بدأ تعليق المساعدات الخارجية الأميركية في تعطيل جهود البحث التي توفر بيانات اقتصادية حيوية عن الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم وأحد أكثرها انغلاقاً.
وفقاً لتقرير صحيفة «وول ستريت جورنال»، أدى وقف التمويل، الذي يشمل مؤسسات رئيسة مثل وزارة الخارجية الأميركية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية والصندوق الوطني للديمقراطية، إلى إجبار العديد من المنظمات على تقليص أو تعليق مشاريعها التي تراقب المؤشرات الاقتصادية الهامة.
لطالما لعبت المنظمات غير الربحية دوراً حاسماً في جمع المعلومات حول ظروف العمل وسلاسل التوريد والاضطرابات العمالية في الصين، وهي بيانات لا تقدر بثمن بالنسبة للمستثمرين الأجانب والشركات متعددة الجنسيات وصانعي السياسات.
واعتمدت العديد من هذه المنظمات على منح حكومية أميركية لتمويل الأبحاث المستقلة التي توفر رؤى حول استقرار الاقتصاد الصيني وعلاقاته الصناعية والبيئة التنظيمية.
وإحدى المبادرات التي تأثرت بشكل كبير هي (China Dissent Monitor) التابعة لمنظمة «فريدم هاوس» (Freedom House)، والتي تتبع الإضرابات العمالية والاحتجاجات، حيث كانت هذه المنصة أداة رئيسة في تحديد التحولات في سوق العمل الصيني وقياس الضغوط الاقتصادية.
وتجدر الإشارة إلى أنه قبل تعليقها، سجلت المنصة زيادة بنسبة 27% في الاحتجاجات العمالية بين يوليو وسبتمبر 2024، حيث قاد العمال أكثر من 40% منها، وهو مؤشر على تزايد الضغوط الاقتصادية.
وبالمثل، فقدت منظمة مراقبة العمل الصينية (China Labor Watch)، ومقرها نيويورك، حوالي 90% من ميزانيتها البالغة مليون دولار لعام 2025 بسبب تجميد المساعدات، ونتيجة لذلك، أوقفت تحقيقاتها في العمل القسري داخل سلاسل التوريد الصينية، وهو ما قد يؤثر على الامتثال التجاري العالمي، إذ ساعدت أبحاث المنظمة سابقاً الجهات التنظيمية الأميركية في فرض حظر على الواردات المرتبطة بالعمل القسري.
أثرت التخفيضات في التمويل على الأبحاث المتعلقة بسلاسل التوريد الصينية، وهي مسألة حيوية للشركات متعددة الجنسيات التي تحاول الالتزام بالمعايير القانونية والأخلاقية.
وقد تواجه الشركات صعوبات متزايدة في التحقق من شفافية سلاسل التوريد وتقليل المخاطر القانونية المرتبطة بالتصنيع في الصين، مع غياب هذه التحقيقات المستقلة.
كما تأثرت منظمة (China Digital Times)، ومقرها كاليفورنيا، وهي متخصصة في تحليل الرقابة والدعاية الصينية.
وكانت المنظمة مصدراً رئيساً للأعمال والحكومات التي تتابع البيئة التنظيمية والسياسات الصناعية الصينية، إذ اضطرت إلى خفض رواتب الإدارة وتقليل ساعات العمل، ما يهدد قدرتها على مراقبة التغييرات في سياسات بكين الاقتصادية والإعلامية.
ووفقاً للتقرير، يعرقل تعليق التمويل إلى جانب قضايا العمل وسلاسل التوريد عمل مراكز الأبحاث والمؤسسات التي تحلل المشهد الاقتصادي الصيني بشكل أوسع، إذ أوقف (Atlantic Council)، وهو معهد أبحاث مقره واشنطن، العديد من مشاريعه المتعلقة بالصين، بما في ذلك الدراسات حول كيفية استخدام بكين للمؤسسات الاقتصادية الدولية لتعزيز مصالحها.
وزودت هذه المشاريع المستثمرين وصانعي السياسات بتحليلات حول استراتيجيات التجارة الصينية، وسياسات الملكية الفكرية، والتغيرات التنظيمية التي تؤثر على الأسواق المالية العالمية.
ومنذ عام 2019، موّلت المنح الحكومية الأميركية حوالي 70% من أبحاث المعهد عن الصين.
ولتعويض فقدان التمويل، يفكر المعهد الآن في فرض رسوم على بعض تقاريره البحثية، ما قد يحدّ من إمكانية الوصول إلى هذه المعلومات الاقتصادية الهامة.
أصبح المستثمرون الأجانب وصانعو السياسات يعتمدون بشكل متزايد على المنظمات غير الحكومية ومراكز الأبحاث للحصول على رؤى موثوقة، ولا سيما مع تشديد بكين سيطرتها على البيانات ومنع التحليلات المستقلة.
التقرير أوضح أن وقف الدعم الأميركي يهدد بإضعاف هذه الجهود البحثية، ما يخلق نقاطاً عمياء في التقييمات الاقتصادية العالمية.
وقال مسؤول في مؤسسة أميركية خاصة كانت تمول أبحاثاً عن الصين: «عندما تنهار المنظمات غير الربحية الصغيرة، لا يمكن إعادة بنائها بسهولة»، مضيفاً أن فقدان هذه المؤسسات قد يؤدي إلى تقليل الوصول إلى بيانات اقتصادية مستقلة، ما يزيد من الاعتماد على المصادر الرسمية الصينية التي قد تفتقر إلى الشفافية.
وتتجه المنظمات البحثية الآن، مع تعليق الدعم الحكومي الأميركي، إلى مصادر بديلة، بما في ذلك المؤسسات الخاصة والحكومات الأجنبية، لضمان استمرار عملها، إلا أن العديد منها يشير إلى أن التمويل غير الأميركي لمشاريع البحث حول الصين لا يزال محدوداً، نظراً للحساسيات الدبلوماسية.
وشدد التقرير على أن تعليق المساعدات الأميركية خلق حالة من عدم اليقين للمنظمات البحثية والشركات وصانعي السياسات الذين يعتمدون على بيانات اقتصادية مستقلة عن الصين، مؤكداً أنه إذ لم يتم استعادة التمويل أو إيجاد بديل له، فقد تكون لهذه التطورات آثار طويلة الأجل على التخطيط الاقتصادي العالمي، وقرارات الاستثمار، وأمن سلاسل التوريد.