إن كنت مقيماً في الشرق الأوسط، أو في أوروبا أو إفريقيا، أو حتى بعيداً في الأميركتين، ثمة احتمال كبير بأن تكون السيارة التي تستقلها والثوب الذي ترتديه، وذاك الهاتف الذي تحمله، مرّت من دبي قبل أن تصل إليك.
في العام الماضي، حلّ ميناء جبل علي، وهو الميناء الرئيس في إمارة دبي والأكبر إقليمياً، في المركز العاشر ضمن قائمة أضخم موانئ الحاويات في العالم، وفقاً لتقرير صادر عن شركة "ألفالاينر" (Alphaliner) المتخصصة في الشحن البحري، متجاوزاً أكبر موانئ أوروبا، ميناء روتردام، وكذلك ميناء هونغ كونغ.
تبوأ ميناء جبل علي الذي تديره شركة "دي بي وورلد" تلك المرتبة، بعدما قام بمناولة نحو 14.5 مليون حاوية نمطية عام 2023، ارتفاعاً من 14 مليون حاوية تقريباً في 2022، ما مكّنه من حجز مكانته بين العشرة الكبار ضمن التصنيف العالمي. كما أن 80% من حجم تجارة دبي الخارجية، يتم من خلال الميناء، وفقاً لبيانات "دي بي وورلد" التي تشير إلى أن طاقته الإجمالية تصل إلى 19 مليون حاوية نمطية سنوياً.
إضافة إلى الميناء، يحتل مطار دبي الدولي حالياً المرتبة الـ17 عالمياً بحجم الشحنات الذي بلغ نحو 1.8 مليون طن منقولة في 2023، وفق بيانات "ستاتيستا"، والأول من حيث حركة الركاب الدولية بتسجيله قرابة 87 مليون مسافر في العام الماضي، بحسب "مجلس المطارات الدولي".
تعكس هذه الأرقام الدور الكبير الذي تلعبه الإمارة، ودولة الإمارات عموماً في مشهد التجارة العالمية. فهي تقع على مفترق طرق الشرق والغرب، وتمنح إمكانية الوصول جواً إلى أسواق تضم مليارات المستهلكين في غضون ساعات معدودة. ويتيح هذا الموقع الإستراتيجي، تدفقاً سلساً للسلع والأعمال والاستثمارات عبر الشرق الأوسط وأوروبا وإفريقيا وآسيا.
وتصنف الإمارات في مراكز متقدمة عالمياً لجهة الجودة والكفاءة اللوجستية، مدفوعة باستثمارات ضخمة في البنية التحتية للنقل، إلى جانب السياسات المتبعة، وإجراءات تيسير التجارة، والتخليص الجمركي السريع، ومبادرات التحوّل الرقمي.
توفر موانئ الإمارات اتصالاً مباشراً بأكثر من 150 ميناءً حول العالم، وهي مرتبطة بأكثر من 180 خط شحن، بحسب بيانات "دي بي وورلد". وقد ارتفع عدد السفن التي تعاملت معها دبي خلال 3 سنوات إلى نحو 60 ألف سفينة، تلبي احتياجات مليارات المستهلكين حول العالم.
ليس بعيداً عن ميناء جبل علي، تقع المنطقة الحرة في جبل علي "جافزا" التي تعد جزءاً من مجموعة "دي بي وورلد". وباعتبارها أول وأكبر منطقة حرة في الشرق الأوسط، تشكل "جافزا" مركزاً لحركة التجارة، وموطناً لأكثر من 9 آلاف شركة من القطاعات الصناعية واللوجستية الرئيسة التي تطمح للوصول إلى أسواقها المستهدفة في وقت قياسي، إذ سهلت المنطقة حتى الآن تجارة بحجم يفوق 120 مليار دولار.
وتستضيف دبي أكبر مركز لتجارة السيارات في المنطقة، إذ يدعم موقع الإمارة الإستراتيجي إلى جانب بنيتها التحتية اللوجستية، النشاط المطرد لقطاع السيارات. ميناء جبل علي، يضم رصيفاً بسعة تبلغ 750 ألف مركبة منشأة بالكامل.
وقد استطاعت "جافزا" جذب عمالقة صناعة السيارات، مثل "فورد" و"جنرال موتورز" و"هوندا" و"ميتسوبيشي" و"فولكس فاجن"، كما توفر سوق السيارات المستعملة التابعة لـ"دي بي وورلد" المعروفة باسم "منطقة دبي للسيارات" (Dubai Auto Zone)، منصة تحفّز على المزيد من النمو في القطاع.
وصلت مساهمة "جافزا" وميناء جبل علي في الناتج المحلي الإجمالي لإمارة دبي، إلى 33%، وإلى نحو 10% من الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات، بحسب دراسة قامت بها مجموعة "بوسطن الاستشارية" حول دور الميناء والمنطقة الحرة. ولا يبدو أن هذه المساهمة ستضعف، إذ توقع تقرير أعدته "موردور إنتيليجنس" (Mordor Intelligence) أن يبلغ حجم سوق الشحن والخدمات اللوجستية في الإمارات 20.1 مليار دولار في عام 2024، على أن يصل إلى 30.2 مليار دولار بحلول 2030، أي بمعدل نمو سنوي مركب قدره 7% خلال الفترة بين 2024 و2030.
مَعلم رئيس آخر برز في الإمارة، وهو "ممر دبي اللوجستي" الذي يربط بين مناطق تجارية رئيسة، مثل ميناء جبل علي و"جافزا" ومطار آل مكتوم الدولي. ويعمل هذا الممر على تعظيم العمليات اللوجستية للمدينة، وتعزيز الكفاءة في النقل المحلي والإقليمي للبضائع، عبر تقليل وقت النقل البحري والجوي وزيادة كفاءة الخدمات اللوجستية.
انضمام الإمارات أخيراً إلى مجموعة "بريكس"، يوفر هو الآخر فرصة إضافية لتعزيز العلاقات التجارية الثنائية مع الدول الأخرى في المجموعة، والتي تشكل جميعها أسواقاً ضخمة، بما يعزز بصمة الإمارات التجارية العالمية.
ومن خلال إطلاق إستراتيجية "خط دبي للحرير"، تسعى دبي إلى أن تصبح حلقة وصل حيوية في شبكة التجارة العالمية الحديثة، إذ تهدف هذه المبادرة المستوحاة من طريق الحرير التاريخي الذي كان يربط آسيا وأوروبا وإفريقيا، إلى تعزيز التعاون العالمي والشحن البحري والجوي والقدرات اللوجستية.
بموجب هذه الإستراتيجية، أنشأت دبي ما يُعرف بـ"الجواز اللوجستي العالمي" (World Logistics Passport) أو (WLP)، وهو أول برنامج شحن في العالم يعمل على تسريع التجارة العالمية، مع خلق فرص جديدة عبر الأسواق النامية.
يُتوقع أن يُحدث هذا البرنامج ثورة في المعاملات الدولية، من خلال تفكيك الحواجز التجارية الحالية، وخفض تكاليف التبادل والمعاملات، وتعزيز الشراكات التجارية العالمية، وزيادة كفاءة الاستيراد والتصدير، إذ يشمل شبكة من مراكز التجارة الكبرى في أكثر من 20 دولة، ويجسد حصة ضخمة من نظام التجارة العالمي.
في عام 2021، دخل "الجواز اللوجستي العالمي" الصين للمرة الأولى، ليبرم عام 2023 شراكة مع تايلاند لتعزيز التجارة عبر جنوب شرق آسيا.
ولا يقتصر دور دبي في التجارة العالمية على كونها نقطة شحن عابر فحسب، بل تشكل مركزاً ذا قيمة مضافة، حيث يتم نقل البضائع ومعالجتها وتعبئتها وإعادة توزيعها بكفاءة وسرعة. وقد حلّت الإمارات ضمن المراكز العشرة الأولى في مؤشر أداء الخدمات اللوجستية للبنك الدولي لعام 2023.
كما تتمتع الإمارات بإحدى أفضل شبكات الطرق على مستوى العالم. وبحسب مؤشر تنمية السفر والسياحة 2024 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، احتلت الإمارات المركز الخامس عالمياً، والأول عربياً في جودة الطرق.
كذلك، يبعث التقدم في الذكاء الاصطناعي و"البلوكتشين" والتقنيات المستدامة، إلى جانب طموح دبي في مجال الطباعة ثلاثية الأبعاد والتسليم بواسطة الطائرات دون طيار، مؤشرات على أنها تمضي قدماً لإعادة تعريف الخدمات اللوجستية وإدارة سلاسل التوريد العالمية.