يبدو أن رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول يستشعر مشاكل سياسية في الأفق. في تصريحات هذا الأسبوع، أصر بأول أن بنك الاحتياطي الفيدرالي يجب مواصلة حربه ضد التضخم بغض النظر عن التداعيات على البطالة والنمو.
يأتي تصريح بأول ردًا على تصرف أعضاء ديمقراطيين في الكونغرس من بينهم شيرود براون وإليزابيث وارين وماكسين ووترز، الذين يدركوا تمامًا أن طريقة باول لمحاربة التضخم ستدفع الاقتصاد إلى الركود رغم عدم اعتراف باول بذلك وسط تخوف الديمقراطيين المسيطرين على مجلسي الشيوخ والبيت الأبيض من معاقبتهم بصندوق الاقتراع على ذلك الانكماش في 2024.
اسمحوا لي أن أبدي ملاحظة مذهلة وهي أن للديمقراطيين وجهة نظر.
حتى يبدو الأمر واضحاً، اقرأ مقال نيل كشكاري، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في مينيابوليس وأحد أكثر حمائم الاحتياطي الفيدرالي وضوحًا، المنشور على موقع Medium الأسبوع الماضي، والذي يأسف على ما حدث.
كتب كاشكاري رأيه في 2021 بأن التضخم المتسارع في ذلك الوقت سوف ينحسر دون تدخل بنك الاحتياطي الفيدرالي: "التزمت بقوة برأي التضخم المؤقت لكن الكثيرين منا ارتكبوا نفس الأخطاء من مفاجآتهم عندما ارتفع التضخم وافتراض أن التضخم سينخفض بسرعة، كيف لم نتفهم ذلك؟ "
توصل كشكاري إلى تفسير قياساً على ارتفاع الأسعار في خدمات النقل التشاركي مثل "أوبر" أو "ليفت"، التي شهدتها خلال العامين الماضيين بما تعكسه من التجربة الفكرية لكشكاري قائلاً: "الأسعار ترتفع فتزيد أرباح الشركات فيزداد دخل السائقين لكن بقدر أقل، أي أن الأجور الحقيقية تنخفض في الواقع. ورغم ارتفاع دخل العمال لكن حصتهم في الدخل تنخفض" وأضاف: "هناك محدودية في أسواق العمل قابلها قيود على رأس المال بسبب نقص العرض".
لكن رأي كشكاري افتقد أمرين يعتقد بنك الاحتياطي الفيدرالي منذ فترة طويلة أنهما يسببان التضخم وهما محدودية سوق العمل المتشدد وتوقعات الشركات والأسر الخاصة بالتضخم المرتفع في المستقبل. تتمسك الأغلبية في الاحتياطي الفيدرالي ومعظم البنوك المركزية وأقسام الاقتصاد بالجامعة بمنحنى فيليبس الذي يفترض ارتباط ارتفاع التضخم بالأجور المرتفعة بسوق العمل الساخن، في حين أن سوق العمل المتراخي (الذي يعكس التباطؤ الاقتصادي) هو علاج للتضخم.
العديد من النقاشات منذ سبعينيات القرن الماضي اتهمت منحنى فيليبس، بدءًا من عصر الركود التضخمي إلى الاعتدال العظيم عندما أعلن بنك الاحتياطي الفيدرالي عن دهشته بكيفية انخفاض معدلات البطالة دون إحداث تضخم. وحتى مع نجاح السياسات المستندة إلى منحنى فيليبس رغم عدم تحقيق استقرار أسعار المستهلكين، حيث كانت النتيجة تميل إلى الدورات الاقتصادية من الانهيارات المالية عقب طفرات أسعار الأصول.
في الوقت نفسه، أرجعت الأغلبية في بنك الاحتياطي الفيدرالي أي أحداث لم يتوقعها النموذج إلى حادث أو سوء حظ، أي "الصدمات" أو "الرياح المعاكسة".
أدى هذا إلى إعفاء البنك المركزي من المسؤولية عن النتائج السلبية. الأزمة المالية مثلاً يجب ألا تكون ناتجة عن سوء تخصيص رأس المال بسبب السياسة النقدية السيئة، بل يجب أن تكون ناتجة عن "نيزك قادم من مكان غير معلوم"، على حد تعبير أحد المخضرمين من مراقبي البنوك المركزية.
إذا كان كشكاري يريد إعادة التفكير، فأن تأتي متأخراً خيراً من ألا تأتي. يشير تلميح كشكاري لنقص رأس المال من الآلات الإنتاجية وليس الأموال، إلى طريقة مختلفة تمامًا في التفكير حول أسباب التضخم وعلاجه. فنظريته ليست كاملة ولا جديدة، لكن كاشكاري يلمح على الأقل إلى أن الاحتياطي الفيدرالي يحتاج إلى نموذج اقتصادي بديل لا يلقي باللوم على التضخم فقط في الحرب أو تفشي الفيروسات ولا يصلح الموقف بإحداث بطالة.
المشكلة أنه حتى مع المسؤولية المحدودة لكاشكاري وعدم التأثير في مجلس الاحتياطي الفيدرالي، لكنه وعد بالدفاع نسبياً عن الديمقراطيين في الكونغرس. وبينما حاول كاشكاري وآخرون تحليل الموقف في 2021، يضع الاحتياطي الفيدرالي السياسة اليوم عقب الفشل في الحد من التضخم، ويطلب منا باول (الذي لم ينتخبه أحد) قبول نتائج نماذج غير منطقية يتبعها لاحتياطي الفيدرالي تؤدي إلى تباطؤ اقتصادي مؤلم من المحتمل أن يسارع برحيله.
ولا يجب أن نفترض جنون السياسي (المنتخب) لمجرد اعتقاده أن ذلك جنوناً.
لا أبدي رأي بشأن رفع أسعار الفائدة أو ضرورة تقليص الميزانية العمومية للاحتياطي الفيدرالي. وبتحليل طفيف، يبدو أن سياسات التيسير السابقة للبنوك المركزية أدت إلى التضخم، وتلك ملاحظة بشأن الاستقلال المؤسسي الذي يكافح باول للحفاظ عليه.
من السهل الحفاظ على ثقة الرأي العام التي يسعى الاحتياطي الفيدرالي لتحقيقها بإثبات أنه يعرف ما يفعل. وليس بخطاب بأول الرافض للتدخل السياسي، ولكن قد يكون هناك فهم أوضح للاقتصاد.
المصدر: وول ستريت جورنال