ويتجه العملاء ممن يرغبون بالتواجد في لندن بشكل متزايد، نحو خيار الإسكان المرن مع الحد الأدنى من الالتزام، بدلاً من الشراء ودفع الضرائب العالية، في سوق شبه متوقف، ونتيجة لذلك، تتصاعد الإيجارات.
ووجد محلل أسعار المنازل LonRes، أن متوسط الإيجارات في لندن ارتفع بنسبة 3.5%، بين ديسمبر 2022 وديسمبر 2023. ويبلغ متوسط الإيجارات الآن 29% أعلى من مستويات ما قبل الوباء، التي تم تحقيقها خلال الفترة من 2017 إلى 2019.
كما وجد بحث منفصل أجرته شركة Beauchamp Estates العقارية، أنه تم تأجير 63 منزلاً في لندن مقابل 6370 دولاراً أو أكثر في الأسبوع - حوالي 330 ألف دولار سنوياً - بين يناير ويونيو 2023.
وقال ليام موناغان، المدير الإداري لشركة London Central Portfolio، إن العديد من المستأجرين الرئيسيين لديه، يعيشون أسلوب حياة يعتمد على التنقل كثيراً حول العالم، ومن بينهم لاعبو كرة قدم وممثلون ومنتجو أفلام، ورجال أعمال في مجال التكنولوجيا.
ويضيف موناغان: "إنهم قادرون على شراء هذه العقارات، ولكن ربما يكونون ملتزمون بعقد قصير الأجل، أو يقومون بتنمية أعمالهم التجارية، وقد حصلوا على الكثير من الثروة بسرعة كبيرة، ويتنقلون بين الكثير من البلدان، وما زالوا يعملون في المكان الذي يرغبون بالعيش فيه".
وقالت نينا ماكدويل، رئيسة قسم الإيجارات في شركة ستروت آند باركر في نايتسبريدج، أحد أغلى أحياء لندن، إن العديد من المستأجرين يفكرون في شراء عقار في لندن، ولكن فقط عندما يجدون المنزل المثالي بسعر رائع. وأضافت: "هناك الكثير ممن يدرسون خياراتهم"، "وربما ينتظرون أيضاً معرفة ما إذا كانت الأسعار ستنخفض أكثر."
آخرون، مثل أنطونيو فولبين، ببساطة لا يرون أن العقارات في لندن، تمثل فرصة استثمارية عظيمة، حيث انتقل فولبين، وهو إيطالي الجنسية، إلى لندن للعمل في عام 2011، وعاش في البداية في الفنادق، وعندما انضمت إليه زوجته وولداه في لندن عام 2012، استأجر منزلاً لأسرته.
وقال فولبين (61 عاماً) وهو مستشار في شركات إدارة أصول وأموال: "لقد فكرنا في شراء عقار، لأن السوق كان قوياً للغاية، لكنني اعتقدت أنه لا يمكن أن ينمو إلى الأبد، ومع عملي لست متأكداً أين سأكون في العام المقبل".
وقد أثبت قرار الأسرة بمواصلة الاستئجار أنه قرار حكيم، لأن أسعار المنازل الفاخرة في وسط لندن ظلت راكدة لما يقرب من عقد من الزمان. ووفقاً لشركة LonRes، ارتفع متوسط أسعار البيع في وسط لندن بنسبة 2.3% فقط بين عامي 2013 و2023 (من 2130 دولاراً إلى 2180 دولاراً للقدم المربع).
وفي عام 2016، انتقل فولبين إلى سنغافورة، والآن يقيم هو وزوجته الأستاذة الجامعية في روما. واختار ابناهما، البالغان من العمر 26 و22 عاماً، البقاء في لندن، لذلك واصل والداهما، اللذين يزورانها بانتظام، استئجار شقة مكونة من ثلاث غرف نوم وثلاثة طوابق في حي جنوب كنسينغتون التاريخي الراقي، على بعد ميلين غرب لندن.
ووقّع فولبين على اتفاقية عدم إفصاح، تمنعه من الكشف عن تكاليف إيجاره الشهري، لكن المتحدثة باسم وكيله العقاري، وينكوورث، قالت إن عقاراً مماثلاً سيكلف ما يصل إلى 191 ألف دولار سنوياً.
وقال فولبين: "بالتأكيد يمكنني الشراء بهذا المال، لكن النقطة المهمة هي أنه في الوقت الحالي، أصبح الأمر أشبه بمنزل لقضاء العطلات". "عندما آتي، أريد أن أكون قريباً من وسط المدينة ومن الأصدقاء الذين تعرفت عليهم أثناء إقامتي في لندن."
وتعتقد ماكدويل أن السبب وراء تسارع أسعار الإيجارات الراقية، بينما تنخفض أسعار بيع المنازل، هو سبب بسيط: الطلب على هذه الأنواع من الإيجارات مرتفع وهناك نقص خطير في المعروض من العقارات الجاهزة ذات المواصفات العالية.
وتضيف: "إنها حالة نادرة جداً"، "لن يضحي المستأجرون المميزون أو يتنازلون، ويجب أن يكون العقار أنيقاً وجميلاً، سيدفعون أسعاراً كبيرة، أو يدفعون سنة أو سنتين مقدماً، لتأمين العقار المناسب".
ولكن في حين أن الإيجارات آخذة في الارتفاع، لا يزال يتعين على أصحاب العقارات في وسط لندن، العمل بجد لجذب المستأجرين ذوي الأجور المرتفعة، الذين يتوقعون معايير الخمس نجوم.
تقول سينيد كونلون، رئيسة خدمات الشركات والنقل في شركة جون دي وود وشركاه للوكلاء العقاريين: "لقد كان لدي أشخاص يريدون إزالة الجدران أو القيام بأعمال توسعة ضخمة". "يريد البعض منهم عقاراً بتصميم داخلي يكلف حوالي 32000 دولار إلى 127000 دولار شهريًا. إنهم جميعاً يبحثون عن إضافات وتحسينات."
في إحدى الحالات، تمكنت كونلون من تأجير منزل كبير في ضاحية بريمروز هيل شمال لندن، لمستأجر أراد استبدال المراحيض الموجودة في الحمامات، وعددها 17، بنماذج يابانية مزودة بشطافات مدمجة. المستأجر، الذي دفع حوالي 70 ألف دولار شهرياً لاستئجار المنزل لمدة عام بدءاً من عام 2021، استقر في النهاية على تركيب 10 مراحيض جديدة فقط. قالت كونلون: "سعرها يبلغ حوالي 25 ألف جنيه إسترليني [32 ألف دولار] للقطعة الواحدة".
ويواجه أصحاب العقارات مشكلة أخرى وهي تضاؤل هوامش الربح، وتوضح بيكي فاطمي، الشريك التنفيذي لشركة Sotheby’s Realty UK، بأن أسعار الفائدة قفزت، ومنذ عام 2020، لا يستطيع أصحاب العقارات خصم فوائد الرهن العقاري من فواتير الضرائب الخاصة بهم.
وتقول فاطمي إن أصحاب العقارات، يجب أن يتوقعوا أن يدفعوا لوكيلهم العقاري ما بين 8% و15% من الإيجار السنوي، للعثور على مستأجر وتثبيته. وتضيف رسوم الإدارة أحياناً 5% أخرى إلى التكلفة.
يمتلك فيكرام ميرشانداني حالياً ويؤجر عقارين رئيسيين في لندن، وهو يدرك مدى صعوبة تحقيق ربح مجزٍ، حتى في سوق الإيجار الساخن. اشترى ميرشانداني، 46 عامًا، وهو بريطاني، منزلاً عائلياً مكوناً من خمس غرف نوم في حي بلغرافيا الراقي، منذ حوالي 10 سنوات. عاش في المنزل، لكنه وزوجته أصبحا يشعران بخيبة أمل متزايدة من الحياة في بريطانيا، وغادرا لندن في أكتوبر، ثم انتقلا إلى دبي مع أسرتهما الصغيرة في يناير، ولديهما طفل واحد وينتظران طفلاً ثانياً.
وقرر ميرشانداني عدم محاولة بيع العقار حتى ينتعش سوق العقارات في لندن. وفي أكتوبر 2023، انتقل المستأجرون إلى المنزل المستقل، الذي تبلغ مساحته 4200 قدم مربع، ودفعوا إيجاراً يقل قليلاً عن 8900 دولار شهرياً.
ويمتلك ميرشانداني أيضاً عقاراً ثانياً، وهو شقة بنتهاوس، مكونة من ثلاث غرف نوم في بلغرافيا وقال: "كانت الخطة هي شرائها وتطويرها وبيعها بهامش ربح كبير". "لكن بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لم يتحقق هذا الهامش الكبير أبداً".
والشقة اليوم مؤجرة مقابل 11500 دولار شهريًا، "أنا سعيد جدًا بالأسعار التي تحققت."
وهو أقل سعادة بالعائدات التي يجنيها رأسماله. ويقدر أنه بعد التكاليف، بما في ذلك ضريبة الدخل، فإنه يكسب حوالي 1.5% إلى 2%، وتقدم البنوك الكبرى في إنجلترا حالياً أسعار فائدة تتراوح بين 4% إلى 5%.
وعلى المدى الطويل، لا يزال ميرشانداني يدرس خياراته. وقال: "يمكنني الاحتفاظ بهم على أمل حدوث معجزة ما في يوم من الأيام ترفع أسعارهم، وإن أحببنا البقاء في دبي، فمن المحتمل أن نبيع العقارات".