متزايد على دفع القرارات التي تتخذها الحكومات والمؤسسات والشركات، مثل التخطيط الحضري، وتخصيص الموارد، وتوسيع السوق. ومع ارتباط أكثر من 80% من بيانات الشركات بالمواقع، أصبحت تقنيات نظم المعلومات الجغرافية، التي تسمح بتصور وتحليل وتفسير مجموعات البيانات الجغرافية الضخمة، ضرورية جداً.
تواصل السوق تطورها بسرعة كبيرة، وأصبحت حلول الخرائط التفاعلية والحلول الجغرافية المكانية والملاحية، أدوات رئيسة لتعزيز نمو السوق، حيث تساعد هذه التقنيات الشركات على تخصيص الموارد بشكل أفضل، مع زيادة الكفاءة والارتقاء بالأداء العام.
يُتوقع أن تنمو سوق نظم المعلومات الجغرافية العالمية من 12.9 مليار دولار في عام 2023 إلى ما يقارب 35.5 مليار دولار بحلول عام 2032، مدفوعةً بالتطبيقات الرائدة في مجال الزراعة والبناء والنقل والدفاع. وتعزز الاستثمارات الحكومية الكبيرة في المدن الذكية ومشاريع التحول الرقمي، هذا النمو، بينما تستفيد شركات التجارة الإلكترونية والاتصالات والخدمات اللوجستية والخدمات المصرفية وتكنولوجيا النقل وتكنولوجيا الأغذية، من الخرائط الرقمية، لتحسين عمليات اتخاذ القرار وتعزيز نجاحها.
إذاً، ما العناصر التي تحرّك سوق نظم المعلومات الجغرافية؟
في ما يأتي، بعض الرؤى والاتجاهات الرئيسة التي يُتوقع أن تعيد تشكيل السوق على مدى السنوات العشر المقبلة.
تشهد الأسواق الناشئة، وخصوصاً في منطقتي الشرق الأوسط وآسيا والمحيط الهادئ، توسعاً حضرياً سريعاً واستثمارات في البنية التحتية، مدفوعة بتبني التقنيات الرقمية والذكية. ويُتوقع أن تنمو سوق نظم المعلومات الجغرافية في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، بمعدل نمو سنوي مركب قوي يبلغ 15.1% حتى عام 2028، متجاوزةً بذلك المتوسط العالمي، بسبب التوسع الاقتصادي عبر قطاعات متعددة.
كما تشهد هذه المنطقة زيادة متسارعة في قطاعات توصيل الطعام والتجارة السريعة والتجزئة الإلكترونية، والتي تعتمد بدرجة كبيرة على حلول نظم المعلومات الجغرافية. ويعمل توافر المنتجات، المدعوم بمعلومات المواقع، على تحسين تخصيص الموارد لتلبية متطلبات المستهلكين، من خلال الخرائط التفاعلية وتكامل بيانات المؤسسات.
تؤدي تقنية نظم المعلومات الجغرافية دوراً حاسماً في التخطيط الحضري وتطوير المدن الذكية، وهما أمران في غاية الأهمية، لا سيما مع نمو عدد السكان في العالم. فعلى سبيل المثال، تهدف «خطة دبي الحضرية 2040» إلى إنشاء «مدينة الـ20 دقيقة» لتأمين احتياجات 55% على الأقل من السكان المتوقعين البالغ عددهم 7.8 مليون نسمة على بعد 800 متر من محطات النقل الجماعي بحلول عام 2040، وذلك بتسخير أحدث بيانات المواقع لاختيار المواقع بدقة وإدارة البنية التحتية والتخطيط الحضري.
تسخّر واجهات برمجة تطبيقات رسم الخرائط، الذكاء الاصطناعي، وتعلّم الآلة لتحليل واستخدام بيانات أجهزة إنترنت الأشياء وأجهزة تتبع نظام تحديد المواقع العالمي في الوقت الفعلي، لتحسين جودة البيانات الجغرافية، وتحديث الوقت المقدر للوصول. ونتيجة لذلك، تقلّص أنظمة المدن الذكية وقت التنقل إلى العمل بنسبة 15-20%، وتسرّع أوقات الاستجابة للطوارئ بنسبة 20-35%، بحسب بحث أجرته «ماكينزي آند كو».
هناك قطاعٌ آخر يتطلب بشكل متزايد حلول نظم المعلومات الجغرافية، وهو قطاع النقل، والذي يؤثر بشكل كبير على السوق من خلال حلول مختلفة مثل تخطيط الطرق، ونمذجة حركة المرور وتحليل الحوادث؛ ما يحسّن تدفق حركة المرور ويعزز السلامة على الطرق. كما تجدر الإشارة إلى أن استخدام القطاع الزراعي لنظم المعلومات الجغرافية يعدّ الأسرع نمواً، حيث تدعم نظم المعلومات الجغرافية الزراعة الدقيقة، وتحليل التربة والمغذيات، وتوقع غلة المحاصيل، والبيانات الهيدرولوجية؛ ما يعزز الكفاءة والاستدامة مع خفض التكاليف. وتمكّن الخرائط التفاعلية المزارعين من تحسين عملياتهم والتخفيف من المخاطر، وحماية كلّ من التجدّد الطبيعي ومصالح الشركات.
تسهم التطورات في مشهد نظم المعلومات الجغرافية المحمولة والحوسبة السحابية وتحليلات البيانات في الوقت الفعلي، في تعزيز وظائف نظم المعلومات الجغرافية وإمكانية الوصول إليها بشكل كبير. وتعتبر تطبيقات نظم المعلومات الجغرافية المحمولة مؤثرة بشكل خاص، لأنها تسمح بجمع وإدارة البيانات الجغرافية أثناء التنقل، وتحسين التعاون وكفاءة اتخاذ القرار. ويسهم دمج نظم المعلومات الجغرافية مع أنظمة إدارة علاقات العملاء وتخطيط موارد المؤسسات وإدارة الأصول المؤسسية، في تمكين تحليلات البيانات واتخاذ القرارات العملية الشاملة، رغم التحديات الناجمة عن تعقيد البيانات الجغرافية؛ ما يسهم بدوره في دفع النمو.
أصبحت مبادرات الاستدامة ضرورية، لا سيما مع تزايد تداعيات تغير المناخ. وتسهم واجهات برمجة التطبيقات في الخرائط المتقدمة، في تحسين طرق التوصيل باستخدام البيانات الماضية والبيانات الوقتية، ما يعزز من كفاءة استخدام الطاقة والوقت. ويضمن دمج حلول الخرائط المتقدمة والحلول الجغرافية والملاحية، سلاسة الخدمات اللوجستية، والحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون واستهلاك الوقود والتكاليف الإجمالية، ما يمكّن الشركات من تحقيق أهداف الاستدامة. كما تستفيد من ذلك الإستراتيجيات الحكومية، مثل هدف الإمارات العربية المتحدة لتحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050، والمملكة العربية السعودية بحلول عام 2060، وخصوصاً في قطاعات مثل النقل والصناعة، حيث يعزز التخطيط المتقدم للمسارات مستقبلاً أكثر خضرة مع فوائد بيئية واقتصادية كبيرة.
أخيراً، من الضروري تأكيد أهمية مواكبة أحدث اتجاهات نظم المعلومات الجغرافية ودمج حلول رسم الخرائط بشكل فعّال في البرامج، عبر القطاعين الخاص والعام، للمحافظة على القدرة التنافسية. ومع تزايد أهمية تكنولوجيا رسم الخرائط لمختلف القطاعات، ينبغي على الشركات والحكومات الاستفادة من هذه الابتكارات وتسخيرها، لتعزيز الكفاءة، وتخصيص الموارد بشكل أفضل، وتحقيق أهداف مستدامة، وضمان ميزة تنافسية.