عندما يضطر البنك المركزي لرفع أسعار الفائدة بغرض محاربة التضخم تشهد تكلفة الاقتراض للحكومة ارتفاعًا بسبب ارتفاع أسعار الفائدة السوقية. يعني هذا الارتفاع في أسعار الفائدة أن الحكومة ستضطر إلى تخصيص مزيد من الموارد لخدمة ديونها، ما يولد عجزًا ماليًا أكبر. فما الوضع في الأردن من خلال قراءة أرقام مشروع موازنة عام 2024 مقارنة مع موازنة 2023؟
تشير بيانات مشروع موازنة 2024 التي أقرتها الحكومة قبل أيام ورفعتها إلى البرلمان لمناقشتها وإقرارها، إلى أن هناك نمواً كبيراً وملحوظا في بند فوائد الدين العام الظاهر في جانب النفقات الجارية للموازنة بلغت نسبته 25.6% عام 2024 مقارنة مع موازنة عام 2023، حيث نمت فوائد الدين العام من 1577 مليون دينار عام 2023 إلى 1980 مليون دينار في مشروع موازنة عام 2024. وهذا ناجم بشكل أساسي عن نمو حجم الدين العام وارتفاع معدلات الفائدة على الدين العام خلال السنتين الأخيرتين 2022 و2023 بسبب رفع البنوك المركزية أسعار الفائدة التي انعكست على أسعار الفائدة السوقية المحلية والخارجية. فقد ارتفعت أعباء فوائد الدين على الموازنة العامة بقيمة 403 ملايين دينار عام 2024 مقارنة مع عام 2023 وهذا يعادل 3.3% من حجم الموازنة العامة للعام 2024. وكان بالإمكان أن يتم تخصيص هذا المبلغ لأغراض المشاريع الرأسمالية أو لدعم الجامعات الحكومية على سبيل المثال، التي تحتاج إلى مبالغ ضخمة لإعادة بناء البنية التحتية لها.
علاوة على ذلك فقد ارتفع العجز في الموازنة العامة بنسبة 11.1% وفقاً لمشروع موازنة 2024 مقارنة مع موازنة 2023، أو بما قيمته 206.2 مليون دينار.
من الناحية العملية، تواجه الحكومة خيارات عدة لتغطية العجز المالي الناجم عن ارتفاع تكاليف الاقتراض، كل منها يترك بصمته الخاصة على الاقتصاد. أحد السبل هو رفع الضرائب، الذي لم تلجأ إليه الحكومة بشكل مباشر. ومن المعلوم أن هذا الخيار يمكن أن يعوق الإنفاق الاستهلاكي للمستهلكين واستثمارات الشركات، مما قد يضر بالنمو الاقتصادي. بدلاً من ذلك، قد تختار الحكومة خفض الإنفاق، وهذا الخيار قد يعوق الخدمات العامة وتطوير البنية التحتية. وقد انعكس ذلك بالأرقام على الارتفاع الطفيف للنفقات الرأسمالية بقيمة 138 مليون دينار فقط أو ما نسبته 8.7%.
هناك آلية أخرى للتخفيف من عبء الدين العام وهي الاعتماد على التضخم، حيث يمكن للحكومات أن تتجه إلى السماح بمستوى مراقب من التضخم لتآكل القيمة الحقيقية للدين. ومع ذلك، يأتي هذا الأمر بمخاطر تأثير استقرار الأسعار وتآكل القدرة الشرائية للمواطنين، ونظراً لأن الهدف العام للسياسة الحكومية يجب أن يتوافق مع هدف البنك المركزي في مكافحة التضخم، فلم تلجأ الحكومة لآلية التضخم وبالعكس فقط قامت الحكومة بامتصاص جزء من الارتفاعات في الأسعار في الفترة الأولى من عام 2022 للتخفيف على المواطنين عندما تحملت تكلفة الارتفاعات في أسعار المشتقات النفطية لعدة أشهر.
من الواضح أن السيناريو الذي تم اختياره هو أن يتم تمويل العجز المالي من خلال تأجيل العبء إلى المستقبل، متراكمًا دينًا على الأجيال القادمة.
نصل إلى نتيجة فحواها أن الآثار الهائلة لرفع أسعار الفائدة ترتبط بشكل معقد بمتى وكيف تقوم الحكومة بتعويض هذا العجز المالي، فيمكن أن تخفف التدابير المالية الفعّالة والمناسبة من التأثيرات السلبية، في حين قد تزيد تأخيرات الاستجابة الحكومية من تحديات الاقتصاد الكلي.
في الختام، تكون بصمات السياسة النقدية المالية معقدة وتمتد بعيدًا. لذا، فإن فهم الديناميات المترابطة بين رفع أسعار الفائدة واستجابات الحكومة المالية، وتأثيراتها المتنوعة على الأسر، أمر ضروري لصانعي السياسات لمواجهة تعقيدات إدارة الاقتصاد. القرارات المتخذة في أعقاب تعديلات أسعار الفائدة قد تترك بصمات دائمة على الرفاهية المالية للدول ومواطنيها، مما يبرز الاتزان الدقيق المطلوب في توجيه مسار السياستين المالية والنقدية.