يواصل مشهد قطاع الخدمات اللوجستية في دول مجلس التعاون التطور والتحول، حيث تلعب تقنيات الأتمتة دوراً متزايد الأهمية في إعادة تشكيل الطريقة التي تتم بها عمليات المستودعات.
وفي حين بادرت العديد من الشركات بدمج شكل أو آخر من الأتمتة في مستودعاتها بمستويات مختلفة، بما في ذلك استخدام الروبوتات لتنفيذ طيف من المهام مثل اختيار وتتبع المخزون، تظل الرقابة البشرية ضرورية لاتخاذ القرار والتعامل مع المواقف الأكثر تعقيداً أو المواقف غير المتوقعة.
ومع هذا، تدفع الإنجازات الأخيرة في مجال الذكاء الاصطناعي والروبوتات القطاع نحو تبنّي منظومة المستودعات المؤتمتة بالكامل.
تشير التوقعات إلى أنّ سوق الخدمات اللوجستية وأتمتة المستودعات في المنطقة سيصل إلى 1.6 مليار دولار أميركي بحلول عام 2025، مدفوعاً إلى حد كبير باعتماد تقنيات الأتمتة على نطاق واسع.
تأتي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في طليعة هذا التحول، حيث تستثمر الدولتان في مراكز لوجستية متخصصة. كما أنّ الازدهار المتزايد الذي تشهده التجارة الإلكترونية والطلب على أوقات أسرع للتوصيل تحفز الشركات على تبني أنظمة آلية متقدمة لتظل قادرة على المنافسة في هذا المشهد المتطور.
مع توقع تجاوز التجارة الإلكترونية في المنطقة 57 مليار دولار أميركي بحلول عام 2026، يتزايد الطلب على تواجد بنية أساسية قوية للمستودعات. يتم استخدام الأنظمة الروبوتية، مثل الأذرع الروبوتية والروبوتات المتنقلة والمركبات الموجهة آلياً، بشكل متزايد للتعامل مع مجموعة من المهام مثل الفرز والاختيار والتنفيذ. كما يساهم الارتفاع في توقعات المستهلكين للتوصيل السريع بدفع الشركات إلى الاستثمار في بنية أساسية قابلة للتكيف وتسخّر الأتمتة لمواكبة السوق.
لقد أدت التطورات الأخيرة في تعلم الآلة والرؤية الحاسوبية وتكنولوجيا الاستشعار إلى تحسين القدرات الروبوتية بشكل كبير. الآن، أصبح بإمكان هذه الأنظمة التنقل في البيئات المعقدة بدقة أكبر. علاوة على ذلك، أدى دمج الذكاء الاصطناعي في أنظمة إدارة المستودعات إلى تعزيز عمليات صنع القرار وتحسين التحكم في المخزون وتمكين التحليلات التنبؤية. تعمل هذه التطورات على تقليل التكاليف التشغيلية وتحسين جودة الخدمة وتعزيز القدرة على إدارة المخزون بكفاءة أكثر.
على الرغم من هذه التطورات، لا تزال هناك عقبات تعيق الجهود لتنفيذ مستودعات مؤتمتة بالكامل. تتمثل إحدى العقبات الرئيسية في تحسين مرونة ومهارة الروبوتات للتعامل مع المواقف غير المتوقعة أو المهام المعقدة. ستحتاج أنظمة الذكاء الاصطناعي إلى التعلم والتكيف باستمرار وبشكل لحظي لتعزيز دقة الروبوتات والتواصل بين الآلات لضمان سلاسة العمليات. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي مراعاة الاعتبارات التنظيمية والسلامة والأخلاقية لتعزيز الثقة وضمان الاستخدام المسؤول لهذه التقنيات.
تواصل أنظمة الذكاء الاصطناعي التعلم باستمرار، مما يشكل نقطة محورية لإطلاق العنان لإمكانات المستودعات المؤتمتة بالكامل. تتعلم الروبوتات من التجارب السابقة، مما يجعلها قادرة على صقل مهاراتها والتعرف على الأنماط واتخاذ القرارات مباشرة وبأقل قدر من المدخلات الخارجية. يأتي هذا التحول نحو قدر أكبر من الاستقلالية مدفوعاً بالنمو السريع لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في جميع أنحاء الشرق الأوسط، حيث من المتوقع أن يساهم الذكاء الاصطناعي بمبلغ 320 مليار دولار أمريكي في الاقتصاد بحلول عام 2030.
تعمل تقنيات التعلم الذاتي، مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي، على تقليل وقت التوقف عن العمل في المستودعات؛ مما يسمح للروبوتات بالعمل بكفاءة واستقلالية أكثر.
هناك مزايا مختلفة للمستودعات المؤتمتة بالكامل، مثل خفض التكاليف التشغيلية، وتعزيز الكفاءة، وتعزيز سلامة مكان العمل من خلال الحد من مشاركة البشر في المهام عالية المخاطر. تسرّع الأتمتة من أوقات معالجة الطلبات، وتعمل على تبسيط العمليات وتحسين الأداء العام. شهدت الشركات التي بادرت بتبنّي أنظمة سلسلة التوريد التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي انخفاضاً يصل إلى 15% في تكاليف الخدمات اللوجستية.
كما تمكن هذه الحلول المرنة والقابلة للتطوير الشركات من إدارة متطلبات العمالة المتقلبة بشكل أفضل وتحسين دقة الطلبات، مع تلبية الطلب المتزايد من المستهلكين على عمليات توصيل أسرع.
أصبح مفهوم المستودع المؤتمت بالكامل على وشك أن يصبح واقعاً ملموساً. في المستقبل القريب، ستتولى الروبوتات التعامل مع مجموعة واسعة من المهام، مثل فرز البضائع واختيارها ونقلها، بينما ستشرف أنظمة الذكاء الاصطناعي على القرارات التشغيلية الأوسع نطاقاً. بحلول عام 2025، من المتوقع أن يكون هناك أكثر من 4 ملايين روبوت قيد الاستخدام في أكثر من 50 ألف مستودع على مستوى العالم، ومن المتوقع أن تتعامل هذه الروبوتات مع ما يصل إلى 50% من طلبات التجارة الإلكترونية؛ مما سيساعد الشركات على تقليل أوقات التنفيذ وتحسين رضا العملاء.
لقد حوّل التقدم السريع في تقنيات الذكاء الاصطناعي والروبوتات والأتمتة المستودعات المؤتمتة بالكامل من كونها مجرّد حلم طموح إلى خيار قابل للتطبيق. سترتقي الشركات التي تتبنى هذا التحول بكفاءتها التشغيلية وربحيتها ومستوى السلامة في مستودعاتها. ومن ناحية أخرى، يخاطر الذين يؤخرون أو يقاومون هذه التغييرات بالتخلف عن الركب في هذا السوق التنافسي، حيث تعجز العمليات اليدوية عن مواكبة متطلبات السوق. ومع تبني المزيد من الشركات لحلول الأتمتة، أصبحت المستودعات التي تتطلب الحد الأدنى من التدخل البشري قريبة المنال بشكل متزايد.