خصصت الولايات المتحدة ما يقرب من 65 مليار دولار للمساعدات الخارجية في العام 2023، محافظةً على موقعها كأكبر مساهم في الدعم المالي للتنمية العالمية. وتم تركيز هذا التمويل بشكل رئيس على دعم خدمات الصحة والتعليم، بالإضافة إلى تعزيز حقوق الإنسان وتقديم المساعدة العسكرية للحلفاء الاستراتيجيين.
كما تم توجيه جزء كبير من المساعدات الأميركية نحو الجهود الإنسانية، بما في ذلك الإغاثة في حالات الكوارث والمساعدة الطبية في مناطق النزاع، إلى جانب دعم التحول بعيداً عن الوقود الأحفوري، ومكافحة إنتاج المواد الأفيونية التي قد يتم تهريبها إلى الأراضي الأميركية.
ومع ذلك، وبحسب تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال»، فقد شهدت المساعدات الخارجية الأميركية تخفيضات كبيرة خلال إدارة الرئيس ترامب، حيث فرض الأخير تجميداً لمدة 90 يوماً على جزء كبير من المساعدات؛ ما دفع إلى إعادة تقييم أولويات المساعدات الخارجية للبلاد في إطار أجندته «أميركا أولاً».
وفي 28 يناير، وقع وزير الخارجية ماركو روبيو على إعفاء يسمح باستئناف برامج إنسانية حيوية، مثل تشغيل المستشفيات الميدانية في مناطق النزاع.
وبينما تبقى الولايات المتحدة أكبر منفق للمساعدات الخارجية من حيث القيمة الدولارية بين الدول الغنية، متفوقة على أي دولة أخرى في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إلا أنها تتأخر عن دول مثل اليابان والمملكة المتحدة وفرنسا عندما يتم احتساب المساعدات كنسبة مئوية من اقتصادها.
وتواصل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، التي تأسست العام 1961، كونها الوكالة الرئيسة المسؤولة عن المساعدات الأميركية، حيث تدير نحو ثلثي الأموال المخصصة. ومع ذلك، بات مستقبل الوكالة محل تساؤل في ضوء الجهود الأخيرة لتفكيكها؛ ما أثار تساؤلات كبيرة حول الجهة التي ستشرف على البرامج التي يُسمح باستئنافها بعد التجميد الذي دام 90 يوماً.
وتشمل الوكالات الأميركية الأخرى المعنية بالمساعدات الخارجية كلاً من وزارة الخارجية، التي تدير برامج الصحة العامة والمياه في مخيمات اللاجئين، ووزارة الصحة والخدمات الإنسانية التي تراقب تفشي الأمراض، ووزارة الخزانة التي تدعم المؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي، وتساعد الدول النامية في إدارة الأزمات المالية.
يعتمد توزيع المساعدات الأميركية على كل من الحاجة والأولويات الاستراتيجية. وكانت الدول التي تشهد أزمات إنسانية، مثل السودان وإثيوبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، من أبرز المستفيدين.
ومع ذلك، تلعب الاعتبارات الجيوسياسية دوراً كبيراً في تخصيص المساعدات. على سبيل المثال، كانت إسرائيل، رغم كونها دولة ذات دخل مرتفع، من أكبر المستفيدين من المساعدات الأميركية لعدة سنوات، تليها الأردن ومصر. ومنذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في 2022، أصبحت أوكرانيا أكبر مستفيد من المساعدات الأميركية، متفوقة على دول أخرى بما في ذلك المساعدات العسكرية.
على الرغم من انخفاض حصة إفريقيا من إجمالي المساعدات الأميركية في العقد الماضي، فإن بعض أبرز الأدلة على تأثير المساعدات الأميركية تظهر في برامج مثل «خطة الرئيس الطارئة للإغاثة من الإيدز» (PEPFAR)، التي حققت نتائج إيجابية وواضحة.
منذ إنشائها في العام 2003، تم الإشادة بـ(PEPFAR) لدورها في إنقاذ ما يقرب من 26 مليون حياة، خاصة في الدول الإفريقية. وحققت المبادرة نجاحاً كبيراً في توفير العلاج بالعقاقير المضادة للفيروسات القهقرية. ومن المتوقع أن يسهم الدعم المستمر في تقليص الوفيات والإصابات الجديدة المرتبطة بالإيدز بشكل كبير بحلول نهاية العقد.
علاوة على ذلك، ساهم التمويل الأميركي للقاحات وبرامج التغذية والوقاية من الملاريا في انخفاض ملحوظ في معدلات وفيات الأطفال في الدول النامية. وأظهرت دراسة أجريت في العام 2022 أن الدول التي تلقت تمويلاً يفوق المتوسط من (USAID) شهدت انخفاضاً في وفيات الأطفال دون سن الخامسة بمقدار 29 وفاة لكل 1,000 ولادة حية.
أما في مجالات أخرى، كانت المساعدات الأميركية أقل فاعلية. على الرغم من الاستثمارات الكبيرة في تدريب الجيوش المحلية ودعم الحكم الرشيد في دول مثل النيجر ومالي وبوركينا فاسو، شهدت هذه الدول تصاعداً في الانقلابات وتوجهاً نحو تعزيز علاقاتها مع روسيا؛ ما أدى إلى طرد القوات الأميركية.
وبينما تعيد الولايات المتحدة النظر في استراتيجيتها للمساعدات الخارجية، لا تزال هناك تساؤلات حول فعالية الإنفاق الحالي ومدى توافقه مع أهداف السياسة الخارجية الأميركية الأوسع.