بينما تترقب المنطقة مصير المحادثات النووية بين واشنطن وطهران، تجد بغداد نفسها في عين العاصفة، مرتبطة عضوياً بتقلبات العلاقة بين الطرفين، لا سيما في مجالي الطاقة والتجارة.
فنجاح المفاوضات أو فشلها لن يمر على العراق مرور الكرام، بل سيحمل تبعات مباشرة، قد تكون فرصاً وقد تكون أعباءً إضافية على اقتصاد لا يزال هشاً.
خبراء اقتصاد في بغداد تحدثوا لـ«إرم بزنس» يرون أن الاقتصاد العراقي سيتضرر حال فشل الاتفاق الأميركي الإيراني واحتمال تصعيد العقوبات والمواجهات بينهما.
وأشاروا إلى أنه في حال نجحت المفاوضات - وهذا الأقرب - سيتأثر العراق بأمر سلبي «مؤقت»، وهو انخفاض أسعار النفط التي تعتمد أكثر من 90% من ميزانية العراق على إيراداته، نظراً لعودة إيران لضخ كميات أكبر في سوق النفط، ما سيؤدي إلى تراجع الأسعار على المدى القريب، على أن تتجه في المدى المتوسط والبعيد نحو استقرار نسبي.
في المقابل، ستظهر تأثيرات إيجابية من الاتفاق على الاقتصاد العراقي، بحسب الخبراء، أهمها: تسهيل عملية استيراد الكهرباء والغاز من إيران بعد رفع المنع الأميركي، وهو ما من شأنه أن يخفف أزمة الطاقة في بغداد.
كما يُتوقع أن تتقلص الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي للدولار مقابل الدينار، بسبب تمكين العراق من تمويل التجارة الخارجية عبر القنوات المصرفية الرسمية.
وأجرت واشنطن وطهران جولتين من المفاوضات منذ 12 أبريل الحالي، أولاهما في مسقط، والثانية في روما، على أن تُعقد الجولة الثالثة السبت المقبل.
وتأتي هذه المباحثات تحت استراتيجية الضغوط القصوى التي تبناها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي أبدى انفتاحه على لقاء قادة إيران، عبر تشديد العقوبات ومحاولة تقليص صادرات نفط إيران إلى الصفر، وإلا فإن البديل سيكون التصعيد العسكري.
وقبل هذه المفاوضات بنحو شهر، أبلغت واشنطن العراق، الذي يعتمد في تأمين ثلث احتياجاته من الطاقة على إيران، بوقف الإعفاءات التي كانت تمنحها له منذ 2018 لاستيراد الغاز والكهرباء، ما يهدد بحدوث نقص كبير في الطاقة، خاصة أن بغداد تعتمد على 50 مليون قدم مكعب من الغاز الإيراني يومياً، وفق تقديرات الحكومة.
ويُغذي هذا الغاز نحو 40% من منظومة محطات التوليد العراقية، لتوفير ما يقارب 6 آلاف ميغاواط من الكهرباء.
ويبلغ الطلب على الكهرباء في ذروة الصيف نحو 40 ألف ميغاواط، بينما لا تتجاوز القدرة الإنتاجية للعراق 27 ألف ميغاواط، ما يدفعه سنوياً لاستيراد الغاز والكهرباء من إيران، وهي عمليات متوقفة حالياً.
ويرى عضو الهيئة العامة لمجلس القطاع الخاص، اتحاد رجال الأعمال العراقيين، عبدالحسن الزيادي، في حديث لـ«إرم بزنس» أن أي تهدئة بين واشنطن وطهران ستؤثر بشكل مباشر على اقتصادات المنطقة، وفي مقدمتها العراق.
ويتوقع أن تؤدي التهدئة إلى تنمية وتنافس وحلول لأزمات مزمنة، خصوصاً أن بغداد تملك فرصاً جيدة لجذب الاستثمارات وتنفيذ المشاريع.
من جانبه، يرى أستاذ الاقتصاد في جامعة البصرة، نبيل المرسومي، أن هناك مؤشرات على تقدم في المفاوضات، ما انعكس بشكل فوري على السوق العراقية، إذ شهد سعر صرف الدولار انخفاضاً من 1500 إلى 1450 ديناراً مقابل الدينار العراقي، وهو تحسن مهم.
ويُرجع المرسومي هذا الانفراج إلى التفاؤل بمخرجات المباحثات، ما خفّف الضغط على السوق الموازية التي يعتمد عليها التجار في تمويل تجارة تقدر بـ12 مليار دولار سنوياً مع إيران، نظراً لتعذّر الدفع عبر القنوات الرسمية بسبب العقوبات الأميركية.
وإذا ما تحقق الاتفاق، فإن تمويل التجارة من خلال القنوات المصرفية سيُقلل الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي ويعزز من قيمة الدينار.
ويضيف أن الاتفاق المحتمل سيسمح برفع العقوبات الأميركية عن إيران، ما يُمكّن العراق من تسديد قيمة الغاز والكهرباء المستوردين بالدولار عبر القنوات الرسمية، وبالتالي تقليص أزمة الطاقة المزمنة التي تواجهها البلاد.
وكانت وزارة الكهرباء العراقية أعلنت في أبريل 2023 أن حجم الإنفاق السنوي لاستيراد الغاز الإيراني أو الغاز من إقليم كردستان العراق يبلغ نحو 8 تريليونات دينار، ما يعادل 6 مليارات دولار أميركي.
لكن المرسومي حذّر من تأثير سلبي محتمل للاتفاق يتمثل في عودة صادرات النفط الإيرانية إلى السوق العالمية، وهو ما سيؤدي إلى انخفاض أسعار النفط، خصوصاً في المدى القصير، نظراً لامتلاك إيران مخزوناً كبيراً يمكنها ضخه بسرعة، يُقدّر بأكثر من 20 مليار برميل، إلى جانب رفع إنتاجها نصف مليون برميل إضافي يومياً، ما قد ينعكس سلباً على العراق.
ويتوقع المرسومي أن تسجل أسعار النفط مستويات منخفضة تصل إلى 40 أو 50 دولاراً، وربما ترتفع لاحقاً إلى نحو 55 دولاراً مع تعافٍ جزئي في الأسواق.
لكنه يرى أن هذه الأسعار تبقى أقل بكثير مما يحتاجه العراق لتحقيق التوازن في موازنته العامة، إذ تحتاج بغداد إلى سعر لا يقل عن 92 دولاراً للبرميل لتغطية نفقاتها، أو 80 دولاراً على الأقل لتسديد التزاماتها المالية.
وينتج العراق حالياً نحو 4 ملايين برميل من النفط يومياً، أي ما يزيد على 1.4 مليار برميل سنوياً، وتشكل العائدات النفطية أكثر من 90% من الإنفاق الحكومي، وقد حققت الإيرادات نحو 90 مليار دولار في 2024.
لكن الأسعار الحالية متقلبة وتتراوح بين 64 و66 دولاراً، أي أقل بـ4 إلى 6 دولارات من السعر المعتمد في موازنة البلاد.
وتراجعت الأسعار 2% في جلسة الخميس، بعدما أفادت «رويترز» بأن العديد من أعضاء «أوبك+» سيقترحون تسريع وتيرة زيادة الإنتاج في يونيو المقبل، ما يزيد الضغوط على السوق.
وبحسب تقديرات بنك «غولدمان ساكس»، من المتوقع أن يبلغ سعر خام برنت 62 دولاراً للبرميل، وخام غرب تكساس الوسيط 58 دولاراً بحلول ديسمبر 2025، قبل أن ينخفضا إلى 55 و51 دولاراً على الترتيب في عام 2026.
وفي خضم هذا الترقب، يبقى مستقبل العراق الاقتصادي معلقاً ليس فقط على مخرجات التفاوض بين واشنطن وطهران، بل على قدرته في تحويل الأزمات إلى فرص حقيقية، وبناء سياسات مالية واقتصادية تتجاوز ارتهانه لعائدات النفط، وتنقل البلاد نحو تنويع مستدام يحصنه من تقلبات الإقليم والعالم.