في 7 أبريل 2025، اتخذت الكويت خطوة جديدة نحو تحقيق حلم طال انتظاره، بتوقيع الهيئة العامة للطرق والنقل البري عقداً بقيمة 8.15 مليون دولار مع شركة "برويابي" التركية لتصميم سكة حديد بطول 111 كيلومتراً، تربط العاصمة الكويتية بمنفذ نويصيب على الحدود السعودية.
يُعد هذا العقد أول تحرك فعلي للكويت ضمن مشروع سكة حديد دول مجلس التعاون الخليجي، البالغ طوله الإجمالي 2177 كيلومتراً، والذي يهدف إلى ربط دول الخليج الست ببعضها البعض، وهي: الكويت، والسعودية، والإمارات، وقطر، وعُمان، والبحرين.
تعتمد دول الخليج اليوم على الطرق البرية في نقل ما يقارب 90% من بضائعها، ما يجعل التحوّل إلى شبكة سكك حديدية خطوة جريئة وطموحة، رغم التحديات المالية والإقليمية المتعددة، والتأثيرات المستجدة من السياسات التجارية العالمية.
فمنذ انطلاق الحديث عن هذا المشروع في 2009، ظلّ الحلم مؤجلاً رغم الإدراك الجماعي لأهميته في تحقيق التكامل الاقتصادي. في الكويت، يُعد خط السكة الحديد جزءاً من "رؤية الكويت 2035"، وسيرتبط بالشبكة السعودية التي تمتد حالياً لـ1400 كيلومتر، والتي شهدت نقل أكثر من 2.28 مليون راكب في الربع الثالث من 2023، بزيادة 15% عن العام السابق.
أما في الإمارات، فقد نقلت "اتحاد للقطارات" نحو 7 ملايين طن من البضائع خلال 2024، ما يُبرز الإمكانات الكامنة للسكك الحديدية في المنطقة. ومن المقرر أن تكتمل سكة الكويت بحلول ديسمبر 2030، بعد انتهاء مرحلة التصميم في 2026.
التكلفة لا تزال محل نقاش، إذ تقدر الكلفة الإجمالية للمشروع الخليجي بنحو 15.5 مليار دولار، بينما تشير تقديرات أخرى إلى أرقام تصل إلى 250 مليار دولار، وهي أرقام تُعد مبالغاً فيها في ظل ميزانيات الخليج الحالية. وتُقدّر حصة الكويت من المشروع بـ1.2 مليار دولار، أي نحو 3% فقط من ميزانيتها السنوية البالغة 43 مليار دولار، والتي تعتمد بنسبة 90% على عائدات النفط.
ومع تقلب أسعار النفط، فإن الاعتماد على التمويل الحكومي وحده يشكل مخاطرة، ما يدفع الكويت للتفكير في الشراكات بين القطاعين العام والخاص كمصدر بديل.
في 2 أبريل 2025، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض تعريفات جمركية جديدة بنسبة 10% على الواردات جميعها، إلى جانب رسوم إضافية على بعض الشركاء الرئيسين، ما أثار اضطراباً في الأسواق العالمية، ودفع بأسعار النفط للتراجع. حتى 7 أبريل، تراجع سعر خام برنت إلى 69.54 دولار للبرميل، متأثراً بمخاوف التجارة وزيادة إنتاج تحالف أوبك+.
ورغم أن النفط الخليجي لا يخضع لتلك التعريفات مباشرة، إلا أن الانخفاض في الطلب العالمي المحتمل يضع ضغوطاً إضافية على اقتصادات الخليج، ويهدد بعرقلة تمويل المشاريع الكبرى، وعلى رأسها السكك الحديدية.
سجّل اقتصاد الخليج نمواً بنسبة 1.6% في 2024، بحسب البنك الدولي، وهو أقل من التوقعات السابقة البالغة 2.8%، نتيجة خفض إنتاج النفط. أما الكويت، فحققت نمواً ضعيفاً بلغ 0.7%، مقارنة بـ2.1% في قطر و3.9% في الإمارات. لكن اللافت أن القطاعات غير النفطية نمت بنسبة 3.7%، مدعومة بالسياحة والتجارة.
وبينما بلغت التجارة البينية في الخليج 110 مليارات دولار عام 2023، فإنها لا تزال تمثل 13.7% فقط من صادرات المنطقة، مقابل 89% في الاتحاد الأوروبي، وهو فارق كبير يعكس الحاجة إلى تحسين الترابط الإقليمي، وهو ما قد تحققه شبكة السكك الحديدية من خلال خفض تكاليف اللوجستيات، التي تصل إلى 20% من تكلفة المنتجات في بعض الحالات.
في الكويت، تشكل تكاليف النقل نحو 12% من الناتج المحلي الإجمالي، والربط بالسعودية قد يقلص زمن الرحلة إلى الرياض، التي تستقبل حوالي 20% من واردات الكويت.
تأتي هذه الجهود في إطار خطط التنويع الاقتصادي في الخليج، حيث تهدف السعودية إلى استقبال 150 مليون سائح سنوياً بحلول 2030، مقارنة بـ100 مليون في 2023، وهي أهداف تعتمد جزئياً على تطوير البنية التحتية للنقل. كما يسعى ميناء الدقم في عُمان، المرتبط بالشبكة الخليجية، إلى تعزيز التجارة مع الهند عبر "ممر الشرق الأوسط-أوروبا".
رغم التقدم في بعض الدول، إلا أن مشروع السكك في الكويت تأخر طويلاً؛ بسبب مشكلات داخلية، منها حلّ البرلمان في مايو 2024، الذي أوقف عدة إصلاحات، إلى جانب نزاعات الأراضي حول مناطق زراعية ونفطية.
وتحتل الكويت المرتبة 83 عالمياً في سهولة ممارسة الأعمال (تقرير البنك الدولي 2020)، مقارنة بالإمارات في المرتبة 16، ما يُضعف من جاذبية السوق للمستثمرين. ويضاف إلى ذلك الاعتماد الكبير على النفط، وعجز الميزانية المزمن، ما يحد من المرونة المالية.
وفي المقابل، تمضي السعودية والإمارات بخطى أسرع، حيث تقترب السعودية من استكمال شبكة بطول 695 كيلومتراً، فيما تمتد شبكة الإمارات إلى 684 كيلومتراً. أما مشروع "هيفت ريل" بين عُمان والإمارات، فقد حصل على تمويل قدره 1.5 مليار دولار في 2024، بينما لا تزال الكويت وقطر والبحرين في مراحل مبكرة جداً.
التحرك الكويتي أثار تفاعلاً واسعاً على وسائل التواصل، حيث عبّر كثيرون عن فخرهم بهذه الخطوة نحو "خليج واحد، سكة واحدة". إذ يرى المواطنون فيها رمزاً للتكامل وسهولة التنقل بين الدول، سواء للحجاج أم السياح أم رجال الأعمال.
لكن في المقابل، فإن الديون الخليجية المتزايدة، والتي يُتوقع أن تقترب من تريليون دولار بحلول 2025، تشكل عبئاً إضافياً. وتُقدر حصة الكويت منها بـ40 مليار دولار، ما يجعل الشراكات بين القطاعين العام والخاص خياراً لا غنى عنه، خاصة وأن هذه الشراكات تشكل نحو 25% من مشاريع البنية التحتية في المنطقة، بحسب بعض التقديرات.
مشروع سكة الحديد في الكويت ليس أكثر من ترس في آلة خليجية ضخمة، تهدف إلى تعزيز التجارة والتكامل الاقتصادي وخلق فرص العمل. لكن نجاح هذا المشروع يتوقف على التعاون الفعّال بين الدول الست، والقدرة على تجاوز التحديات السياسية والمالية.
في الوقت الراهن، السعودية والإمارات تقودان المسار، وعلى الكويت وبقية الدول اللحاق بالركب. فالمخططات جاهزة، لكن القطار لا يزال بانتظار القضبان.