logo
شركات

"شي إن" تحت نيران واشنطن وبكين.. هل بات إدراجها في أميركا مهدداً؟

"شي إن" تحت نيران واشنطن وبكين.. هل بات إدراجها في أميركا مهدداً؟
تاريخ النشر:28 مايو 2024, 03:05 م
تواجه شركة "شي إن" (Shein) العملاقة للأزياء السريعة، والتي تتميز بملابسها ذات الأسعار المعقولة، عقبات كبيرة في سعيها لطرح عام أولي في الولايات المتحدة. وبعد أن نمت لتصبح واحدة من أكبر شركات الأزياء في العالم مع مئات الملايين من العملاء، تعثرت طموحاتها بسبب تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين.

في نوفمبر الماضي، تقدمت الشركة بطلب للاكتتاب العام في نيويورك، ما رفع التوقعات بأنه سيكون واحداً من أكبر الاكتتابات العامة الأولية منذ سنوات.

وقام رئيسها التنفيذي دونالد تانغ، من مقره في الولايات المتحدة، بجولات مكوكية في جميع أنحاء البلاد للقاء السياسيين، متفائلاً بإمكانية إقناعهم برؤيته لـ"شي إن" كنموذج للامتثال للقوانين والشفافية.

وعلى الرغم من أن الشركة الصينية، التي تأسست عام 2012، نقلت مقرها الرئيسي إلى سنغافورة عام 2021، وتتعاقد مع آلاف المصانع الصينية لإنتاج أنماط جديدة كل يوم، إلا أن أكبر سوق لها هو الولايات المتحدة، وليست الصين.

مع ذلك، فشلت الشركة إلى حد كبير في سد فجوة عدم الثقة على جانبي المحيط الهادئ، حيث يشكك المشرعون في واشنطن في علاقات "شي إن" مع الصين، ويطالبون بمزيد من الشفافية بشأن سلسلة التوريد الخاصة بها. في الوقت نفسه، تتوقع بكين أن تتماشى "شي إن" وغيرها من الشركات التي لها عمليات كبيرة في الصين مع رسائلها الخاصة، ما يضيف المزيد من التعقيد إلى وضع "شي إن".

القطن

إحدى القضايا الكبيرة التي تعيق طرح "شي إن" في الولايات المتحدة هي "القطن"، ولا يتعلق فقط بأماكن الحصول عليه، بل أيضاً بالتصريحات والمواقف التي تتبناها الشركة بشأن هذا الموضوع.

في ضوء هذه التحديات، حولت "شي إن" جهودها الرئيسية في الاكتتاب العام الأولي إلى لندن، ومن المتوقع تقديم طلب في الأسابيع المقبلة. وبرزت الفجوة الآخذة في الاتساع بين بكين وواشنطن بشكل خاص في صناعات التكنولوجيا المتقدمة مثل أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي، لكن مأزق "شي إن" يشير إلى أنه لا توجد شركة محصنة، إذ إن التحديات التي تواجهها الشركة لإرضاء الطرفين لا تبشر بالخير بالنسبة للشركات الأخرى رفيعة المستوى ذات الجذور الصينية، التي تحاول تأسيس موطئ قدم لها في الولايات المتحدة.

وإلى جانب منصة التواصل الاجتماعي "تيك توك"، ومتجر التجزئة "تيمو"، تعد "شي إن" من بين الشركات الكبرى القليلة ذات الجذور الصينية التي حققت نجاحاً كبيراً مع المستهلكين الأميركيين. ومع ذلك، واجهت جميع هذه الشركات تدقيقاً مكثفاً في واشنطن.

خلال الشهر الماضي، وقع الرئيس الأميركي جو بايدن على مشروع قانون قد يؤدي إلى فرض حظر على "تيك توك" إذا لم تقم مالكته الصينية، "بايت دانس"، بسحب استثماراتها من المنصة في غضون عام. كما حول تطبيق "تيمو"، المملوك لشركة "بي دي دي هولدينغز"، التركيز إلى أسواق خارج الولايات المتحدة بعد مواجهة تحديات تنظيمية، بالرغم من كونه ثاني أكثر تطبيقات التسوق عبر الإنترنت شعبية في السوق الأميركية، بعد "أمازون".

اضطرت الشركات نفسها على نحو متزايد إلى الانحياز الى أحد الجانبين منذ الإدراج المثير للجدل لشركة "ديدي غلوبال" لخدمات نقل الركاب، ومقرها بكين، في الولايات المتحدة في عام 2021. وأدى تحدي "ديدي" للهيئات التنظيمية الصينية إلى تداعيات شديدة بعد الاكتتاب العام الأولي، حيث فرض المنظمون الصينيون عليها قيوداً ومراجعة لأمن البيانات، ما تسبب في شطب الشركة من بورصة نيويورك بعد 11 شهراً.

يقول شنغ لو، الخبير في صناعة النسيج والملابس العالمية في جامعة ديلاوير: "إذا لم تتمكن [شي إن] من تحقيق ذلك، فمن لديه فرصة أفضل؟"، مشدداً على أن [شي إن]، "لا تعمل في صناعة التكنولوجيا الحساسة، بل هي مجرد متجر لبيع الملابس بالتجزئة."

أصبح دونالد تانغ، الرئيس التنفيذي لـ"شي إن"، الوجه الغربي للشركة منذ انضمامه إليها في عام 2022. في العام الماضي، انتقل المدير التنفيذي السابق لبنك بير ستيرنز، وله علاقات عميقة في كل من الولايات المتحدة حيث عاش لمدة أربعة عقود والصين حيث ولد، من لوس أنجلوس إلى واشنطن ليكون أقرب إلى جهود الضغط التي تبذلها "شي إن". حيث مكنته خبرته في اكتتابات الشركات وخلفيته في التنقل عبر المشهد الجيوسياسي الحالي لـ"شي إن"، إذ وجد أن بيعها كشركة عالمية متوافقة في البيئة السياسية الحالية يتطلب مجموعة مهارات مختلفة. وقال: "لقد تعلمت في السنوات القليلة الماضية أكثر بكثير مما تعلمته في الحياة السابقة التي كنت فيها".

تعتبر هوية "شي إن" التي تتواجد بين مكانين وضعاً مألوفاً بالنسبة لدونالد تانغ البالغ من العمر 61 عاماً، المواطن الأميركي لعقود ولكنه لا يزال يُسأل عن موطنه الأصلي. وجاء إلى الولايات المتحدة في عام 1982 ليلحق بصديقته التي التقى بها في مسابقة رياضيات عندما كان عمره 14 عاماً.

وفي مقال نشره في صحيفة لوس أنجلوس تايمز في عام 2006، روى تانغ كيف أنه اتصل برقم الطوارئ للقنصل العام الأميركي عندما كان في السابعة عشرة من عمره في الصين، قائلاً إنه يحتاج إلى تأشيرة ليتمكن من البقاء مع صديقته. وصل إلى الولايات المتحدة وفي جيبه 20 دولاراً فقط، وهو الحد الأقصى الذي كان القانون الصيني يسمح للمواطنين بإخراجه من البلاد في ذلك الوقت. صديقته هي الآن زوجته وأم لطفليهما.

تخرج تانغ في جامعة ولاية كاليفورنيا للفنون التطبيقية في بومونا، وتولى لاحقاً أدواراً تنفيذية في بنك "بير ستيرنز". وفي وقت لاحق، بصفته نائباً لرئيس مجلس الإدارة هناك، لعب دور الوسيط بين البنك وبنك "سيتيك الصيني "، والذي كان سيصبح أول بنك صيني يضخ رأس المال في أحد بنوك وول ستريت. لكن الصفقة فشلت بعد انهيار بنك "بير ستيرنز" خلال الأزمة المالية وتم الاستحواذ عليه من قبل "جيه بي مورغان" في عام 2008.

سمع تانغ عن "شي إن" لأول مرة في بدايات جائحة كوفيد-19، عندما كان هو وعائلته في هاواي، بعد أن أبدت زوجته إعجابها بقناع وجه لطيف ارتدته مضيفة في مطعم محلي، وقيل لها إن القناع من شركة "شي إن". وبعد مرور عام، قدم صديق مشترك تانغ إلى الرئيس التنفيذي لشركة "شي إن"، سكاي شو، الذي بقي بعيداً عن الأضواء طوال فترة صعود الشركة السريع، وبدأ تانغ بتقديم المشورة له. وفي عام 2022، بعد أشهر من نقل الشركة مقرها الرئيسي إلى سنغافورة، تولى تانغ قيادة جهود بناء الهوية العالمية للشركة.

وتحت قيادته، شكلت "شي إن" شراكات مع علامات تجارية غربية مثل "فوريفر 21"، وحاولت تنويع سلسلة التوريد الخاصة بها خارج الصين. كما عيّن مديرين تنفيذيين ومستشارين غربيين، بمن في ذلك فرانسيس تاونسند، التي كانت مستشارة للأمن الداخلي في البيت الأبيض في عهد جورج دبليو بوش.

وحققت "شي إن" مبيعات وأرباحاً قياسية في عام 2023، وفقاً لرسالة موجهة إلى المستثمرين. ومع ذلك، وعلى الرغم من كل حملات تانغ ذات التوجه الغربي، بقي مدركاً أن "شي إن" ليست محصنة ضد ضغوط بكين، وأن فقدان تأييد السلطات الصينية قد يكلف الشركة كثيراً.

وتعتبر مصادر القطن هي القضية الأساسية لكل من واشنطن وبكين، إذ يحظر القانون الأميركي الواردات المرتبطة بإِقليم شينجيانغ، حيث تتهم واشنطن السلطات الصينية باستخدام العمل القسري في قمعها للأويغور، وهي مزاعم تنفيها بكين. ويطالب المشرعون الأميركيون بضمانات من "شي إن" بأنها لا تستخدم القطن من شينجيانغ، الذي يمثل الغالبية العظمى من إنتاج القطن في الصين، في حين أن معالجة هذه القضية علناً قد يثير غضب بكين، فالشركات التي يُنظر إليها على أنها تذعن للانتقادات الغربية بشأن شينجيانغ تخاطر بالانتقام السريع، كما حصل مع شركة (H&M) في عام 2021 عندما أدى إعلانها بأنها ستتوقف عن توريد القطن من شينجيانغ إلى حذف موقعها من الإنترنت الصيني.

صرحت "شي إن" لصحيفة وول ستريت جورنال العام الماضي أنها لا تستورد القطن من شينجيانغ أو حتى من الصين، لكن تصريحاتها الأحدث تتجاهل أي ذكر لشينجيانغ، وتقول ببساطة إنها لا "تتسامح مطلقاً" مع العمل القسري، دون ذكر شينجيانغ بشكل محدد.

وحتى أواخر العام الماضي، كان موقع "شي إن" الإلكتروني يتضمن تقريراً عن الاستدامة والأثر الاجتماعي، مع معلومات حول مصادر القطن وتتبعه واختباره، ولاحقاً تمت إزالة التقرير من الموقع.

ويؤكد الأشخاص المقربون من الشركة أن القطن يشكل حوالي 4% من ملابس "شي إن" المبيعة في الولايات المتحدة. وقالت شركة (Oritain)، ومقرها نيوزيلندا، تتحقق من منشأ المواد الخام، إن اختبارات عينات قطن "شي إن" في عامي 2022 و2023 أشارت إلى أن 1.7% يأتي من مناطق تسميها "غير معتمدة". بالنسبة لـ"شي إن"، هذا يعني شينجيانغ. ويقارن ذلك بمتوسط في الصناعة يبلغ 14% في عام 2022.

ويقول خبراء الصناعة إنه من الصعب على أي صانع ملابس أن يتخلص من قطن شينجيانغ بشكل كلي، نظراً لمدى تعقيد سلسلة التوريد العالمية، إذ غالباً ما ينتهي الأمر بالقطن الخام من مصادر مختلفة في نفس مصانع المعالجة.

عندما تقدمت شركة "شي إن" بطلب إلى هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية لإدراجها في الولايات المتحدة في نوفمبر، قامت بذلك بشكل سري، وهو إجراء شائع يتيح للشركة الاحتفاظ بالبيانات التجارية والمالية الحساسة، بعيدًا عن أعين الجمهور والمنافسين أثناء المناقشات مع الجهات التنظيمية.

أخبرت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية شركة "شي إن" أنه لن يتم قبول طلبها ما لم تتقدم علناً، بحسب أشخاص مطلعين على الأمر، وهي خطوة يقول محامو الأوراق المالية إنها غير مألوفة. وحتى الآن، لم تقم "شي إن" بذلك.

كما يقول محامو هيئة الأوراق المالية والبورصة إن الإيداع العام لن يضمن موافقة الهيئة على اكتتاب "شي إن"، ولكنه قد يثير انتباه المشرعين والمسؤولين الحكوميين ووسائل الإعلام إلى قضايا حساسة.

قدمت "شي إن" نفس الأوراق إلى هيئة تنظيم الأوراق المالية في الصين، وهو أمر يتعين على الشركات التي تمتلك عمليات كبيرة في الصين القيام به عندما تسعى إلى طرح أسهمها للاكتتاب العام.

كما فتحت هيئة مراقبة الأمن السيبراني الصينية تحقيقاً في ممارسات البيانات الخاصة بشركة "شي إن"، وهو ما أصبح خطوة روتينية في السنوات الأخيرة. وتضمنت المراجعة كيفية تعامل "شي إن" مع المعلومات المتعلقة بموظفيها ومورديها وشركائها. وقال أشخاص مطلعون على الأمر إن السلطات أولت اهتماماً خاصاً أيضاً للغة "شي إن" فيما يتعلق بقطن شينجيانغ. ولم تستجب الهيئة الصينية لطلب التعليق على الامر.

بدأ هذا العام بداية مشؤومة بالنسبة لتانغ، فبالاضافة الى المشكلات في بكين، ظهرت تقارير حول محاولة مستثمري "شي إن" بيع حصصهم في الأسواق الخاصة. كما بدأت الشركة داخلياً في مناقشة بدائل الاكتتاب العام الأولي في نيويورك.

وفي فبراير، حث السيناتور ماركو روبيو (جمهوري من فلوريدا) رئيس هيئة الأوراق المالية والبورصة غاري غينسلر على منع الاكتتاب العام الأولي لشركة "شي إن" ما لم تكشف عن تفاصيل حول هيكلها وعلاقاتها مع الحكومة الصينية.

وفي مارس، وافق المشرعون الفرنسيون على مشروع قانون للأزياء السريعة من شأنه أن يفرض رسوماً باهظة على الملابس منخفضة التكلفة التي تبيعها شركات مثل ""شي إ" للحد من التأثير البيئي لهذه الصناعة، بينما أعلنت وزارة الأمن الداخلي الأميركية عن زيادة التدقيق على الطرود منخفضة القيمة المرسلة من الخارج مباشرة إلى المستهلكين الأميركيين، دون وجود رسوم جمركية وقليل من التدقيق. وتعتمد "شي إن" على طريقة الشحن هذه في ظل ثغرة تجارية يقول النقاد إنها تساعد الشركات أيضاً على تجنب حظر الاستيرادات المصنوعة بالعمالة القسرية.

وفي الشهر نفسه، صنفت أوروبا "شي إن" بأنها "منصة كبيرة جداً على الإنترنت"، وهو التصنيف الذي يفرض قواعد صارمة عليها، بما في ذلك المنتجات المقلدة وغير الآمنة وبيانات المستهلك.

ووفقا لتانغ، تحولت أولوية "شي إن" الآن إلى الامتثال، مع خطط لاستثمار 50 مليون دولار في جهود الامتثال العالمية على مدى السنوات القليلة المقبلة. وتعكس هذه الإستراتيجية نهج "تيك توك" لدرء الحظر الأميركي من خلال توسيع وجودها في الولايات المتحدة واستثمار 1.5 مليار دولار في مشروع الامتثال لاستخدام البيانات.

كما يؤكد تانغ أن خطط الإدراج الخاصة بشركة "شي إن" تهدف إلى الالتزام بالتدقيق، ويصور تطلعات الاكتتاب العام للشركة كجزء من التزامها بالشفافية. وقال: "تسعى معظم الشركات إلى طرح أسهمها للاكتتاب العام لأسباب تتعلق بالسيولة. نحن نسعى إلى طرح الأمر للعامة أمام التدقيق وسعياً للشفافية".

وعندما سُئل في لجنة معهد ميلكن في أوائل شهر مايو عن المكان الذي تنتمي إليه "شي إن"، أشار تانغ إلى أنه يمكن اعتبارها شركة صينية، استناداً إلى المكان الذي يوجد فيه معظم سلسلة التوريد والموظفين لديها، أو شركة سنغافورية، ومقرها الرئيسي ووظائفها المهمة الأخرى هناك. لكنه خلص إلى أن قيم "شي إن" ورسالتها ورؤيتها تتوافق مع القيم الأميركية لريادة الأعمال والابتكار والتعبير عن الفردية وسيادة القانون والمنافسة العادلة. وقال: "أعتقد أنه إذا نظرنا إلى الأمر بهذه الطريقة، فإننا شركة أميركية".

وعلى الرغم من جهودها، يبقى التحدي الأساسي الذي تواجهه "شي إن" هو تشكيك واشنطن، إذ لا تسعى بكين إلى منع إدراجها في الخارج، حيث أشارت هيئة تنظيم الأسواق الصينية إلى أنها ستعطي موافقة نهائية بمجرد اقتراب "شي إن" من الإدراج المحتمل. بالتالي، لم تتخل شركة "شي إن" تماماً عن فكرة الإدراج في الولايات المتحدة، وفقاً لمصادر مطلعة على الأمر.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC