ووفق اقتصاديين لـ"إرم الاقتصادية" فإن أزمة التمويل تعد العامل المشترك في انهيار هذه الشركات وإعلان إفلاسها، والسبب الرئيسي في ذلك هو ارتفاع سعر الفائدة الأميركية، واتجاه المستثمرين إلى أسواق الدين الأميركية، والتي تعد الأكثر موثوقية واستقرارا في العالم، وبالتالي ترتفع تكلفة التمويل على الشركات، وهو ما يضر بميزانياتها بشكل فادح.
ومؤخرا، تقدمت شركة "وي ورك" الناشئة الأميركية، التي توفر أماكن مشتركة للعمل، بطلب للحماية من الإفلاس، ما يمثل انهياراً مذهلاً بعد أن كانت الشركة الناشئة الأكثر قيمة في العالم.
إعلان الشركة طلب الحماية من الإفلاس بموجب الفصل 11 كان متوقعاً إلى حد بعيد، خصوصاً بعد أن قالت "وي ورك" الشهر الماضي، إنها تكافح من أجل سداد ديونها، حيث أثرت جائحة كورونا على الشركة بشكل بالغ، إذ شرع الموظفون في العمل من المنزل بدلاً من الانتقال إلى المكاتب.
وفقدت أسهم الشركة، المدعومة من سوفت بنك، أكثر من 99% من قيمتها، وبعدما بلغت نحو 47 مليار دولار في ذروتها، هوت إلى 45 مليون دولار قبيل إعلان إفلاسها.
ولا يقتصر الأمر على "وي ورك"، حيث زادت حالات إفلاس الشركات في الولايات المتحدة خلال النصف الأول من 2023 بأكبر وتيرة في 13 عامًا، رغم استمرار قوة سوق العمل والنمو الاقتصادي.
وكشفت بيانات "إس آند بي جلوبال ماركت إنتلجنس"، أن عدد الشركات الأميركية التي تعرضت للإفلاس في أول ستة أشهر من هذا العام ارتفع لأعلى مستوى منذ عام 2010، متجاوزًا الذروة المسجلة في 2020 مع ظهور وباء كوفيد-19.
وفي أول ستة أشهر من 2023، تقدمت 340 شركة أمريكية بطلبات لإعلان الإفلاس، وهو ما يقترب من الرقم المسجل في إجمالي عام 2022 والبالغ 374 طلبا.
يأتي ذلك في الوقت الذي توقعت فيه شركة أليانز الألمانية في مايو الماضي، أن تعلن 17800 شركة تأمين إفلاسها خلال العام الحالي، على خلفية الاضطرابات التي شهدها القطاعان المالي والبنكي وأزمة الطاقة في ألمانيا.
الفائدة المرتفعة زادت تكلفة التمويل على الشركات وأدت إلى عجز ماليوائل النحاس - خبير اقتصادي
في هذا الصدد، يقول الخبير الاقتصادي، وائل النحاس، إن معظم الشركات الناشئة والمتوسطة والصغيرة تعتمد على التمويل الخارجي، ورفع سعر الفائدة الأميركية والأوروبية أضر بهذه الشركات.
وأضاف النحاس، في تصريحات لـ "إرم الاقتصادية"، أنه عندما ارتفع سعر الفائدة زادت تكلفة التمويل على الشركات، وأصبح لديها عجز مالي لم تستطع معه تغطية مصاريفها ومسحوباتها، ما أدى إلى انهيارها بشكل مفاجئ.
وأوضح الخبير الاقتصادي، أن معظم البنوك التي كانت تمول هذه الشركات امتنعت عن تمويلها بعد ارتفاع الفائدة، ولم يعد هناك ما يسد ثغرة التمويل، ولذلك ظهرت موجة الإفلاس التي نراها الآن، وهناك 100 بنك وشركة في أميركا حاليا قد تلحق بموجة الإفلاس، لأن هذه البنوك كانت قائمة على وهم تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة.
موجة مستمرة
وتابع النحاس أن "العامل الأبرز الذي كانت تعتمد عليه هذه الشركات، هو التمويل من البنوك ورجال الأعمال، لكن عندما اتجهوا إلى سوق السندات الأميركية بعد رفع الفائدة، تم فضح هذه الشركات وكُشفت عن حقيقتها وضُربت في مقتل، لأنها لن تستطيع منافسة السندات الأميركية والعائد عليها".
ولفت الخبير الاقتصادي، إلى أن هذه الموجة من الإفلاس لن تنتهي قريبا، لأن الظروف الاقتصادية العالمية تشير إلى أننا نقترب من دخول أزمة مالية عالمية جديدة في الفترة من 2024 حتى 2026، وخلال هذه الفترة سنشاهد شكلاً جديداً للاقتصاد العالمي، وأزمة مالية تضرب كل من يعتمد على أسواق الدين، وسنسمع عن شركات أكبر تعلن إفلاسها في الفترة القادمة.
ومضى قائلا "العالم كان يعتمد على السلف والاقتراض، ونتيجة ذلك ستظهر الأزمة العالمية الجديدة".
من جانبه، اتفق الرئيس التنفيذي لمركز كورون للدراسات الاستراتيجية، طارق الرفاعي مع ما ذكره النحاس، مؤكدا أن كثيرا من الشركات اتجهت نحو الإفلاس بسبب الارتفاع الكبير في أسعار الفائدة.
وأضاف الرفاعي، في تصريحات لـ "إرم الاقتصادية"، أن الكثير من الشركات كانت تعتمد بشكل أساسي على الاستمرار في تمويل النمو عن طريق القروض الرخيصة، والآن بعد ارتفاع الفائدة وإغلاق باب الاقتراض أمامها أصبحت تعاني، وهذا ما أدى إلى إفلاسها.
موجة إفلاس الشركات سترتفع في الدول الأوروبية بسبب التباطؤطارق الرفاعي - الرئيس التنفيذي لمركز كورون للدراسات الاستراتيجي
وتوقع الرفاعي، أن ترتفع نسبة الإفلاس في الدول الأوروبية مقارنة بالولايات المتحدة، بسبب تباطؤ بعض القطاعات، وأبرزها القطاع الصناعي.
وفيما يتعلق بشركة "وي ورك"، قال إنها عانت ولديها مشاكل خاصة بها منذ البداية، بسبب توسعها الكبير وفتح كثير من البنايات في وقت قصير، فضلا عن مشاكل كثيرة في هيكلتها والإدارة السيئة.